انعقدت القمة العربية الثامنة والعشرون في الأردن على شاطئ البحر الميت، وقد تميزت قمة العرب في الأردن بحضور لافت للزعماء العرب وممثلي الهيئات الدولية. واختتمت أعمالها يوم الأربعاء 29 آذار (مارس) 2017 كما انتهت بعد يوم بخطابات وبيان ختامي جاء على كل القضايا التي تعيشها المنطقة العربية من التأكيد على حل الدولتين ومقايضة الأرض بالتطبيع الشامل مع كيان يهود إلى سوريا والعراق واليمن حيث شجب الزعماء العرب التدخل التركي في شمال العراق وطالبوا أنقرة بسحب قواتها من هناك وكذا شجبوا التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، سوريا واليمن والعراق، وأكدوا على حل المسألة اليمنية ضمن ما طرحته المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، كما وأكدوا أيضا على محاربة (الإرهاب) والعصابات الإرهابية في جميع ميادين المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية.
يرجع عقد مؤتمرات القمة العربية إلى بداية تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 والتي ارتبط قيامها كما جاء على موقعها بهدف إيجاد كيان عربي يدافع عن استقلال الدول العربية ويحافظ على السلام والأمن بين هذه الدول، والدفاع عن أي دولة عربية تتعرض للتهديد أو العدوان. ولكن الحقيقة المرة أن الجامعة العربية تأسست بناء على رغبة وطلب مباشر من وزير خارجية بريطانيا أنتوني إيدن عندما أصدر بيانا في 29 أيار/مايو عام 1941 أعلن فيه تأييد حكومة بريطانيا لآمال الوحدة العربية واستعدادها للتعاون معهم في ذلك، ثم تحرك الأعراب استجابة لطلب بريطانيا فخطب مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر آنذاك لعقد مؤتمر للقادة العرب وأيده الأمير عبد الله في شرقي الأردن، ثم عادت بريطانيا عام 1943 وأصدرت بيانا ثانيا تؤكد فيه على مساعدة بريطانيا لقيام الجامعة العربية، وبعد مشاورات ولقاءات جاء الإعلان رسميا عن ولادة الجامعة العربية في 22 آذار/مارس عام 1945 ووقعت على نص الصيغة النهائية لميثاق الجامعة كل من سوريا ولبنان ومصر والعراق وشرقي الأردن ثم لحقتها السعودية واليمن.
أتى تأسيس الجامعة العربية استكمالا لتحقيق هدف بريطانيا، فبعد أن هدمت دولة الخلافة العثمانية ومزقت كيان المسلمين وأوجدت كيانات ودولاً وأنظمة صنعتها بعناية ونجحت في ذلك على المستوى السياسي والرسمي إلا أنها لم تنجح على مستوى الأمة، فبقيت المشاعر الإسلامية جياشة وحاضرة في الأمة مما يشكل خطرا على مخططاتها ويمكن أن تعود الأمة فتطالب بكيان واحد جامع لها، بالإضافة لذلك وفي تلك الفترة اشتدت وزادت أعداد اليهود وهجرتهم لفلسطين واقترب استحقاق وعد بلفور ليهود بإقامة وطن قومي لليهود، فكان تأسيس الجامعة العربية الخطوة الأساس لتثبيت وتحويل الصراع القادم من بُعده الإسلامي إلى بعده القومي وتثبيت الأنظمة التي صُنعت وتقوية الناحية الوطنية فيها، كما تؤكده المادة (8) من الميثاق بالنص على أن تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمى إلى تغيير ذلك النظام فيها.
وبالعودة لمؤتمر القمة الأخير الذي عقد على ضفاف البحر الميت وبغض النظر عن البيان الختامي وتفصيلاته التي لا تختلف كثيرا عن قرارات القمم السابقة والتي كانت ضمن مخطط تخديري لمشاعر الأمة وسيرا بها خطوة خطوة في مسار تنازلي وتخاذلي وتآمري على حقوق الأمة ومقدراتها، فقمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث (لا للاعتراف ولا للتفاوض ولا للصلح) وقمة الرباط وقمة عمان وباقي القمم التي لم نشهد منها إلا التنازل والتفريط والتخاذل... مما يجعلنا نتساءل عن هذه القمة وما طبخ فيها من مؤامرات أو تخاذل وتفريط تكشفه الأيام المقبلة؛ فقد نشر مركز أبحاث مرتبط بدوائر الحكم في تل أبيب، مفاجأة بكشفه عن الهدف الأهم الذي أرادت واشنطن تحقيقه من مؤتمر القمة العربية المتمثل في تهيئة الظروف أمام تشكل تحالف سنّي مساند للولايات المتحدة، فقد نشر موقع عربي 21 أن ملك الأردن عبد الله الثاني تولى من وراء الكواليس، نيابة عن ترامب، مسؤولية إقناع الدول العربية بتدشين التحالف العربي السنّي، منوها إلى أن ملك الأردن سيتوجه مرة أخرى إلى واشنطن لإطلاع ترامب على مدى نجاحه في تحقيق هذا الهدف.
وقد كان لافتا للنظر إرسال أمريكا مندوبا عن الرئيس ليشارك في القمة هو مبعوثها للمنطقة جيسين غرينبليت اليهودي المتعصب حيث حرص في لقاءاته واجتماعاته مع ممثلي الدول العربية على هامش القمة لأجل التأكد من أن الأمور لن تخرج عن إطار الخطوط المرسومة من قبل أمريكا التي سيبدأ حج أولئك الحكام إليها مباشرة بعد انتهاء القمة، بدءا بالسيسي ثم ملك الأردن وانتهاء بعباس لاستكمال ما تآمروا به وتنفيذ ما يطلب منهم لاحقا.
حوالي أربعمائة مليون مسلم يتوزعون في 22 دولة وعلى مساحة تزيد عن 13.5 مليون كيلومتر مربع من الأرض ويمتلكون من الثروات الطبيعية الهائلة، ويعتقدون عقيدة واحدة ينبثق ويبنى عليها نظام يشمل جميع مناحي الحياة وينظمها، وينظر إليهم، وينتظر منهم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم أن يتوحدوا على نظام وكيان وقائد واحد يقودهم ويعيدهم سادة للعالم أجمع بدل هؤلاء الرويبضات الذين أصموا آذاننا باجتماعاتهم وتصريحاتهم وخلافاتهم التي جعلتنا أضحوكة بين الأمم، فبلادهم مسارح للحروب والقتل والتدمير والتشريد والفقر والنهب، وهم لا يملكون أن يغيروا من الواقع شيئا ولا يجرؤون على اتخاذ قرار واحد يخالف رغبات أسيادهم، وإن صدر عنهم شيء من ذلك فهو خداع وسراب لتمرير ما هو أخطر أو لامتصاص غضبة من شعوبهم لظرف ما، فهم حراس ونواطير لغرب كافر استعمرنا وقسمنا ويحرص على بقاء فرقتنا ويغذيها خوفا من توحدنا وعودتنا لمصدر عزتنا وقوتنا.
رأيك في الموضوع