فجر يوم الأربعاء ٢٦ رمضان ١٤٣٨هـ، ٢١/٠٦/٢٠١٧م أجرى الملك سلمان مجموعة من التغييرات في هرم السلطة وكذلك في نظام الحكم، وكان أهمها تعيين ابنه محمد بن سلمان وليا للعهد وتنحية محمد بن نايف ابن عمه من ولاية العهد وكذلك إعفاء الأخير من كل مناصبه، من وزارة الداخلية وعضوية مجلس الوزراء.
وإن كان هذا التغيير ليس مفاجئا للمتتبع للأحداث السياسية في بلاد الحرمين ولكن المفاجئ هو هذا التوقيت، حيث إن مبايعة محمد بن سلمان كانت بعد صلاة التراويح من ليلة السابع والعشرين من رمضان وفي مكة المكرمة وبالقرب من الكعبة المشرفة وهذا يعطي شرعية وخصوصية لهذه البيعة ولهذا التغيير.
فمحمد بن سلمان هو الابن السادس للملك سلمان بن عبد العزيز وعمره ٣٢ سنة، درس القانون في جامعة الملك سعود في الرياض، تدرج في المناصب السياسية دون أن يكون له أي ذكر أو تأثير حتى صدور الأمر الملكي في آذار/مارس ٢٠١٣ في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان والده آنذاك سلمان بن عبد العزيز هو ولي العهد، بتعيينه رئيسا لديوان ولي العهد ومستشارا خاصا لسموه بمرتبة وزير، وقد بدأ يظهر ببعض أعماله في ديوان والده وتعيين أصحابه من حوله.
وحين تولى والده الملك في ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٥ تم تعيينه وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا لوالده الملك سلمان، خلفا للتويجري كبير عملاء الإنجليز في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبخطوات سريعة في أقل من أسبوع صدرت الأوامر الملكية بتشكيل مجلسين يرتبطان إداريا بمجلس الوزراء، وهما مجلس الشوون السياسية والأمنية برئاسة محمد بن نايف ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة محمد بن سلمان وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي، وبذلك أصبحت مفاصل البلد الاقتصادية بيد محمد بن سلمان وهي قوة البلد الحقيقية فالمملكة تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط وأكبر احتياطي نفط في العالم.
وفي ٢٦ آذار/مارس ٢٠١٥ أعلن محمد بن سلمان بدء الحرب في اليمن وأصبح الجميع يتكلم ويتابع الصعود السريع لهذا الأمير الشاب قليل الخبره، وكثيرون توقعوا له أن يصل لسدة الحكم.
وفي أقل من ثلاثة أشهر وبتاريخ ٢٩ نيسان ٢٠١٥ تمت الإطاحة بولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز المحسوب على الإنجليز والذي عينه الملك عبد الله ولي ولي العهد وأصدر أمرا بأنه لا يعزل مهما حدث وأصبح ولي العهد في عهد سلمان، إلا أن ذلك لم يمنع سلمان من عزله وتعيين محمد بن نايف وليا للعهد وهو وزير الداخلية ورجل أمريكا الأول والذي تعتمد عليه وتعتبره شريكا لها في محاربة الإسلام والذي لقبته شبكة MSNBC الأمريكية بجنرال الحرب على (الإرهاب). وتم تعيين ابن الملك محمد بن سلمان وليا لولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء.
وأصبح محمد بن سلمان يتحرك خارجيا مرة بصفته وزيرا للدفاع وأخرى رئيسا للمجلس الاقتصادي وثالثة بصفته ممثلا للملك، فكانت له جولات عديدة إلى الخارج وأخذ يلفت الأنظار العالمية حوله، فمثلا في حزيران/يونيو 2015 كشفت صحيفة "فايننشال تايمز البريطانية" الأسباب الحقيقية لزيارة محمد بن سلمان لروسياوأنها تأتي في إطار بناء جسور التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك لمناقشة الحرب في سوريا. وكان ذلك على هامش منتدى سان بطرسبيرغ الاقتصادي الدولي. فظهر من خلال زياراته ولقاءاته الخارجية أنه صاحب القرار وأنه مفوض في أمر البلاد.
وقد حظي داخليا بتغطية إعلامية كبيرة، فقلما نسمع عن نشاطات ولي العهد محمد بن نايف.
