رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة يوم 28/9/2016 (الفيتو) الذي استخدمه الرئيس الأمريكي أوباما ضد مشروع قانون يتيح لأقارب ضحايا 11 أيلول/سبتمبر 2001 بمقاضاة الدول التي جاء منها المتهمون بالهجمات وعلى رأسها السعودية. وكانت نتيجة التصويت: 338 نائبا ضد الفيتو، 74 نائبا مع الفيتو. وفي مجلس الشيوخ: 97 عضوا ضد الفيتو، مقابل مؤيد واحد للفيتو.
وقال أوباما: "إن المشرعين ارتكبوا خطأ... إنها سابقة خطيرة وإن القانون قد يعرض الشركات والمسؤولين والقوات الأمريكية إلى دعاوى قضائية محتملة". وقال برينان رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية: "إن مبدأ الحصانة السيادية يحمي المسؤولين الأمريكيين كل يوم، وهو مبدأ مبني على التبادلية، وإذا تخلينا عن تطبيق هذا المعيار فسنعرض مسؤولي بلدنا للمخاطر".
أما رد فعل نظام آل سعود تجاه ذلك فكان جبانا وظهر عليه الدهشة فلم يتوقعوه، وحاول ولي عهدهم محمد بن نايف الدفاع عن نظامه دون أن يتعرض للأمريكان ولو بشطر كلمة تؤذيهم وليثبت أن السعودية تسير معهم حيث "انضمت إلى أكثر من 12 اتفاقية دولية (تتعلق بمحاربة الإرهاب)، كما أنها وبالشراكة مع الولايات المتحدة وإيطاليا ترأس مجموعة عمل التحالف لمكافحة تمويل تنظيم الدولة".
يفهم من تصرفات مجلسي أمريكا أمران؛ أحدهما: أنهم يتسابقون على كسب أصوات الناخبين في ظل حمى الانتخابات الرئاسية، فيخاف الديمقراطيون من أنه إذا صوت الجمهوريون لإسقاط الفيتو فسيكسبون تعاطف الجمهور ويحصدون أصواتا أكثر، ولهذا صوت الديمقراطيون ضد قرار رئيس حزبهم أوباما.
والطرفان يدركان خطأ ذلك وعاقبته التي عبر عنها رؤساء دولتهم واستخباراتهم، فقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل: "أعتقد بالفعل أن القانون بحاجة لمزيد من النقاش" وقد تكون له "عواقب محتملة ضد رعاة الإرهاب"، وقال رئيس مجلس النواب بول ريان: "إن الكونغرس قد يضطر إلى إصلاح التشريع لحماية الجنود الأمريكيين على وجه الخصوص". وذكروا أن هذا ربما يجري بعد انتهاء الانتخابات، مما يدل على أن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بالسباق الانتخابي. فلم يحصل ولا مرة في عهد أوباما الذي استخدم الفيتو 11 مرة أن صوتوا ضده بأغلبية الثلثين فمرروها، فكانت هذه ضربة توجه لأوباما عبر عنها الناطق باسم البيت الأبيض إرنست بقوله "إن هذا يعد الأكثر إحراجا في مجلس الشيوخ ربما منذ عام 1983".
وثانيهما: أن الأمريكيين مصابون بالغرور والتعالي على الآخرين فتظهر عليهم الغطرسة والعنجهية فلا يحسبون لأحد حسابا، فهم يقاضون الجميع ويبتزونهم، ولكن لا أحد له حق أن يعترض عليهم أو يسائلهم على جرائمهم. وقد رأوا موقف السعودية وغيرها المتخاذل، فعندما قال السيناتور السابق ليبرمان "إن لإيران صلة بهجمات 11 أيلول" ردت ممثلية إيران بالأمم المتحدة ردا متخاذلا قائلة: "إن القاعدة تعتبر الشيعة كفارا كما تعتبر الأمريكيين كفارا".
