في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2016م، انطلقت القمة العربية الأفريقية الرابعة في مالابو؛ عاصمة غينيا الاستوائية، بمشاركة (17) دولة عربية وأفريقية، وكان من أبرز القادة الذين حضروا هذه القمة، رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، وعمر البشير رئيس السودان، وسلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان وغيرهم، وسط مقاطعة تسع دول عربية، احتجاجاً على وجود جبهة البوليساريو، حيث انسحبت السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان، والأردن، واليمن، والصومال، تضامناً مع دولة المغرب، التي تعتبر الصحراء الغربية جزءاً من أراضيها، في حين أعلنت جبهة البوليساريو الصحراء الغربية جمهورية عربية صحراوية ديمقراطية مستقلة، لم تعترف بها الأمم المتحدة، في حين يعترف بها الاتحاد الأفريقي.
وقبل الخوض في تفاصيل القمة، لا بد لنا من إلقاء الضوء على نشأة هذه القمم، وأهدافها المعلنة، فقد استضافت مصر أولى هذه القمم في العام 1977م بالقاهرة، وخرجت بإعلان القاهرة؛ الذي نص على دعم نضال شعوب فلسطين، وزيمبابوي، وجنوب أفريقيا، والصومال، وجزر القمر لنيل استقلالها وحريتها. ثم كانت القمة الثانية بعد ثلاث وثلاثين سنة، حيث عقدت بمدينة سرت الليبية في عام 2010م، وقد أقر فيها مشروع استراتيجية الشراكة العربية الأفريقية، وكان مما جاء في إعلان سرت: التأكيد على أهمية تبادل الخبرات، في مجال حل النزاعات بالوسائل السلمية، والتأكيد على أهمية تضافر الجهود العربية والأفريقية، لإحداث إصلاح شامل وجوهري للأمم المتحدة. أما القمة الثالثة، فكانت في الكويت في العام 2013م، ولم تختلف في بنودها عن سابقاتها، غير أن الجديد كان بحث إمكانية إنشاء سوق عربية أفريقية مشتركة. هذا باختصار ما قامت عليه القمم العربية الأفريقية. ولم تختلف القمة الأخيرة في مالابو عن سابقاتها، ولكناللافت للنظر فيها هو بند يتعلق بمحاربة (الإرهاب)، كما أصدرت القمة إعلاناً حول القضية الفلسطينية، حيث أكد دعم البلدان الأفريقية للجهود الفلسطينية، لإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق الاعتراف الدولي بها.
ورغم مرور ما يقرب من الأربعة عقود، منذ انطلاقة أول قمة عربية أفريقية، فإن أغلب مخرجات القمم الثلاث التي سبقت هذه القمة، لم تستطع تحقيق الهدف الذي قيل إنها قامت من أجله، ألا وهو التكامل بين العرب والأفارقة اقتصادياً، والتنسيق سياسياً، فالأمر الواضح أن من أوحى بفكرة القمم هذه، ليس من أهدافه التكامل بين الدول العربية والأفريقية، ولا يهمه أن تنتعش اقتصاديات هذه الدول، بقدر ما يهمه أن تنفذ هذه الدول أجندته الخاصة بالمنطقة والعالم، والناظر إلى المتولين أمر هذه القمم، سواء أكانت دولاً، أم منظمات إقليمية، فكلهم تابعون لأمريكا، مؤتمرون بأمرها، ويتضح ذلك جلياً في القمة الأخيرة هذه، حيث إن الذين قاطعوا القمة أغلبهم من أتباع أوروبا، وبريطانيا على وجه الخصوص، أما الذين حضروا القمة وأصروا على إنجاحها رغم الغياب الكبير (تسع دول)، فهم أتباع أمريكا، كما يتبين الأمر أكثر من خلال مخرجات القمة، حيث تبنى المجتمعون فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على جزء من أرض فلسطين المحتلة، تعيش جنباً إلى جنب مع كيان يهود الغاصب، وهي في الأصل فكرة تروج لها أمريكا منذ سنوات. أما البند الأساس الذي خرج به المؤتمرون، فهو بند الحرب على (الإرهاب)، الذي هو في حقيقته الحرب على الإسلام، وعلى كل من يدعو لقيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهو الشغل الشاغل لأمريكا وصويحباتها، وأتباعها، وعملائها، وهو البند الذي تريد أمريكا حقيقة، من الدول التي اجتمعت في القمة، أن تنخرط فيه، وبقية البنود؛ من تكامل اقتصادي، وتنمية، وغيرها، ما هي إلا بنود للتعمية والتضليل للشعوب المغلوبة على أمرها.