وأدرك محمد بن سلمان بأن قرار وصوله للملك بيد الأسياد الأمريكان، وعليه أن يثبت لهم إخلاصه وولاءه وأنه أكفأ من ابن عمه محمد بن نايف، وقد كانت له عدة زيارات لأمريكا لأنه أدرك أن التغيير لا يكون إلا بموافقة أمريكية، والذين تنفسوا الصعداء بعد تسلم والده سلمان الملك بعد حكم رجالات الإنجليز في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وكانت لمحمد بن سلمان زيارة شهيرة في حزيران 2016 حين التقى بالرئيس الأمريكي أوباما واستقبله كالرؤساء وناقش معه قضية مكافحة (الإرهاب)، كما التقى بوزير الخارجية كيري ووزير الدفاع آشتون، وكان له اجتماع مع رئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين ورؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب ومسؤولين آخرين، حيث عقد 32 اجتماعا ولقاء (موقع الإخبارية السعودية 27/06/2016) ونحسب أن هذه اللقاءات ما هي إلا اختبار مهم لمحمد بن سلمان ليثبت ويوضح قدرته على المحافظة على مصالح أمريكا في بلاده، وأنه يصلح أن يكون ملك المستقبل.
ولما تولى ترامب الرئاسة دعا محمد بن سلمان لزيارته والالتقاء به، وكان ذلك في ١٥ آذار/مارس ٢٠١٧، وكان هذا أول لقاء بمسؤول إسلامي وعربي، وقد رحب ترامب بمحمد بن سلمان وتم تجاوز بعض البروتوكولات مما يدل على حفاوة اللقاء، وقد تناول اللقاء مكافحة (الإرهاب) ومواضيع سياسية واقتصادية (موقع العربية نت ١٥/٣/٢٠١٧)، وجاء على موقع العربية الإلكتروني مقال بعنوان (لماذا حضر كبار المسؤولين اجتماعات ترامب ومحمد بن سلمان؟) بتاريخ ١٨/٣/٢٠١٧، ذكر فيه أن اجتماع البيت الأبيض حضره بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي الجنرال ماك ماستر، ثلاثة من المستشارين وهم جارد كوشنر وهو صهر الرئيس ترامب ومسؤول ملف السلام في البيت الأبيض، ودينا حبيب باول، وهي مستشارة اقتصادية للرئيس وتعمل على المبادرات الجديدة، وستيف بانون وهو مستشار سياسي للرئيس ويعتبر منظر ترامب العقائدي، فكانت زيارة محمد بن سلمان إلى أمريكا زيارة شاملة لما يقوده الأمير محمد بن سلمان من ملفات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية، كما أن البيت الأبيض وترامب يتعاطيان مع الزيارة على أنها شاملة أيضا.
وقد تتابعت القرارات المحجِّمة لولي العهد محمد بن نايف فقد تم إعفاء كثير من مستشاريه وتعيين موالين للملك أو محمد بن سلمان، ففي ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠١٧ تمت إقالة نائب رئيس الاستخبارات العامة الفريق أول الركن يوسف الإدريسي المحسوب على محمد بن نايف وتعيين أحمد العسيري بدلا منه وهو الذي كان مستشارا لمحمد بن سلمان واشتهر بتصريحاته في حرب اليمن، كما تم إنشاء "مركز الأمن الوطني" وهذا المركز يرتبط تنظيميا بالديوان الملكي وتم تعيين محمد بن صالح الغفيلي مستشار الأمن الوطني (جريدة المدينة ٢٣/٤/٢٠١٧)، وبذلك تم تقليص صلاحيات محمد بن نايف وجاءت الضربة قبل الأخيرة بتاريخ ٢٣ رمضان باستحداث مسمى "نيابة عامة" بدلاً من "هيئة التحقيق والادعاء العام" وتكون مرتبطة مباشرة بالملك لا كما كانت مرتبطة بوزير الداخلية، كما تم إعفاء مدير الأمن العام الفريق عثمان بن ناصر المحرج من منصبه وتعيين نائبه سعود بن عبد العزيز هلال بعد ترقيته إلى رتبة فريق (الشرق الأوسط ١٨/٦/٢٠١٧)، وكأن هذا كله هو تمهيد للتغيير الكبير لمحمد بن نايف وتنحيته من كل مناصبه، كل تلك التغييرات حتى يضمن الملك ومحمد بن سلمان عدم حدوث أي تمرد في وزارة الداخلية، والتي تعد قوة حقيقية في البلاد توازي الحرس الوطني، ويشار بالذكر أن محمد بن نايف عين مساعدا لوزير الداخلية والده الأمير نايف بن عبد العزيز سنة ١٩٩٩، وتم تعيينه وزيرا للداخلية بعد وفاة والده سنة ٢٠١٢.
