اختتمت قمة روسيا – آسيان يوم الجمعة 20/5/2016 في مدينة سوتشي الروسية باعتماد بيان ختامي مشترك تحت عنوان "على مسار الشراكة الاستراتيجية القائمة على المنفعة المتبادلة" وإقرار خطة عمل شاملة لتعزيز التعاون. ويتكون البيان من عدة أقسام، من بينها "تعزيز شراكة الحوار" و"التعاون في مجال السياسة والأمن" و"التعاون الاقتصادي" و"التفاعل الاجتماعي الثقافي" فضلا عن قسم مكرس لآليات تطبيق مقررات الوثيقة.
وكانت مجموعة آسيان قد أنشئت عام 1967 بمبادرة من ماليزيا وإندونيسيا ثم تبعتها دول أخرى كالفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وكمبوديا ولاوس وبورما وفيتنام. وكانت بريطانيا وراء إنشاء المجموعة، ثم عملت أمريكا على ضم دول تابعة لها كالفلبين وكمبوديا وفيتنام. وجدير بالذكر أن قمة كانت قد عقدت بين أمريكا ومجموعة آسيان في شهر شباط 2016 (راجع العدد 65 الراية).
والفرق بين قمة أمريكا-آسيان وقمة روسيا-آسيان هو أن الأولى كانت تهدف أمريكا من ورائها إلى الحد من نفوذ الصين وتحجيم دورها في المحيط الهادي، أما قمة روسيا-آسيان فتهدف روسيا من ورائها إلى البحث عن منفعة اقتصادية تدعم بها اقتصادها المترنح من خلال بناء أسواق جديدة وجلب استثمارات مالية من مجموعة يصل مجموع دخلها القومي أكثر من 2.5 ترليون دولار وتشكل تجارتها ما يعادل 3% من حجم التجارة العالمي. وقد نص البيان على أن الاتحاد الروسي والدول الأعضاء في رابطة آسيان "ستواصل تعزيز شراكة الحوار بينها على أساس مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة والمسؤولية المشتركة من أجل تحقيق السلم والاستقرار والأمن والرفاه والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بغية المضي قدما نحو الشراكة الاستراتيجية".
أما فيما يتعلق بمسألة (مكافحة الإرهاب) فقد جاءت القمة منسجمة مع استراتيجية أمريكا التي انتهجتها فيما يتعلق بالإرهاب، حيث جاء في البيان الختامي أن قادة الدول المشاركين في القمة اتفقوا على تطوير التعاون في مجال الإرهاب "على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي واستراتيجية الأمم المتحدة الشاملة لمحاربة الإرهاب الدولي بجميع أشكاله، وكذلك التشدد العنيف والتطرف، والعمل على تشجيع الاعتدال كوسيلة لمكافحة التطرف". ولا يخفى أن أمريكا هي التي تسير مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة فيما يتعلق بمسألة (الإرهاب).
وبالرغم من أن القمة قد أقرت خطة عمل شاملة لتعزيز التعاون بين أطرافها، إلا أن غالبية القرارات قد جاءت بصيغ مبهمة تتحدث عن نية المشاركين وتوجههم للتعاون. فعلى سبيل المثال ورد في مقدمة البيان الختامي ما نصه "تواصل تعزيز شراكة الحوار"، أي أن الدول ستستمر بالشراكة من أجل الحوار المستمر. وكذلك ما جاء في الخطة الشاملة: "تنوي الأطراف تبادل المعلومات..." و"ستعمل موسكو على التنسيق" وغيرها من الإشارات المبهمة. ما يشير إلى أن روسيا تشق طريقها بصعوبة لإحراز مكاسب ملموسة. ومع مرور 20 عاما على العلاقة ما بين روسيا ومجموعة آسيان فإن التبادل التجاري بين الطرفين لم يتجاوز 22 مليار دولار، حسب تقرير "الحوار بين روسيا وآسيان" الذي أعدته مجموعة آسيان. وشاركت روسيا في مجال التعاون الزراعي بما لا يزيد على 1.5 مليون دولار سنويا، وبلغ عدد السياح الروس إلى مجموعة آسيان أقل من 2.5 مليون سائح عام 2014. ولعل أكثر مؤشر على صعوبة مسار العلاقة بين روسيا وآسيان هو انخفاض مستوى الاستثمار الروسي في دول المجموعة من 540 مليون دولار عام 2013 إلى 30 مليون دولار عام 2014، ومن المرجح أن يكون هبوط سعر النفط منذ عام 2014 قد أدى إلى تراجع الاستثمار الروسي.
وفي المقابل فإن حجم التبادل التجاري بين أمريكا وآسيان يزيد على 220 مليار دولار، وتبلغ استثمارات أمريكا في آسيان أكثر من 400 مليار دولار، واستثمارات آسيان في أمريكا أكثر من 20 مليار دولار. ما يشير إلى أن روسيا بالرغم من مرور 20 عاما على العلاقة مع آسيان لا تزال تحاول وتنوي وتعمل على بناء شراكة تعاونية ذات منفعة متبادلة!! وهذا ليس مستغربا إذ إن دول مجموعة آسيان تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للهيمنة الأمريكية، وبالتالي فإن اختراق روسيا لهذه المجموعة أو بناء علاقات مهمة لتحسين اقتصاد روسيا لا بد أن يصطدم بمصالح أمريكا وهيمنتها. وروسيا تدرك ذلك جيدا، وتدرك أهمية هذه المجموعة لتحسين اقتصادها والخروج من الأزمات المالية التي تهدد اقتصادها بسبب هبوط سعر النفط أولا وإغلاق الأسواق العالمية لصالح شركات رأس المال الأمريكي. وبالتالي فإن روسيا وبالرغم من محاولاتها المستمرة لتعزيز تجارتها مع هذه المجموعة لا تجد مفرا من العمل والتنسيق مع أمريكا من أجل تحقيق أي تقدم يذكر في هذا المجال، فروسيا مع مجموعة آسيان تنحت في صخر بينما أمريكا كمن تغرف من بحر. ولعل هذا يجيب على تساؤلات كثيرة تتعلق بعمل روسيا في مناطق مختلفة من العالم لمصلحة أمريكا كما هو الحال في سوريا مثلا. وبالتالي فإنه يصعب اعتبار علاقة روسيا مع آسيان هي محاولة لروسيا للعودة للمسرح الدولي، بقدر ما هي محاولة لرأب اقتصادها وتحسين أوضاعها المالية.
وختاما لا بد من الإشارة إلى أن الحجم الأكبر لدول مجموعة آسيان من الناحية السكانية والتجارية يتمثل في بلاد إسلامية كإندونيسيا وماليزيا وبروناي. وأن هذه الدول لا تزال محط أنظار الدول العظمى أو تخضع لهيمنتها. والأصل أن تكون أموال هذه الدول أموال مسلمين يجب الحفاظ عليها وحمايتها، وبدلا من أن تكون محل أطماع أمريكا وبريطانيا وروسيا، كان يجب أن تكون قوة داعمة للمسلمين وقضاياهم العظمى سواء ما كان متعلقا بمحاربة الفقر، أو إقامة حكم الله في الأرض ونشر الإسلام، أو بناء اقتصاد نموذجي يجعل أفئدة الناس تهوي إليه وأنظارهم ترنو لعدالته.
رأيك في الموضوع