وهم لا يرون دولة شجاعة تثير الرأي العام العالمي ضدهم فيتمادون في غيهم، رغم تخوفهم من أن ذلك ربما يستعمل ضدهم، ورغم اعترافهم أنهم خرقوا قانونا دوليا يحترم سيادة الدول ولا يقاضيها بسبب تصرفات أفراد يحملون جنسيتها. فكثير من الدول حاليا تشعر بالخوف منهم؛ فهي إما أنها موالية لأمريكا كالنظام السعودي والإيراني والتركي المتخاذلين تجاهها، وإما أنها تبحث عن مصالحها فلا تريد أن تغضب أمريكا كالدول الأوروبية. وأما الدول التي تعد كبرى فلا تعمل على مستوى الدولة الكبرى بمزاحمة الدولة الأولى باستغلال كل حادثة والتدخل في كل شأن، فهي تقوم أحيانا عندما ترى أن أمريكا عزلتها نهائيا وإن لم تعزلها وأعطتها شيئا ما ولم تعرض مصالحها مباشرة للخطر تسكت. فهي ليست تلك الدول التي تصبو إلى أن تصبح الدولة الأولى في العالم وتسعى لإسقاط أمريكا عن مركزها الذي يترنح وينتظر دولة مبدئية تهزه هزة قوية فترديها أرضا.
هم رعاة البقر الذين قتلوا عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهم رعاة الإرهاب الحقيقيون الذين يجب أن يحاكموا ويقاضوا على جرائمهم على نطاق العالم حيث يهلكون الحرث والنسل ويدمرون البلاد. فهناك فرصة لليابان بأن تقاضي أمريكا نفسها وليس أفرادا بعينهم فقط على جرائمها عندما ضربتها بالقنابل النووية وقتلت مئات الآلاف من سكانها، ولفيتنام التي قتل الأمريكيون من سكانها كما ذكر وزير دفاعهم ماكنامارا 3 ملايين و400 ألف بينما تقول فيتنام إن العدد بلغ 5 ملايين. وفي الفلبين قتل الأمريكان مليونا ونصف المليون مدني كما ذكرت لجنة التحقيق بالكونغرس. وفي حربهم على العراق وأفغانستان تحت مسمى محاربة (الإرهاب) قتل الأمريكان خلال 10 سنوات حوالي مليونين حسب تقرير "منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية" في واشنطن صدر في آذار 2015. وما زالت أمريكا تقتل أهلنا في سوريا تحت هذا المسمى وتسوق معها روسيا وإيران وأشياعها الحاقدين وعملاءها آل سعود وتركيا أردوغان وغيرهم، وتطلق يد عميلها بشار أسد يقتل ويدمر، حيث قتلت معهم مئات الآلاف من أهلنا في سوريا، فهي مسؤولة مع كل هؤلاء المجرمين، وتدعم كيان يهود بكافة أنواع الأسلحة ليفتك بأهل فلسطين ويصادر أراضيهم.
إن آل سعود لو كان عندهم ذرة من الرجولة والكرامة لتركوا على الأقل التحالف مع أمريكا في ضرب المسلمين في سوريا ومحاولة إخضاعهم للمشروع الأمريكي بتوزيع المال المسموم، ولتخلوا عن تنفيذ المشروع الأمريكي في اليمن بتثبيت الحوثيين وإشراكهم في الحكم. ولا ننتظر أية خطوة رجولية من نظام آل سعود ضد أمريكا وهو ذيل لها. فيدّعون أنهم يطبقون الإسلام وهم يوالون الكافرين الذين حرم الله موالاتهم والتحالف معهم، وهم غافلون عن تحذير الله مما تخفي صدورهم من بغض للمؤمنين، وقد بدت البغضاء من أفواههم بهذا القانون، وأنهم لن يرضوا عن المؤمنين حتى يتبعوا ملتهم.
إن العالم أصبح بحاجة ماسة إلى دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستعيد الحقوق لأصحابها وتقاضي الجناة الدوليين الظالمين وتنصر المظلومين، وهي التي ستثير الرأي العام العالمي ضد أمريكا وجرائمها وتبدأ بمزاحمتها في كل قضية، وتعمل على خلخلة مركزها الدولي من جذوره مقدمة لإسقاطها عنه، وتتحرك على مستوى العالم لتقوده نحو الخير، فتقدم الإسلام وحلوله بقوة، وتسفّه الحلول الأمريكية والغربية المنبثقة عن العلمانية الباطلة والديمقراطية الفاسدة، وتتصل بكل الدول لتجمعها في عمل جماعي دولي حسب الأعراف الصحيحة المنبثقة عن الإسلام لتنقذ العالم من دعاة محاربة (الإرهاب)، فهي تمثل سلطان خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
رأيك في الموضوع