وبعد هذه القرارات الملكية بثلاثة أيام جاء قرار تنحية محمد بن نايف وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد بموافقة ٣١ عضوا من هيئة البيعة من أصل ٣٤، وحيث لم يعلن رسميا عن المعارضين للقرار، لكن توقعات بعض المصادر أن يكون الثلاثة من أبناء الملك عبد العزيز والذين كان عندهم بعض التحفظات على محمد بن سلمان من البداية، مثل طلال بن عبد العزيز، وأحمد بن عبد العزيز وربما مقرن بن عبد العزيز أو ربما بندر بن سلطان.
عزل ابن نايف بهذه الطريقة يثير تساؤلات عن مدى تخلي واشنطن عن شخص بخبرته وتربطه بها سنوات من العمل الأمني والاستخباراتي، ولا تفسير لهذا سوى المكانة التي احتلها ابن سلمان في البيت الأبيض إذ أقنع الإدارة الأمريكية من خلال سياسته الاقتصادية والعسكرية بأنه خير من يعتمد عليه في المنطقة، وكانت الصفقة العسكرية التي عقدها في قمة الرياض بحوالي نصف ترليون دولار والتي أعلن عنها ترامب في الرياض، وقال إنها سوف توفر الآلاف من فرص العمل. وكـأن موافقة أمريكا علـى عزل ابن نايف لا تخرج عما أسماه مراقبون شراء موقف إدارة الرئيس الأمريكي لابن سلمان ملك المستقبل.
وقد لبى ترامب دعوة محمد بن سلمان لزيارة الرياض مما زاد من أسهمه الداخلية، وقد نشرت بعض مواقع التواصل الإلكتروني مثل حساب (العهد الجديد) أن صفقة عقدت مع ابن نايف للتنازل عن ولاية العهد مقابل مبلغ مالي كبير ربما يصل إلى 100 مليار دولار ومثلها أصول مالية داخلية وخارجية وقد وافق عليها ابن نايف وكان ذلك بعد زيارة ترامب للرياض بتاريخ 26/5/2017 ولكن تم تأخير الإعلان عن القرار إلى التاريخ المحدد، وربما تكون هذه الأخبار صحيحة.
وقد تلقى محمد بن سلمان اتصالا هاتفيا من ترامب وهنأه باختياره وليا للعهد، وتطلع بأن يسهم اختيار الأمير محمد بن سلمان في ترسيخ الشراكة السعودية الأمريكية، وناقش معه عدداً من المسائل السياسية (العربية نت 21/6/2017)
وفي الختام ما هو المستقبل المتوقع في بلاد الحرمين بعد صعود محمد بن سلمان؟
أولا: متوقع تنحي الملك سلمان قريبا وتسليم ابنه الملك، وحتى يضمن حدوث ذلك من غير خلاف كبير مع العائلة المتفككة أصلا قام بتعديل الفقرة "ب" من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم، وعدلت هذه الفقرة لتكون على الشكل التالي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله وسنة رسوله e، (ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس) وهذا الشرط الأخير من التعديل يدل على أن انتقال الحكم لن يكون رأسيا كما فعل الملك سلمان من الأب إلى الابن بل أفقيا، لذلك قام بتوزيع المناصب على الأحفاد وأبناء الأحفاد من وزارة الداخلية التي أبقاها مع أحفاد نايف وعين الآخرين مستشارين في الديوان الملكي.
وقد علقت الغارديان: نجل الملك السعودي أقرب إلى تولى الحكم بعد "الانقلاب الناعم" (قناة بي بي سي العربية 23/6/2017)
ثانيا: سيتم ترسيخ أسلوب القبضة الحديدية في الحكم بالتوازي مع ترك مجال للحريات الفردية التي ستشرف عليها لجنة الترفيه، التي أحدثها لتمكن السعوديين من الاستمتاع بشكل معتدل، وبطريقة علمانية بعيدة عن أحكام الدين الحنيف.
ثالثا: ستتواصل السياسات الاقتصادية الطائشة التي اعتمدها محمد بن سلمان والتي قد لا تحقق النموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد المرغوب، والذي يتضمن تخليص السعودية من تبعيتها لعائدات النفط مع حلول 2030، وتقليص أسلوب الاقتصاد الريعي المكلف وخصخصة بعض المؤسسات الحكومية، والأهم من ذلك هو طرح خمسة بالمائة من أسهم شركة أرامكو في الأسواق العالمية في شهر أيلول 2017؛ مما سيؤدي إلى تدهور الاقتصاد كما هو حادث الآن بعد "رؤية 2030" التي جلبت التذمر من الجميع وتدهور الاقتصاد، مما أدى إلى التراجع عن بعض قرارات خصم البدلات والزيادة السنوية.
رابعا: بصعود ابن سلمان ستكون بداية النهاية لحكم آل سعود في الأرض، وعسى أن يكون ذلك قريبا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
رأيك في الموضوع