انتهت أعمال المؤتمر المناخي الدولي 22 في مراكش مساء الجمعة الموافق 18/11/2016 بإقرار خطة عمل تستمر حتى سنة 2018 لتطبيق اتفاق باريس الذي توصل إليه المجتمع الدولي العام الماضي. وقد خيمت على المؤتمر تصريحات ترامب الرئيس المنتخب لأمريكا والذي اعتبر أن قضية الانحباس الحراري خدعة وليست بحقيقة. وقد صدر البيان الختامي للمؤتمر بالتأكيد على أن اتفاق باريس لا رجعة عنه وأن العالم مصر على خفض درجة حرارة الكوكب درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وقد اعتبرت وفود مئتي دولة أن إعلان باريس يعتبر أهم اتفاق متعلق بالتغيرات المناخية منذ أن انطلقت أعمال منظمة عبر الحكومات العالمية للتغير المناخي (Intergovernmental Panel Climate Change IPCC)عام 1988. وكان قد تم تبني اتفاق باريس بالإجماع بتاريخ 12/12/2015. وقد بلغ عدد الدول التي وقعت اتفاق باريس 193 دولة حتى شهر تشرين الثاني 2016، منها 112 دولة صادقت على الاتفاقية رسميا ومن ضمنها الاتحاد الأوروبي، ولم تصادق أمريكا على الاتفاقية حتى الآن.
ويأتي مؤتمر مراكش ومن قبله اتفاق باريس على خلفية بروتوكول كيوتو (11/12/1997) الذي اعتبر أن الارتفاع الحراري العالمي حقيقة وأن سبب هذا الارتفاع هو انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) الناتج عن أعمال الإنسان واستخدامه للطاقة بشكل يؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض.وقد رفضت الولايات المتحدة والصين والهند أن تصدق على بنود اتفاقيات ليما (بيرو) وباريس. وقد صرح ترامب عشية مؤتمر مراكش أنه لن يوقع اتفاقيات التغير المناخي،وكان جورج بوش من قبله قد صرح سنة 2000 حين تم انتخابه بأن حكومة أمريكا تعارض اتفاقية كيوتو لأنها تضر باقتصاد الولايات المتحدة علما بأن أمريكا كانت ولا تزال مسؤولة عن أكثر من 36% من انبعاث الغازات منذ عام 1990. كما أن كندا واليابان وروسيا قد أعلنت أنها لن تلتزم ببنود كيوتو التي تقضي بتخفيض انبعاث الغازات بنسب تتناسب مع مقدار ما تنتجه هذه الدول من غازات. فكان من المقرر أن تخفض كندا كمية الغازات المنبعثة منها بمقدار 6% ما بين 1990 و2012، ولكنها بدلا من ذلك زادت نسبة انبعاث الغازات بمقدار 17%. وبالرغم من المؤتمرات والاتفاقيات حول نسب انبعاث الغازات إلا أن هذه النسبة زادت عن 24% مقارنة مع سنة 1990 التي اعتبرت مرجعا لكمية الغازات المنبعثة. وبالتالي فإن قمة مراكش ومن قبلها اتفاقية فرنسا لن يكتب لها النجاح ما دامت الرأسمالية النفعية تسيطر على أذهان قادة القمة. فرئيس أمريكا المنتخب أعلن عن عدم رضاه عن قضية الانحباس الحراري من أصلها وأن الشركات الأمريكية سوف تتضرر إذا عملت على تخفيض انبعاث الغازات. والحقيقة هي أنه لا أمريكا ولا روسيا ولا اليابان ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا الصين ولا الهند مستعدة أن تعيد هيكلة صناعتها وأن تنفق الأموال الطائلة على الاستثمار في تكنولوجيا حديثة وأنواع من الطاقة البديلة كالرياح والشمس أو تقلل أرباحها من أجل أن يسعد الإنسان ببيئة مناسبة. فسعادة الإنسان ليست ذات قيمة ربحية مباشرة تنعكس على شركة شيفرون أو برتيش بتروليوم أو فورد أو تويوتا أو غيرها من الشركات العملاقة. وقد تبين من خلال قمة مراكش عدم جدية الدول الكبرى في تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بخفض نسبة الغازات المنبعثة، حيث ورد في البيان النهائي أن 48 دولة تعهدت بخفض انبعاث الغاز من مصانعها ومعظمها دول فقيرة كإثيوبيا والفلبين وبنغلادش التي لا يشكل انبعاث الغاز منها نسبة عالية. ثم إن الدعم المالي الذي تم توفيره هذا العام للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لم يتجاوز 165 مليون دولار، في حين إن المطلوب حسب اتفاقية باريس يتجاوز 100 مليار دولار. والمطلوب الحقيقي حسب مصدر من الأمم المتحدة أكثر من ترليون دولار. وبالتالي فإن المؤتمرات التي عقدت منذ توقيع بروتوكول كيوتو لم تحرك ساكنا في قضية الانحباس الحراري، بل على العكس أثبتت الدراسات أن نسبة الغازات المنبعثة قد ازدادت بشكل كبير، ولم تكن المؤتمرات سوى ملهاة أممية.