وقد اجتمع على هامش هذه القمة الأخيرة في مالابو الرئيسان؛ السوداني عمر البشير، وسلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان لبحث القضايا العالقة بين الدولتين، وبخاصة قضية التخلي عن دعم الحركات المسلحة التي تقاتل كلا من الجانبين، واتفق الرئيسان على عدم دعم أي من الدولتين لمتمردي الدولة الأخرى، وإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، وتشكيل فرق مشتركة لمراقبة الحدود، ومن ثم فتح المعابر، للتبادل التجاري بينهما. ووصف الناطق باسم الرئيس سلفاكير (أتينك ويك أتينك) المشاورات بأنها كانت مثمرة وناقشت تقوية العلاقات بين البلدين، وخطوات تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وأبان وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور في تصريح لصحيفة أخبار اليوم (أن اللقاء شهد نقاشا صريحا حول تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين البلدين مسبقاً، حيث أكد الرئيسان على أن السلام في كل دولة، يعني السلام في الدولة الأخرى، وأوضح أن البشير وسلفاكير اتفقا على استمرار التواصل بينهما لمعالجة الإشكاليات، التي يمكن أن تحدث، أو عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين البلدين). ويأتي هذا اللقاء بينهما في ظل ظروف صعبة وقاسية يعيشها السودان شمالاً وجنوباً، هذه الظروف التي صنعتها أمريكا، ونفذها الرجلان فيما يسمى بالسلام المزعوم، الذي أدى في خاتمة المطاف لتقسيم السودان إلى دولتين، تعيشان حالة من التردي الفظيع، في كل مناحي الحياة؛ فجنوب السودان يعيش في صراع مرير، وحرب مدمرة، أوصلت الجنوب إلى حافة الانهيار، إن لم يكن قد انهار بالفعل، أما الشمال فلم يعش سلاماً، حيث اندلعت الحرب في جنوب سودان من جديد (جنوب كردفان والنيل الأزرق) إضافة إلى دارفور، وفي ظل فقدان شمال السودان للنفط الذي ذهب جنوباً، صارت الحياة فيه جحيماً لا يطاق، فبعد أن استقر سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني قبل الانفصال في حدود الجنيهين، وصل الآن إلى ما يقارب العشرين جنيها مقابل الدولار، فتضاعفت أسعار السلع والخدمات أضعافا كثيرة فاقت احتمال جل أهل السودان. ويأتي هذا اللقاء بتوجيه أمريكي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا تنفلت الأمور من يدي الرجلين، فيحدث ما لا تريده أمريكا؛ من ذهاب سيطرتها على الوضع في البلدين.
ولكننا نرى أن الوضع في العالم كله يبشر بميلاد فجر جديد، تتخلص فيه الأمة ممن خانوها، وأسلموا ثرواتها ومقدراتها، للغرب الكافر، فإن الصبح لا يأتي إلا بعد أن يزداد الليل حلكة، وها نحن نعيش الحلكة، والصبح آتٍ لا محالة، يحمل معه بشائر الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فتعز بها الأمة وتقطع بها يد الكافر المستعمر، العابث ببلاد المسلمين.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع