صرحت تركيا يوم الجمعة الماضي وعلى لسان وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي فولكان بوزكير؛ بأن المحادثات مع الاتحاد الأوروبي حول التوصل لاتفاق يمنح حرية سفر أهل تركيا إلى أوروبا دون تأشيرة، مقابل وقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين وصلت إلى طريق مسدود، مؤكدة أنه يجب على أوروبا إيجاد "صيغة جديدة" لإنقاذ هذا الاتفاق.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي يسعى جاهدا لإنجاح الاتفاق لوضع حد لتدفق اللاجئين، فإنه يؤكد أنه يجب على تركيا أن تلبي 72 معياراً أو شرطاً، استجابت تركيا لحوالي 67 من المعايير التي وضعها وبقي من هذه المعايير خمسة تشترط أوروبا تعديلها، من بينها تخفيف قوانين مكافحة الإرهاب التي يصفها بالفضفاضة وغيرها - علما أن أوروبا لم تشترط مثل هذه الشروط (72 معيارا) على دول أخرى لإعفائها من تأشيرات الدخول (الفيزا) -وقد كانالتعهد بإعفاء أهل تركيا من تأشيرات الدخول للاتحاد الأوروبي جزءا رئيسيا من الاتفاق المهم الذي توصل إليه الجانبان في آذار/مارس، لكن الاتفاق برمته الآن يواجه خطر الانهيار.
وجاءت تصريحات بوزكير بعد أن زاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الضغط على أوروبا بشأن هذا الاتفاق، متهما الاتحاد الأوروبي "بالنفاق" وبوضع عراقيل جديدة أمام حرية السفر، وهدد بأن تركيا قد تسلك طريقها بعيدا عن أوروبا إذا فشل الطرفان في التوصل لاتفاق.
وقال أردوغان في خطابه: "منذ متى تتولون قيادة هذا البلد؟ من أعطاكم الحق في ذلك؟" ورأى أن تخفيف قانون مكافحة الإرهاب في تركيا التي تواجه تمردا كرديا، غير مقبول. وأضاف: "هؤلاء الذين يريدون هذا القانون لأنفسهم لكن يعتبرونه رفاهية للآخرين، اسمحوا لي بالقول إنهم يتصرفون بنفاق".
فأردوغان يعلم تماما خطورة إرخاء قبضته الأمنية على نظامه وأن أوروبا ستستغل ذلك لخلخلة نظامه بل ومحاولة إزالته.
هذا وقد تراجع عدد المهاجرين وطالبي اللجوء الوافدين إلى اليونان في نيسان/أبريل بنسبة تناهز 90% بعد الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي لاحتواء هذا التدفق، لكن هذا الاتفاق يبقى مهدداً بسبب الخلاف بين بروكسل وأنقرة حول إعفاء أهل تركيا من تأشيرة شنغن.
وكانت نتائج الاتفاق مع أنقرة قد باتت أمراً ملموساً، فقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، بالفعل أن الصفقة، التي يدفع بموجبها الاتحاد الأوروبي لتركيا مليارات اليوروهات لإغلاق طريق الهجرة من تركيا واليونان، قد "أسفرت عن نتائج ملموسة". وأصبحت حكومات الاتحاد الأوروبي تتنفس الصعداء. وقد تم منع تدفقات اللاجئين على هذا الطريق. والآن أمست تهديدات خطيرة ترخي بثقلها على مستقبل هذا الاتفاق بسبب الخلاف العميق بين بروكسل وأنقرة حول إعفاء أهل تركيا من تأشيرة الدخول لدول فضاء شنغن.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا والاتحاد الأوروبي توصلا في 18 آذار/مارس 2016 في العاصمة البلجيكية بروكسل، إلى اتفاق يهدف لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر، حيث تقوم تركيا بموجب الاتفاق الذي بدأ تطبيقه في 4 نيسان/أبريل الماضي، باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا.
وستتخذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين من غير أهل سوريا إلى بلدانهم، بينما سيجري إيواء لاجئي سوريا المعادين في مخيمات ضمن تركيا، وإرسال لاجئ من سوريا مسجل لديها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل مهاجر من سوريا معاد إليها.
وكان الاتحاد الأوروبي قد تعهد خلال القمة التركية الأوروبية، التي انعقدت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بتقديم دعم مادي بقيمة 3 مليار يورو من أجل لاجئي سوريا في تركيا، وقرر في قمة بـ 18 آذار/مارس الماضي تقديم 3 مليارات يورو إضافية حتى نهاية عام 2018 في حال انتهاء الأولى.
مع ملاحظة أن موضوع تحرير التأشيرة لأهل تركيا مدرج على ملف المفاوضات التركية - الأوروبية منذ 2013 وكان يفترض أن ينتهى منه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، لكن تم تسريعه ضمن "اتفاق الإعادة" الخاص باللاجئين والذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا في آذار/مارس الفائت.
وقد تعرض الاتفاق المذكور في حينه لعدد من الانتقادات من منظمات حقوقية دولية وحتى من الأمم المتحدة نفسها من زوايا أخلاقية وقانونية بالنسبة لهم كما صرحت في حينه، وكان هناك شك كبير في إمكانية نجاح الاتفاق وخاصة من جهة تسريع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ونظن أن كلا الطرفين كانا يعلمان ومتأكدَيْن من استحالة دخول تركيا وانضمامها للاتحاد الأوروبي، فقد علت الأصوات الرافضة لانضمام تركيا من مسؤولين أوروبيين واصفين تركيا بالكتلة المسلمة في محيط نصراني (أوروبا المسيحية) إلا أنهما كانا يتفاوضان معاً نحو "تحسين شروط" العلاقة وإعطاء تركيا "وضعاً خاصاً"، كالشراكة في الاتحاد الجمركي وتحرير الفيزا والتعاون الاقتصادي. لكن هذا التطور الأخير يظهر أن الأمر أعقد حتى من ذلك، حيث تقصَّدَ البرلمان الأوروبي حرمان تركيا-أردوغان حتى من هذه الخطوة البسيطة التي كانت ستشكل لها نصراً معنوياً، على صعيد ملف الانضمام وتسويقه داخلياً وعلى مستوى مكانتها ونظرة الأوروبيين لها كشريك ند بشكل عام وفي ملف اللجوء على وجه الخصوص.
تبقى قضية أهلنا وإخوتنا من أهل الشام، أو من سماهم العالم أجمع بـ (اللاجئين) ومعاناتهم وآلامهم تُستغل من الطرفين التركي والأوروبي؛ فتركيا تضغط على أوروبا وتبتزها ماليا وسياسيا وهي أبداً ليست حريصة على حياة وكرامة أهلنا وإخوتنا، فقد تواترت الأخبار والأدلة على أنها تدفع بهم إلى العودة عبر الحدود. وقد ظهرت تقارير صادمة عن حراس الحدود التركية الذين يطلقون النار على المدنيين الفارين من سوريا من "تنظيم الدولة" ونظام الإجرام في بلادهم، ومن الطرف الآخر أوروبا تريد التخلص من قضية فرضت عليها، وتحاول استغلالها إلى أقصى حد تستطيعه للضغط على أردوغان ونظامه لعلها تضعفه أو على الأقل تهز صورته داخليا مما قد يعطي مجالا لأزلامها للتحرك بعد أن ألجمهم في جحورهم.
رأيك في الموضوع