(مترجم)
نشرت وكالة الأنباء "فرغانة" في 29 آب/أغسطس معلومات تفيد بأن رئيس جمهورية أوزبيكستان كريموف قد مات جراء نزيف في الدماغ: "توفي رئيس جمهورية أوزبيكستان إسلام كريموف (79 عامًا) في 29 آب/أغسطس 2016، في طشقند، وقد حكم البلاد لأكثر من 26 عامًا. وقد حدثت وفاة إسلام كريموف بحسب وكالة الأنباء فرغانة بين 3-4 مساء بتوقيت طشقند".
وقد نشرت معظم وسائل الإعلام الروسية هذه الأخبار، ولم تكلف نفسها عناء الحصول على تأكيد رسمي من طشقند. وقد أصبحت هذه الأخبار موضوعًا ساخنا في الأيام القليلة التي تلت ذلك. وصمتت الجهات الرسمية في طشقند، ولكنها خرجت عن صمتها في مساء يوم 2 أيلول/سبتمبر من خلال بيان حول وفاة كريموف على موقع رئاسة جمهورية أوزبيكستان: "ننقل لكم والألم يعصر قلوبنا نبأ وفاة رئيسنا العزيز إسلام كريموف. توفي إسلام عبد الغني فيتش في 2 أيلول/سبتمبر 2016 في مدينة طشقند بسبب ذبحة حادة في عضلة القلب (السكتة الدماغية) أدت إلى تغيرات دائمة في الدماغ وفشل العديد من أجهزة الجسم".
ولد كريموف في عام 1938 في سمرقند، أوزبيكستان. وقد عمل في عام 1966 في لجنة تخطيط الدولة في أوزبيكستان التابعة للجمهورية الاشتراكية السوفياتية، وفي عام 1983 أصبح وزير المالية في أوزبيكستان التابعة للجمهورية الاشتراكية السوفياتية، وفي عام 1986 أصبح نائب رئيس مجلس وزراء أوزبيكستان ورئيس لجنة تخطيط الدولة للجمهورية السوفياتية. أما في الفترة من 1986 إلى 1989 فقد شغل منصب أمين السر الأول للجنة حزب مقاطعة قشقدار. وقد شغل منصب أمين السر الأول للحزب الشيوعي في أوزبيكستان منذ عام 1989. ثم انتخب كريموف في 24 آذار/مارس عام 1990 ليشغل منصب رئيس أوزبيكستان الاشتراكية السوفياتية في دورة مجلس السوفيات الأعلى لأوزبيكستان. وتم تمديد صلاحيات الرئاسة في 1995 و2000 و2007 و2015 وبقي باستمرار على رأس عمله كرئيس للدولة.
إن تجربة كريموف الطويلة في النظام الشيوعي سمحت له ببناء نظام شمولي كان فيه كل شيء مرتبطاً ببعضه البعض، حيث لا مفر إلا إلى السجن أو الموت. وقد أتاح هذا لكريموف المناورة بمهارة بين قوتين، واللتين كانتا تسعيان للاستيلاء على موارد أوزبيكستان الطبيعية الوفيرة؛ وهما الغرب وروسيا.
وخلافًا لما حصل لكازاخستان وقرغيزستان، لم يعط كريموف الغرب الفرصة لدخول البلاد من خلال مؤسسات حقوق الإنسان وحرية التعبير لاستعمارها. ونحن نرى كيف أن الغرب، وذلك باستخدام أفكار حرية التعبير والديمقراطية، قد توغل في هذه الدول، فأنشأ وسطًا مواليًا له من المثقفين واستغله لتحقيق أهدافه. وهناك في كازاخستان وقرغيزستان منظمات حقوق الإنسان ومفوضية شؤون اللاجئين، وهناك أيضًا أحزاب معارضة، والتي على النقيض من الواقع في أوزبيكستان يمكن أن تعمل بشكل علني وتعبر بحرية عن آرائها.
قام كريموف بسرعة بإيقاف أي محاولات للضغط من قبل الغرب. فعلى سبيل المثال، بعد أحداث أنديجان في عام 2005، عندما انتقدت أمريكا إجراءات النظام التي من خلالها قمع الاضطرابات في أنديجان، قام كريموف في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2005 بإجبار الأمريكيين على مغادرة قاعدتهم في خان آباد المؤجرة للعمليات العسكرية في أفغانستان، كما أنه قام بإغلاق مكتب مفوضية شؤون اللاجئين في طشقند في عام 2006. وقد اضطر تقريبًا كل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى مغادرة البلاد، بل إنه قد زج ببعضهم في سجونه.
