ذكر موقع (بي بي سي عربي، 9/3/2018): (لقد نفذ ترامب تهديداته السابقة بفرض جمارك 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألمنيوم. وقال ترامب: إن هذه الخطوة ستعزز الصناعات الأمريكية؛ بعدما واجهت أمريكا ممارسات تجارية غير عادلة. وقال: بأن هذه الخطوة ستدافع عن الأمن القومي الأمريكي...). وفي المقابل فإن هذه الخطوة قد لاقت معارضة شديدة من سياسيين داخل أمريكا، وحتى من أصحاب الصناعات؛ مثل مصانع السيارات والطائرات. ولاقت أيضا رفضا وتنديدا من قبل الدول الأخرى؛ مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان... وغيرها من دول متضررة.. كما لاقت تحذيرات وردود فعل من قبل صندوق النقد الدولي، ومدير عام منظمة التجارة العالمية (روبرتو أزيفيدو).. حيث ذكر موقع (بي بي سي) بتاريخ 3/3/2018 تقريرا جاء فيه: (أن الناطق باسم صندوق النقد الدولي حذر من قرارات ترامب التجارية وقال: إن هذه الخطوة من قبل الرئيس الأمريكي ستضر بأمريكا أولا، كما ستضر بالدول الأخرى. وقال مدير عام منظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو: (إن الحرب التجارية ليست من مصلحة أي طرف...).
فما حقيقة هذه الأعمال الاقتصادية؟ إن أمريكا هي رأس الشر؛ في هذه الحروب المشتعلة هذه الأيام (الحروب التجارية)؛ ولها القدرات والإمكانات المتفوقة عن غيرها في إشعال هذه الحروب، وتوسيع مداها لتصل إلى كافة أقطار المعمورة. وذلك أن أمريكا هي صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، ومتحكمة بالغطاء النقدي العالمي (الدولار). وهي أكبر مستورد في العالم للسلع والخدمات؛ بسبب كثرة استهلاكها لهذه السلع والخدمات، وهي أيضا أكبر مصدر للسلع والخدمات. وتمتلك كذلك أكبر مساحة من الأسواق العالمية الخارجية؛ بسبب عملائها ونفوذها السياسي في معظم أنحاء المعمورة. وأمريكا أيضا هي الدولة الأقوى عسكريا، وعندها قدرات اقتصادية داعمة لهذه القوة العسكرية عبر البحار والمحيطات. يقول الكاتب ديفيد غومبرت: (... تمتلك أمريكا قدرات وإمكانات؛ تجعلها متفوقة على كافة الدول؛ فهي تمتلك نسبة 30% من أسهم الاستثمار الأجنبي... وتملك أربعة من المصارف العالمية الكبرى، من أصل سبعة مصارف... والدولار الأمريكي هو أساس التبادلات في الأسواق العالمية والمصارف... و95% من عائدات وسائل الإعلام تخص أمريكا... ثلاثة أرباع مبيعات الأسلحة في العالم تعود إليها... وتترأس أكثر المؤسسات العالمية؛ بما فيها التي تسيطر على الاقتصاد العالمي... وتمتلك السيطرة البحرية والقدرة على الحظر البحري... وهي الدولة الأولى في الأبحاث والمخترعات التي تدفع العالم للتقدم...).
إن أساليب الحروب الاقتصادية التي تشعلها أمريكا كثيرة ومتعددة، وتأخذ أشكالاً متجددة أيضا، فهذه ليست المرة الأولى التي تشعل فيها أمريكا الحروب الاقتصادية الدولية؛ فقد عمدت مرات عدة إلى تحدي دول العالم وخاصة الصناعية منها فرفعت أسعار الفائدة مرات عدة خلال السنوات الماضية؛ مما اضطر بعض الدول لرفع سعر الفائدة في المقابل؛ حتى لا يتسبب ذلك بانسياب رؤوس الأموال إلى داخل أمريكا، وقامت أمريكا أيضا بأعمال تسمى (بالحمائية الجمركية) على الواردات؛ أو ما تسمى (بالتعرفة الجمركية) على سلع معينة مثل واردات آلات الغسل الكبرى بنسبة 50%، ووحدات الطاقة الشمسية المستوردة بنسبة 30%، وكذلك رفع التعرفة الجمركية على طائرات (بومباردييه) الكندية بنسبة 220%، وأمريكا أيضا تشعل حرب البورصة، ورفع أسعار البترول وخفضها، وافتعال أزمات اقتصادية، وتطرح سندات مالية (سندات خزينة) كبيرة دون رصيد، وغير ذلك من أعمال وتحكمات اقتصادية؛ تنتقل بسرعة البرق إلى كل دول العالم فتتسبب بخسائر باهظة.
