حرر البنك المركزي المصري صباح الخميس 3/11/2016 سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار بحيث أطلق الحرية للبنوك العاملة في مصر لتحديد سعر الصرف من خلال آلية الإنتربنك للتعامل بين البنوك. وقد أدى تحرير سعر صرف الجنيه إلى ارتفاع قيمة الدولار، وتراجع الجنيه المصري بواقع حوالي 50 في المائة أمام الدولار. وقد رحب صندوق النقد الدولي بهذا القرار قائلا "من شأن هذا القرار أن يحسن من التبادل الدولي ويعزز تنافسية مصر التجارية في الخارج من خلال زيادة التصدير والسياحة وجلب الاستثمارات الخارجية". وكان الصندوق قد ربط منح قرض بقيمة 12 مليار دولار لمصر بإصلاحات اقتصادية عدة منها تعويم سعر الجنيه مقابل الدولار. وتعويم الجنيه وإن كان يختلف عن تخفيض قيمة العملة من حيث الشكلُ ولكنه في النهاية يؤدي إلى تخفيض قيمة العملة، على أي حال. والتعويم يعني أن لا يتدخل البنك المركزي لا إيجابا ولا سلبا للحفاظ على سعر صرف ثابت للجنيه مقابل الدولار.
وتتخذ الدول (خاصة النامية) إجراء خفض العملة والتعويم لتحقيق ثلاثة أهداف هي تقليل الواردات وزيادة الصادرات، وتخفيض العجز التجاري، والتخلص من تبعات الدين المنوطة بالعملة المحلية للدولة كفوائد الدين وخدمة الدين والتي عادة ما تدفع بالعملة المحلية. ومن المعلوم أن مصر لديها عجز هائل في الميزان التجاري بلغ حوالي 24 مليار جنيه نهاية شهر أيلول، وكان قد وصل إلى 44 مليار جنيه في شهر نيسان، ما يشكل ضغطا كبيرا على احتياطي مصر من الدولار. وانخفاض العجز كان قد نتج عن شح الاحتياط المصري للدولار، والذي هبط من حوالي 20 مليار إلى 14 مليار دولار. والواردات تتطلب تحويل الجنيه إلى دولار. وبالتالي فإن تخفيض قيمة الجنيه لما يعادل 15 جنيه للدولار سيؤدي إلى زيادة الضغط على الجنيه مقابل الدولار فتصبح فاتورة الاستيراد أعلى بكثير. فعلى سبيل المثال حين كانت مصر تحتاج 8 مليارات جنيه لاستيراد ما قيمته 1 مليار دولار فإنها الآن تحتاج إلى 16 مليار جنيه، وقد تزداد هذه القيمة كثيرا إذا استمر الجنيه بالانخفاض مقابل الدولار. ما يعني أن الاستيراد سيكون صعبا جدا، ما قد يقلل من فاتورة الاستيراد، وبالتالي يقلل الطلب على الدولار. ومن ناحية أخرى فإن البنك المركزي لن يكون مضطرا للاحتفاظ باحتياطي كبير من الدولار للحفاظ على سعر صرف الجنيه.
ولكن الحقيقة المرة هي أن غالبية الشعب المصري هو شعب فقير لا يمارس الاستيراد والتصدير، وأهم ما يعانيه رب الأسرة منذ أن يصحو باكرا هو أن يعود في آخر النهار بطعام لأهله وعياله. وسوف تصبح هذه المهمة عسيرة للغاية حيث إن القوة الشرائية للجنيه سوف تضعف في الداخل أيضا وسوف ترتفع أسعار السلع الضرورية بشكل كبير، ما يجعل الفقر أشد ضنكا وأكثر وبالا.
صحيح أن تعويم الجنيه وتخفيض قيمته مقابل الدولار سيتيح فرصة للحكومة المصرية للتخلص من أعباء كثيرة أهمها فوائد الديون وخدمتها. حيث تتركز أغلب الفوائد على الدين المحلي والبالغة 237 مليار جنيه مقابل فوائد الدين الخارجي البالغة نحو 7 مليارات جنيه. ما يعني أن تعويم الجنيه وتخفيض قيمته سوف يقلل مدفوعات خدمة وفوائد الدين الداخلي بمقدار 120 مليار جنيه ويرفع فوائد الدين الخارجي إلى 15 مليار جنيه تقريبا. أي أن فاتورة خدمة الدين ستنخفض من 244 مليار جنيه إلى 135 مليار جنيه. وتعد هذه ضربة قاسية للدائنين المحليين في مصر.
والحاصل أن تعويم العملة في أي بلد وعدم ربطها بأي عملة خارجية من حيث القوة والضعف هو عمل ضروري لجميع دول العالم الثالث بل ولجميع الدول. فجعل قيمة صرف العملة مرتبطاً بسعر معين مقابل الدولار أو اليورو أو غيره يضر بسيادة البلد ويضعف الاقتصاد ويجعل الاستيراد من الخارج مقدما على الإنتاج المحلي والتصدير. ثم إن المحافظة على سعر صرف معين يقتضي من البنك المركزي العمل على شراء العملات الأجنبية ولو بالدين والاقتراض من أجل تسهيل الاستيراد. وبالتالي فإن ربط الجنيه بالدولار كان ولا يزال عملا خاطئا وكان من المفروض على حكومة مصر أن تلغي هذا الترابط من قبل أن يفرض عليها صندوق النقد ذلك. وفي الوقت نفسه كان من الأحرى بحكومة مصر أن تجعل عملتها مرتبطة بشيء ثابت مستقر لا يجعل لأمريكا ولا لصندوق النقد هيمنة ولا سيادة عليها. ولا يوجد في الدنيا أشد ثباتا وقوة من الذهب والفضة التي فرضها الله تعالى لتكون هي وحدها نقد المسلمين وغطاء نقدهم. وربط الجنيه بالذهب يحفظ للدولة سيادتها من جهة ويقلل أعباءها، ومن جهة أخرى يحفظ للشخص العادي ماله ومقدرته الشرائية. فما ذنب ابن مصر الذي يذهب لشراء كيلو السكر اليوم بضعف السعر الذي كان يدفعه بالأمس ولم يتغير دخله مطلقا؟
فلو أن حكومة مصر كانت تتقي الله وتخافه بدلا من أن تتقي صندوق النقد وتهابه، لنقلت الجنيه من غطاء الدولار إلى غطاء الذهب بدلا من أن تجعله هكذا في مهب الريح، تعصف به وبشعب مصر مضاربات المرابين وأكّالي السحت، وسماسرة اليهود والأمريكان.
رأيك في الموضوع