في الواقع، أقام كريموف علاقات اقتصادية وسياسية مع الغرب، ولكنها تخضع لرقابة النظام الصارمة. وكل شخص ارتبط بطريقة أو بأخرى بعلاقات مع الدول الغربية حقد عليه النظام، وفي نهاية المطاف يتم الاستيلاء على ممتلكاته وزجه في غياهب السجون. فعلى سبيل المثال، اعتقل توخيرجون جليلوف، المدير العام لشركة صناعة السيارات الأوزبيكية الأمريكية جنرال موتورز أوزبيكستان، بتهمة الاختلاس، وبعد وقت قصير جرى اعتقال 10 موظفين آخرين يعملون في الشركة نفسها. ويبدو على الأرجح أن نظام كريموف قد اشتبه في أن لهم علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية. وفي وقت لاحق، حتى إن أولوغبيك روزيكولوف، نائب رئيس وزراء أوزبيكستان، ورئيس مجلس الدولة للشركة المساهمة "أوزافتوسانوت"، قد جرى التحقيق معه.
وبالتالي، فقد أدرك مدى خطورة الأفكار الديمقراطية، وحرية التعبير وحقوق الإنسان، فقام كريموف بحماية نفسه ونظامه من خلال القضاء على أية إمكانية لوجود أحزاب معارضة في البلاد والجماعات التي يدعمها الغرب. وهذا يعني أنه في المستقبل القريب سيواجه الغرب صعوبة هائلة في إيجاد مرشح مناسب في منظومة هذا النظام لبناء علاقات لتعزيز التعاون.
وكما قيل، فإن نظام كريموف قد تم إنشاؤه بحيث يكون كل اللاعبين تحت السيطرة، ومن يقف ضده أو يتعدى حدوده فستتم معاقبته. ومثال ذلك الابنة الصغرى للرئيس، غولنارا كريموفا.
ولدت غولنارا كريموفا في عام 1972 في فرغانة. وقد عملت منذ عام 1995 في وزارة الشؤون الخارجية كمستشارة للوزير. وخلال الفترة من عام 2003 وحتى عام 2005 عملت مستشارة في سفارة أوزبيكستان في روسيا، ومستشارة لممثل أوزبيكستان في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وفي عام 2008 تم تعيينها في منصب نائب وزير خارجية جمهورية أوزبيكستان لشؤون التعاون الدولي في المجال الثقافي والإنساني، وممثلة دائمة لجمهورية أوزبيكستان في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف. كما شغلت أيضًا منصب سفيرة أوزبيكستان في إسبانيا. واعتبرت غولنارا كريموفا خليفة محتملة لوالدها. ونظر الخبراء وعلماء السياسة إليها بأنها علمانية وغنية ووريثة مؤثرة لكريموف، ومرشحة مؤهلة لقيادة دولة كبيرة.
وفي عام 2012، أجابت بنفسها ردًا على سؤال عما إذا كانت تعتبر نفسها رئيسة محتملة للدولة فقالت إنها ترى نفسها على أنها إنسان طموح، ولكن "الرئيس المحتمل للدولة يمكن أن يكون أي شخص عنده طموحات، وفي الوقت نفسه يتحلى ببعض التفكير والتطلعات".
وقد جعلها المال والسلطة وحياة الترف تظن بأن كل شيء مسموح، وأنها يمكن أن تفعل ما تريد. إلا أن الواقع لم يكن كذلك. وبمجرد تجاوزها للحدود، قام النظام بسحب كل الصلاحيات من يدها وفقدت كل شيء، أملاكها ونفوذها وحتى حريتها، وذلك على الرغم من أن والدها أكثر ديكتاتور متعطش للدماء وحاكم قوي في المنطقة. وتقول وسائل الإعلام اليوم إن الغرب قد يستغل غولنارا لبسط سيطرته على أوزبيكستان. ولكن هذا غير وارد، لأن غولنارا لا يمكن أن تصبح رئيسة بينما كان والدها على قيد الحياة، فكيف يمكن أن تصير كذلك الآن وقد مات والدها؟
والأحداث الأخيرة في هرم السلطة تثبت ذلك. فبحسب دستور البلاد فإنه بعد وفاة كريموف، يجب أن يصبح نعمة الله يولداشيف، رئيس مجلس الشيوخ رئيس أوزبيكستان بالوكالة.
ولد نعمة الله يولداشيف في عام 1962 في طشقند. كان يعمل بصفة محقق في مدن مختلفة حتى عام 1994. واصل مسيرته في عالم الادعاء العام حتى تم تعيينه في منصب وزير العدل في أوزبيكستان في عام 2011. وفي 22 كانون الثاني/يناير عام 2015 انتخب لمنصب رئيس مجلس الشيوخ في أوزبيكستان.
في 8 أيلول/سبتمبر عام 2016 عقد المجلس التشريعي ومجلس الشيوخ اجتماعًا مشتركًا. وتقرر أن يصبح رئيس مجلس الشيوخ نعمة الله يولداشيف، وفقًا للمادة 96 من دستور البلاد، رئيسًا بالوكالة. ولكنه قدم اقتراحًا حول إعطاء رئيس الوزراء شوكت ميرزيوييف صلاحيات رئيس جمهورية أوزبيكستان بشكل مؤقت. وافق مجلس الشيوخ على اقتراح يولداشيف، وتقرر عقد انتخاب الرئاسة في 4 كانون الأول/ديسمبر 2016.