لقد كان لهذه السياسات والسياسات المقابلة آثار اقتصادية على تلك الدول؛ مثل التأثير على حجم المشاريع والصناعات؛ بسبب ارتفاع سعر الفائدة على القروض، وكذلك ارتفاع الأسعار داخل هذه الدول؛ بسبب ازدياد سعر التكاليف للمواد المنتجة (ارتفاع سعر الطاقة والمواد الخام)، وكان لذلك أيضا آثار سيئة على الحركات التجارية الدولية في التصدير - بسبب ارتفاع سعر الدولار - سواء أكان ذلك على أمريكا، أم على الدول التي تتخذ الدولار أداة للمعاملات المالية الخارجية. ذكر الخبير الاستراتيجي بشركة ((adsنزار العريضي في تصريح لقناة (سكاي نيوز) 15 كانون الأول/ديسمبر 2016: (أن البنك الفدرالي المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة 3 مرات خلال 2016؛ وذلك بسبب انخفاض المؤشرات الحالية للاقتصاد الأمريكي. وأضاف: إن أسعار الذهب والمعادن قد سجلت انخفاضا، وانخفض سعر البترول إلى أقل من 55 دولارا للبرميل. وتسبب بخسائر كبيرة في الأسواق الخليجية والآسيوية). وذكر موقع (الجزيرة نت) 16/12/2016: (يترتب على رفع سعر الفائدة - من قبل الفدرالي المركزي الأمريكي - متاعب في الاقتصاديات الأخرى، لا سيما الاقتصاديات الناهضة؛ مثل تركياوالبرازيل وروسيا، إذ إن اختلاف نسبة الفائدة يؤدي إلى خروج تدفقات رأسمالية من هذه الاقتصاديات طمعا في العائد الأمريكي. فضلا عن ذلك، فإن أعباء الديون الدولارية في هذه الاقتصاديات تزداد صعوبة مع ارتفاع الفائدة الأمريكية، وهو ما يثقل كاهل هذه الاقتصاديات).
أما أهداف أمريكا من هذه السياسات؛ على شكل حروبٍ تجارية، وغير ذلك من أساليب، فإنها تهدف إلى:
1- معالجة العجز في الميزان التجاري الأمريكي. فقد ذكر موقع جريدة اليوم الجديد 11 آذار 2018 تحت عنوان (الحروب التجارية): (...إن من أسباب إشعال هذه الحروب هو العجز في الميزان التجاري الأمريكي، الذي يسجل عجزا متواصلا خلال السنوات الماضية، وهذا العجز يزداد حيث سجل مجموع عجز الميزان التجاري الأمريكي السنة الماضية 2017 حوالي 566 مليار دولار وهذا يمثل حوالي 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا...).
2- تهدف إلى إضعاف خصومها السياسيين والاقتصاديين، وتطويعهم حسب سياساتها، والحد من قدرتهم على التحدي لسياسات أمريكا الشرهة والشريرة، كما وتهدف أيضا إلى تحطيم الاتحاد الأوروبي والصين على وجه الخصوص.
3- وتهدف أيضا لجعل الصين محدودة القدرات منزوية ومنكفئة على محيطها فقط، وفي الوقت نفسه مرتبطة في عصب اقتصادها - من حيث الاستيراد والتصدير والغطاء النقدي - بأمريكا.
