في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧ مساء صدر عدد من الأوامر الملكية وقد بدأت على غير العادة بمقدمة على لسان الملك سلمان: (نظرًا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي ائتُمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة، ساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية وحالوا دون قيامها بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة...)، وقد بدت هذه المقدمة للمتابع بأن هناك تبعات لهذه الأوامر الملكية وأنها بداية لفترة جديدة.
وتبع هذه المقدمة أربعة أوامر، الأول: تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة محمد بن سلمان، وعضوية كل من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، والأمر الثاني إعفاء متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني من منصبه، والثالث إعفاء عادل بن محمد فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط من منصبه، والرابع إنهاء خدمات الفريق عبد الله بن سلطان قائد القوات البحرية بإحالته إلى التقاعد.
وما هي إلا ساعات قليلة من قرار تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد حتى بدأت أولى ضرباتها في هذا الصدد باعتقالات شملت لأول مرة أمراء من الدرجة الأولى في العائلة الحاكمة ووزراء ومسؤولين ورجال أعمال يعدون الأبرز على صعيد الأعمال محليا وعالميا، وقد تم اعتقال ١١ أميراً و٤ وزراء حاليين وعشرات من الوزراء السابقين وتم توجيه تهم بالفساد، والرشاوي وصفقات أسلحة مشبوهة وسرقة للمال العام، وتم حجزهم بطريقة مهينة في فندق خمس نجوم في الرياض.
ونظرا لأهمية الحدث من ناحية داخلية وخارجية وأيضا من ناحية سياسية واقتصادية فقد وجب التركيز على النقاط التالية:
أولا: باعتقال متعب بن عبد الله وإهانته بعد إعفائه من منصبه بصفته وزيرا للحرس الوطني واتهامه بالفساد وصفقات أسلحة مشبوهة وكذلك سرقة أموال عامة لصالح شركاته الخاصة، والقبض على خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق في عهد الملك عبد الله، يكون بذلك تم التخلص من آخر معاقل الإنجليز وأهم رجالاتهم في بلاد الحرمين، مما يجعل الساحة السياسية مفتوحة لأمريكا ورجالها تمرح بها كما تشاء.
وكما أن القبض على قياصرة المال والاقتصاد وأصحاب شركات الإعلام الضخمة وأمراء ووزراء معدودين على أطراف معارضة لمحمد بن سلمان وآخرين لم تتضح أسباب واضحة لاعتقالهم، كل ذلك يجعل القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية بيد ابن سلمان وتكون له السيطرة والملك.
وتظهر الأحداث وكأنها حرب على الفساد، مع أن الملك سلمان منذ كان أمير الرياض لمدة أكثر من أربعين عاما كان يفرض أموالا بغير حق على الشركات والمشاريع الكبرى، وما صفقة الأسلحة مع ترامب التي عقدها هو وابنه (محمد بن سلمان) بنصف تريليون دولار عنا ببعيدة، وغيرها من شرائه ليخت بملايين الدولارات، وقد كانت الأمور تصب في تمهيد الطريق أمام ابن سلمان لاستلام الملك في بلاد الحرمين.
ثانيا: ظهر واضحا الدور الأمريكي الداعم لابن سلمان، حيث أطلع مسؤول من البيت الأبيض صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية قبل أسبوع من الأوامر الملكية "أن كوشنر غادر العاصمة واشنطن عبر شركة طيران تجارية، للذهاب في الرحلة التي لم يعلن عنها بشكل رسمي، وقد رافق كوشنر في زيارتهللمنطقة نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي، دينا باول، ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات. ولم يحدد المسؤول من البيت الأبيض بمن التقى كوشنر خلال زيارته للسعودية".
وقال مسؤول البيت الأبيض في بيان لصحيفة "بوليتيكو": إن "كبير مستشاري الرئيس، ونائبة مستشار الأمن القومي للتطوير الاستراتيجي، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية، عادوا مؤخرًا من السعودية". وكذلك جاءت تغريدات ترامب على التويتر مؤيدة لابن سلمان لاعتقاله لأبناء عمومته والوزراء ورجال الأعمال.
ثالثا: أراد محمد بن سلمان أن يقوم بأي عمل لكسب تأييد الناس لسياسته التي أثبتت فشلها لحد الآن في كثير من الأمور، ورؤيته التي فشلت قبل أن تبدأ، فحاول في مشروع جديد (نيوم) بنصف تريليون دولار، وحيث إن الغضب والسخط والخوف سيطر على الناس، وخاصة أن الحكومة تتوعد الناس بالضرائب وغلاء الحياة وتقليل المصاريف، وإنهاء حياة الترف والتنعم التي كانت طوال هذه السنوات، فوجد ابن سلمان في القبض على هؤلاء الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والاستيلاء على أموالهم وإرجاعها إلى خزينة الدولة والتي قدرت حسب مصادر مختلفة بـ٢-٣ تريليون ريال سعودي، مما يعني ٣-٤ مرات ميزانية السعودية، وقد لاقت هذه التصريحات الرضا والدغدغة لمشاعر بعض الشباب الذين امتلأت مشاعرهم بالتفاؤل والأمل بعد القبض على أئمة الفساد ومصادرة أموالهم، وفي الوقت نفسه هناك تخوف من كثير من الشباب أن هذه الاعتقالات ما هي إلا لتصفية حسابات لابن سلمان لتصفية معارضيه والاستيلاء على الملك، وأن أمور الفساد ستستمر ما دام أن ابن سلمان وشلته موجودين في الحكم.
إن الجدية التي يعمل من خلالها سلمان وابنه أوصلتهما إلى حد قطع الحبال الراجعة من ورائهماـ فها هما يضربان أحد أعمدة الحكم الرئيسية في تاريخ آل سعود وهو الكيان العائلي مثلما ضربا من قبل العمود الآخر وهو التوجه الديني وبذلك فهما يؤكدان للجميع بأنهما سائران في طريق لا رجعة فيه وأن النتيجة في آخر الطريق إما النجاح في كل شيء وإما الفشل في كل شيء.
والمتابع للأحداث المتسارعة في بلاد الحرمين واختفاء شخصيات مؤثرة وربما كانت منافسة على الملك وبقاء ابن سلمان وحده في الساحة هي مقدمة لأحداث كثيرة متوقعة من تنازل الملك سلمان عن الملك لابنه محمد، وسرعة تغريب الناس عن دينهم ونشر أفكار العلمانية و"الانفتاح" على الغرب.
إن الإصلاح الصحيح في النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا ولن يكون إلا على أساس الإسلام ولا يمكن أن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي تطبق الإسلام في كل نواحي الحياة، وعلى الجميع أن يدرك بأن التدرج في ذلك ما هو إلا تدرج في طريق الابتعاد عن الإسلام وأن ذلك يضيع جهود المسلمين وأموالهم وأوقاتهم، فهلا أدرك المسلمون ذلك؟
رأيك في الموضوع