أعلنت المملكة العربية السعودية يومالاثنين 19/9/2016، عن الميزانية الجديدة للعام 2016 حيث يتوقع أن يصل حجم الإيرادات إلى 513 مليار ريال في حين أن المصروفات ستبلغ 840 مليار ريال وبهذه الأرقام فإن العجز في الميزانية للعام الجديد سيبلغ 327 مليار ريال (حوالي 87 مليار دولار). جاء ذلك في جلسة لمجلس الوزراء ترأسها الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أكد على أن هذه الميزانية تأتي في الوقت الذي يتأثر فيه العالم بتراجع أسعار النفط وما يشكله ذلك من تحديات اقتصادية. وقد رجحت (كامكو) للاستثمار في تقريرها أن يتجاوز عجز «موازنات دول مجلس التعاون الخليجي 153 مليار دولار أمريكي في عام 2016، مرتفعا عن مستويات عام 2015 البالغة 119 مليار دولا. وتستحوذ السعودية على ما نسبته 57 بالمائة من العجز في دول مجلس التعاون الذي يضم إضافة إليها الإمارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين وقطر.
وسجلت المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، عجزا قياسيا في ميزانيتها العام الماضي بلغ 98 مليار دولار. وتنوي السعودية تعويض العجز في الميزانية عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي، وبذلك تكون السعودية أكبر بلد منتج للنفط قد دخلت نادي الدول المدينة من بابه الواسع، بالرغم من امتلاكها لما يقرب من 1000 مليار دولار مما يسمى الأموال السيادية المستثمرة في أمريكا وكندا وأوروبا.
ولا شك أن انخفاض سعر النفط الحاد إلى ما دون 40 دولار أحيانا خلال عام 2015 أدى إلى نقص حاد في الدخل الناشئ عن تصدير النفط. إضافة إلى أن تكاليف الحرب التي شاركت بها السعودية وغيرها من دول الخليج في اليمن وسوريا أدت إلى ارتفاع النفقات بشكل كبير.
ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن السعودية ودول مجلس التعاون قد نذرت اقتصادها ورهنت سياساتها لاستراتيجية أمريكا خاصة والغرب عامة ما أوصلها إلى عجز تجاوز 21% من ميزانياتها. وتلخيص ذلك فيما يلي:
1- رضخت السعودية وساقت معها دول الخليج لسياسة أمريكا وبريطانيا في تخفيض سعر النفط لاستخدام انخفاض سعر النفط في تحقيق بعض من سياسات أمريكا وبريطانيا خاصة في الصراع مع روسيا ومع الشركات الناشئة في مجال الصخر الزيتي. ولم يكن للسعودية والخليج ناقة ولا بعير في سياسة أمريكا تجاه روسيا أو أوروبا أو غيرها. وطالما أكدت السعودية أنها في منأى عن أضرار هبوط أسعار النفط، ولكن أرقام موازنتها تفضح ما تخفيه الأقوال أو كما قال الشاعر "خداك قد اعترفا بدمي فعلام جفونك تنكره".
2- رضخت السعودية وانساقت وراء سياسة أمريكا التدميرية في اليمن وسوريا. فقد ساقت أمريكا السعودية لتتصدر حربا الرابح فيها خسران في اليمن. فهي متورطة بحرب لا تعلم كيف تنهيها ومتى وتحت أي ظرف. فليس بيدها أي من مفاتيح الحل سواء العسكرية منها أو السياسية. فكل مفاتيح الحرب اليمنية بيد الأمريكان والإنجليز. وما على السعودية إلا التمويل وضخ الأموال سواء في الحرب مباشرة أو في شراء الذمم. وكذا الأمر في سوريا. فالسعودية متورطة إلى الأذقان في تمويل أتون الحرب هناك وما يترتب على ذلك من صرف هائل للأموال. وفي الوقت نفسه لا تملك أيا من مفاتيح الحل، فلا تملك إنهاء الحرب ولا استمرارها، ولا بقاء الأسد ولا ذهابه. مثلها في ذلك مثل الإمارات وقطر اللتان تعانيان مما تعاني منه السعودية من عجز في الميزانية لأسباب لا علاقة لها بها أصلا.
3- منذ أن شهد النفط أول ارتفاع في أسعاره منذ عام 1973، والسعودية والإمارات وقطر والبحرين تعلم علم اليقين أن الاعتماد الدائم على تصدير المواد الخام من النفط ومشتقاته يعتبر سياسة رجل مريض عاجز، ينفق مما في باطن الأرض دون أن يستغله لتنمية قدراته الذاتية. وذلك أن دول الخليج مجتمعة لم تنشئ اقتصادا يعتمد على التصنيع وإنتاج المواد المصنعة والتي تدر أضعاف ما يدره النفط الخام. وليس من قبيل التندر ما يقال أن اقتصاد أضعف الدول الأوروبية كإسبانيا يفوق اقتصاد دول الخليج مجتمعة. لقد كان أولى بالسعودية وهي أكبر دول الخليج إنتاجا للنفط وأكثرها دخلا خلال العقود الماضية بل وأكثر دول العالم استثمارا في اقتصاديات العالم الغربي، كان أولى بها أن تستثمر في بناء اقتصاد متقدم يعتمد التصنيع والإنتاج وبدلا من التوسع في بيع النفط وإغراق الأسواق بالزيت الأسود، أن تعمد إلى صناعات تجعلها بمصاف الدول الصناعية المتقدمة. ولو أخذنا مثلا بسيطا واحدا للاحظنا أن السعودية قد أنفقت عام 2014 وعام 2015 ما قيمته 180 مليار ريال سعودي (حوالي 60 مليار دولار) على استيراد وشراء السيارات من اليابان وأمريكا وكوريا وأوروبا. وإذا إخذ هذا البند من الإنفاق وحده على مدى العقود الماضية لأدرك كل من له لب وألقى السمع وهو شهيد أنه بإمكان السعودية أن تنفق أقل من 1% من مجموع ما أنفقته ليناء صناعة مركبات متطورة توفر عليها بعثرة الأموال بل وتجني لها أرباحا طائلة. ألم تدخل كوريا نادي الدول المصدرة للسيارات دون أن يكون لها دخل ثابت من النفط؟
4- أما البذخ والإنفاق العشوائي الذي تميزت به عائلات وأسر الأمراء والملوك في الخليج العربي والسعودية فأمر لا يكاد يطاق. فملك السعودية أنفق ما يزيد على 10 مليار ريال في رحلته الاستجمامية الشهيرة إلى فرنسا والمغرب برفقة أكثر من 1000 من حاشيته. وليس أمراء الخليج بأقل بذخا وترفا.
لقد كان صندوق النقد الدولي أول الشامتين بإجراءات التقشف الخليجية، حين حض على مزيد منها، ولا سيما فرض ضرائب لمواجهة عجز المالية العامة. ونحن وبكل حزن على أموال المسلمين المهدورة في غير مكانها ويكل أسى نقول "يداك أوكتا وفوك نفخ".
رأيك في الموضوع