إنه مما لا شك فيه أن انبعاث الغازات المختلفة كثاني أوكسيد الكربون بكميات كبيرة تصل إلى أكثر من 10 ترليون طن من الغازات، تسبب أضرارا بالغة بالمحيط البيئي للكرة الأرضية أهمها ارتفاع معدلات الحرارة على سطح الكرة الأرضية، والتي بدورها قد تؤدي إلى ذوبان المحيطات الجليدية بشكل متسارع يصعب مواجهته ويؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات، ما قد ينتج عنه غرق مساحات واسعة من الأراضي المأهولة بالسكان. والانبعاث هذا ليس طبيعيا بل هو خارج عن الدورات الطبيعية لمكونات الكون. فمما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى قد أوجد في الكون موازين مختلفة قادرة على إيجاد توازن بين درجات الحرارة والغازات الساخنة المنبعثة من الأرض. إلا أن الإنسان (الذي يسمى حديثا) أو متطورا أو متمدنا أو متحضرا يظن أنه هو صاحب الكون وهو الذي يستطيع أن يفعل ما يريد دون الالتفات إلى أن لهذا الكون خالقاً قد وضع له موازين وأسساً، وبالتالي يفسد الأرض والبحر والجو كما قال سبحانه وتعالى ﴿ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
والحقيقة أن الله تعالى حين خلق السماوات والأرض أوجد لها ميزاناً ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾ وطلب من الإنسان ألا يطغى في الميزان أي لا يخل بميزان الله الذي خلقه. والإنسان قادر على فهم الميزان ومعرفة عمله. فلم يكن صعبا على العلماء أن يدركوا أن كمية انبعاث الغازات بكميات تزيد على 9 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون و 4 مليار طن من الميثان و 2 ميار طن من أكسيد النيتروجين يسبب طبقة عازلة في طبقات الجو العليا تمنع الحرارة الزائدة من الخروج من فضاء الكرة الأرضية. وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع مضطرد في درجات الحرارة تكون عواقبها وخيمة. وليس من الصعب معرفة الحد الأعلى من كميات الغاز المنبعثة. فالميزان الذي وضعه الله للسماوات والأرض ميزان دقيق لكنه معروف ويمكن معرفته، وجعله الله من العلم الذي يدرَك من قبل الإنسان ولم يستأثر به في غيبه. فالموازين التي وضعها الله في الكون معلومة وفيها قابلية أن تُعلَم. ولكن المهم بل الأهم هو التقيد بما توحيه هذه الموازين.
إن اتفاقيات الأمم المتحدة وبروتوكولاتها مرورا بكيوتو وليما وبرلين والدوحة وباريس ومراكش تبين حقيقة ثابتة وهي أن العالم الرأسمالي ببشاعته وجشعه يعلم علم اليقين أين تكمن موازين الكون ومع ذلك هو يصر على خرقها وتجاوزها بل وتحديها حتى ولو جلبت عليه وعلى العالم أبشع الكوارث وأسباب الدمار. فهل أكثر من إمكانية إغراق الكرة الأرضية بما فيها ومن فيها بسبب غازات منبعثة، التقليل منها ينقذ الأرض والبشر ولا يفقر الأغنياء ولا يزيد من الفقر! ومع ذلك يصر بوش وأوباما وترامب وميركل وبراون وبوتين وغيرهم من خدام الدولار واليورو على الاستمرار بسياساتهم المدمرة.
وبالتالي فإن الخلاص من شر الفساد الذي ظهر في الجو وفي الماء وفي الأرض والفساد الذي أطاح بكل قيم الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وإنقاذ البشرية كلها من براثن الرأسمالية الظالمة وطغيانها الفاجر، لن يكون منطلقا من مراكش أو باريس أو روما، ولن يكون على منصات الأمم المتحدة، ولن يكون بقيادة أمريكا الظالمة، ولن يحصل ما دامت البشرية تصد عن ذكر الله وتمتنع عن التحاكم لشرع الله، وتجعل الإنسان ربّاً من دون الله. يجب على الناس أن يدركوا أن الله عز وجل خالق الكون والإنسان والحياة هو ربها وإلهها الذي يجب أن يطاع في الأرض وفي السماء وأن يقف الإنسان عند الحدود التي رسمها سواء في العلاقات بين الناس فيما بينهم أو العلاقة مع الكون نفسه أو مع الله عز وجل ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
رأيك في الموضوع