4- جلب رؤوس الأموال الخارجية إلى داخل أمريكا؛ من أجل زيادة حجم المشاريع الاقتصادية عن طريق رفع سعر الفائدة على الدولار في البنوك.
5- السيطرة على الأسواق الخارجية؛ من حيث الاستيراد والتصدير ومبيعات الأسلحة والسيطرة على أسواق البترول وأسعاره.
إن نجاح أمريكا لا يعني أنها بعيدة عن مخاطر هذه الحروب العالمية الشريرة؛ فأذى هذه الحروب ليس بعيدا عن اقتصاد أمريكا وخاصة على حجم الصناعات الداخلي، وبالتالي على البطالة وحجم العمالة، وكذلك الصادرات بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات. وهذه السياسات العدوانية لها أثر مباشر على سعر البورصة وأسواق المال العالمية؛ وبالتالي فلن يكون خطرها بعيدا عن أمريكا. فأمريكا بسبب سياساتها الشريرة ما زالت تعاني من أزمة مالية سنة 2008 لم تتعاف من شرورها حتى الآن، والدليل على ذلك هو العجز في الميزانية وفي الميزان التجاري، حيث بلغ العجز في الميزان التجاري حسب بيانات صادرة عن (مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي)، لشهر تشرين الثاني 2017 (50.5) مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ سنة 2012، ويتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة الأمريكية لهذا العام 2018 (702) مليار دولار؛ حيث صرح ميك مالفاني، مدير الميزانية في البيت الأبيض لوسائل الإعلام: (إن نمو العجز على المدى القصير يؤكد الحاجة الماسة لاستعادة الانضباط المالي؛ فيما يتعلق بالعلاقات المالية في البلاد، تحتاج بلادنا إلى إجراء تغييرات كبيرة في السياسات إذا كنا نريد لمواطنينا أن يعيشوا بأمان وتحقيق مستقبل زاهر لهم).إن شرور هذه السياسات والمناكفات والمنافسات الاقتصادية؛ على شكل حروب بين الدول الكبرى يتسبب بالأذى على كل البشرية، وليس على الدول الكبرى فقط؛ والسبب هو الترابط الاقتصادي العالمي بسبب الأسواق المالية، وهيمنة الدولار على جميع العملات... وأكثر الدول تضررا وللأسف هي الدول القائمة في العالم الإسلامي؛ بسبب عدم قدرتها على الوقاية من هذه الهزات والأزمات... فدول العالم الإسلامي مرتبطة باقتصاد الدول الكافرة ارتباطاً وثيقاً، وليس عندها أي نوع من الحمائية أو الوقاية، وليس عندها استقلالية صناعية ولا حتى زراعية. عدا عن أن هذه الدول تتخذ من الدولار الأمريكي غطاءً رئيسا لعملاتها ومدخراتها. وتتقاضى أثمان البترول والغاز بهذه العملات، وترتبط أسواقها المالية بالأسواق العالمية...
إن العالم بأكمله هذه الأيام يعيش على شفير الهاوية بسبب هذه الحرب العالمية المستعرة، وأنه يكاد يهوي في قعرها، وبالتالي يتسبب ذلك بخراب ودمار لم يشهد التاريخ الإنساني له مثيلا من قبل. ويتسبب في زوال دول بأكملها عن خارطة العالم بسبب ما يلحق بها من دمار اقتصادي، وإن المنجي الوحيد للبشرية من هذه الشرور هو أمر واحد فقط؛ ألا وهو اتباع النظام الرباني في أحكام المال والأعمال، وفي السياسات الاقتصادية، ونبذ كل هذه الشرور المتهاوية المتهالكة التي تشقي نفسها وغيرها بسبب فسادها... وهذا الأمر لا يوجد على وجه البسيطة إلا في نظام الإسلام الرباني، نظام الرعاية الحقة، نظام المحافظة على اقتصاد الناس وتوزيعه بالعدل والاستقامة... نسأله تعالى أن ينقذ البشرية مما تعانيه من شرور سياسية واقتصادية؛ بعدل الإسلام ورحمته في ظل دولة الخلافةعلى منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع