لوحظ في الأيام الأخيرة حدوث تقدم عسكري محسوس على الأرض لصالح القوات العراقية المدعومة بميليشيات الحشد الطائفية على حساب تنظيم الدولة الإسلامية في محافظتي صلاح الدين والأنبار، فقد أعلنت قيادة العمليات المشتركة يوم الأربعاء في 14/10/2015 عن انطلاق ما يُسمى بعملية (لبيك يا رسول الله) الثانية لتحرير مناطق شمال محافظة صلاح الدين، وأعلن أنّ العملية انطلقت من ثلاثة محاور، ونتج عنها السيطرة على مدينة بيجي ومصفاتها، وقطع طريق الموصل شمالاً، وقطع طريق الصينية باتجاه حديثة في الأنبار جنوباً.
ومن جانب آخر أعلنت قوة المهام المشتركة في اليوم نفسه (الأربعاء في 14/10/2015) عن قيام قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتنفيذ ست عشرة غارة جوية على أهداف تابعة لتنظيم الدولة قرب ثماني مدن عراقية استهدفت مراكز للتنظيم اشتملت على مبانٍ وأسلحة ومخزن متفجرات.
وقال العقيد ستيفن وارين المتحدث باسم ما يُسمّى بعمليات العزيمة الصلبة: "تمكّنت القوات العراقية البرية مستعينةً بغاراتنا من تحقيق تقدم لمسافة 15 كيلو متراً من مدينة الرمادي خلال الأيام السبعة الأخيرة"، فيما أفادت قيادة عمليات الأنبار في المحور الشمالي أنّها تمكنت من رفع العلم العراقي في البوفراج في الأنبار، وأمّا في شمال العراق فقال وارين: "إنّ قوات البيشمركة الكردية استطاعت إعادة أكثر من 400 كيلو متر مربع إلى سيطرة الحكومة وحرّرت 23 قرية".
إنّ هذه التطورات العسكرية الجديدة في العراق تُشير بوجود بداية تغيّر في موازين القوى على الأرض لمصلحة القوات الحكومية، ومساندتها قوات البيشمركة الكردية، وذلك على حساب قوات تنظيم الدولة الذي تمّ إيقاف تمدده، كما تم محاصرته في أهم معاقله في الأنبار، خاصة في مدينتي الرمادي والفلوجة ومن جميع الجهات تقريباً.
وما قد يُطرح من أسئلة في هذا المضمار ثلاثة وهي: ما هو سبب هذا التغيير في موازين القوى؟ وما الذي دفع أمريكا للبدء بقصقصة أجنحة تنظيم الدولة في هذا التوقيت بالذات؟ وهل لهذا التطور علاقة بما يحدث في سوريا؟.
ولو حاولنا الإجابة على هذه الأسئلة لتفسير هذه التطورات لقلنا ما يلي:
لقد وضعت إدارة أوباما في البداية سقفاً زمنياً لتمدد تنظيم الدولة في العراق والشام لا يتجاوز الثلاث سنوات، ثمّ رفعت هذا السقف بعد ذلك إلى أكثر من ذلك ليصل وفقاً لبعض المسؤولين إلى عشر سنوات أو أكثر، وهو ما يعني أنّها تُريد إشغال المنطقة بالحروب والصراعات لمدة طويلة ريثما تُحقّق كامل أهدافها الاستعمارية في المنطقة.
غير أنّ الوقائع على الأرض غالباً ما تؤثر في صنع القرارات السياسية وفي تغييرها، ومن هذه الوقائع وجود الروس في المنطقة، والرمي بثقلهم فيها على نحو جذب الأنظار إلى روسيا وكأنّها هي الدولة الأكثر نفوذاً فيها، فانتشر الحديث في الأوساط السياسية عن قدرات روسيا الفائقة، وعن دورها الجديد في الشرق الأوسط، وذاعت مقولة بين السياسيين أنّ ما عجزت أمريكا عن تنفيذه في سنوات قد تُفلح روسيا بتنفيذه في شهور، وأعلن عن دخول العراق وإيران وسوريا وروسيا في حلف رباعي لتنسيق الأعمال الأمنية ضد الإرهاب، وضد المجموعات الإرهابية، كما بدأت بعض القوى المحلية تُشكّك علانيةً بجدية أمريكا في محاربة تنظيم الدولة، وكل هذا أظهرها أمام دول المنطقة وكأنّها دولة ضعيفة، وأنّ قيادتها السياسية للمنطقة فاشلة، وأنّها لا تملك استراتيجية واضحة، وأنّ سياساتها الخارجية يغلب عليها التردد والتخبط، خاصة بعد افتضاح مشروعها في العثور على معارضة سورية (معتدلة!).
ولو أضيف إلى هذه الأسباب سبب آخر يتعلق بالسياسة الداخلية الأمريكية ألا وهو بدء الحملة الانتخابية في أمريكا، وتقديم إدارة أوباما بعض الإنجازات كهديةً للمرشح الديمقراطي ليستخدمها بدوره كورقة انتخابية لصالحه في الانتخابات ضد خصومه الجمهوريين ليكون ذلك مفيداً للديمقراطيين الذين يتهمهم الجمهوريون بالعجز في السياسة الخارجية.
فهذه الأسباب بمجملها على الأرجح أنّها هي التي دفعت أمريكا في العراق لتغيير تكتيكاتها على الأرض، ولتحقيق بعض الإنجازات على أيدى توابعها في العراق، خاصة الحكومة والحشد الشعبي والبيشمركة، وذلك لإعادة الثقة بسياساتها، ولتقوية الارتباط بينها وبين عملائها، وللحد من طموح الروس في المنطقة.
لذلك فمن المتوقع أن تُحقق الحملة العسكرية الحالية للقوات العراقية المدعومة من قوات الحشد الشعبي إنجازات هامة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وذلك لإعادة الاعتبار إلى سياسات أمريكا وعملائها وأتباعها.
رأيك في الموضوع