ولد شوكت ميرزيوييف عام 1957 في مقاطعة جيزك. تخرج من معهد طشقند لهندسة الري وتقنيات الزراعة في عام 1981. وهو يحمل شهادة الهندسة الميكانيكية. عمل في الفترة ما بين 1974-1991 في شركات ومؤسسات نظام الري. وقبل تعيينه رئيسًا للوزراء في عام 2001، شغل منصب حاكم منطقة سمرقند وجيزك.
أما نشطاء حقوق الإنسان والمعارضة في الخارج فقد وصفوا تعيين ميرزيوييف رئيسًا مؤقتًا لأوزبيكستان "بانقلاب على الدستور". ولكن هذا ليس شيئًا جديدًا، فقد انتهك نظام كريموف، وسوف ينتهك دستور البلاد في جميع الأوقات.
وقد أخذت بعض وسائل الإعلام، بسبب علاقات القرابة التي يرتبط بها، أخذت تدعو ميرزيوييف "بالسياسي الموالي لروسيا". وقد تزوج بابور عثمانوف ابنة ميرزيوييف، وهو ابن شقيق للملياردير الروسي اليشر عثمانوف ووريثه المحتمل، الذي ولد في أوزبيكستان. واستطاع ميرزيوييف بحكم منصبه أن يلتقي مرارًا وفي مناسبات متعددة ببوتين وأقام معه علاقات أعمال وصداقة. وقد بدا هذا واضحًا في اجتماع بوتين وميرزيوييف يوم 8 أيلول/سبتمبر في سمرقند. وقال بوتين إن الشعب الأوزبيكي وقيادة الجمهورية يمكنهم الاعتماد على روسيا لأنها أكثر أصدقائهم إخلاصًا، فقد قال بوتين: "ونحن، من جانبنا، نقوم بكل ما هو ممكن لدعم هذه الطريقة في التنمية المتبادلة، لدعم شعب أوزبيكستان، والقيادة الأوزبيكية. يمكنكم الاعتماد علينا بشكل كامل، فنحن أكثر أصدقائكم ثقة".
وبالتالي، فمن المرجح أن يقوم نظام أوزبيكستان ببناء علاقات ودية مع روسيا أكثر من الغرب. والشخصيات نفسها، التي كانت في وقت كريموف، قد بقيت في السلطة ولا يتوقع إجراء أية تغييرات في النظام أو أن يقوم بتسهيل قبضته على الناس، وليس هذا وفقًا للسياسيين فقط، بل أيضًا هو رأي الناشطين في مجال حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، سيواصل رستم إينوياتوف، رئيس جهاز الأمن الوطني، عمله باعتباره جلاد هذا النظام المتعطش للدماء.
ولد رستم إينوياتوف في عام 1944 في منطقة شير آباد، سورخانداريا. وقد شغل منصب رئيس جهاز الأمن الوطني منذ عام 1995 برتبة كولونيل جنرال. وبعد قمع المظاهرات في أنديجان في عام 2005، توسعت سلطته في دوائر تطبيق القانون فأصبحت غير محدودة. وأنا لا أتحدث فقط عن آلاف المعتقلين من مسلمي البلاد والذين تعرضوا للتعذيب في معسكرات الاعتقال التابعة للنظام التي يسيطر عليها رئيس جهاز الأمن الوطن إينوياتوف.
ورستم عظيموف، وزير المالية في أوزبيكستان، هو نجل العالم الشهير صديق عظيموف، سيتولى مراقبة الأموال في النظام.
ولد رستم عظيموف في عام 1958 في طشقند. وتولى منذ عام 2001 منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء شوكت ميرزيوييف ومنذ عام 2005 أصبح وزير المالية في جمهورية أوزبيكستان.
ويمكننا مواصلة الحديث في هذه القائمة لفترة طويلة. في الواقع، إن الشخصية الرئيسية في هذا النظام، كريموف قد مات، ولكن النظام الدكتاتوري المتعطش للدماء ما زال قائمًا. وما زال الحظر المفروض على الإسلام موجودًا، ويجري منع كل ما يتصل بالإسلام.
وما زال النظام يقوم أيضًا بمنع حمل الدعوة. وما زال آلاف المسلمين الذين بسبب حملهم للدعوة وأدائهم لفرائض الإسلام يقبعون في السجون. وما دام هذا النظام موجودًا، فلن تخف القبضة الحديدية على البلاد ولن تحدث أية تغييرات بلا شك. والتغيير الجذري لهذا النظام الديكتاتوري وإزالة جميع رموز نظام كريموف هو فقط ما سيشكل بداية لنظام جديد ومتميز عن الواقع الموجود.
رأيك في الموضوع