الوضع الأمني المتدهور بشكل متسارع بين باكستان وحركة طالبان الباكستانية يدق ناقوس الخطر في إسلام أباد، ففي عام 2024 وحده خسرت باكستان حوالي 685 من أفراد الأمن و915 مدنياً بسبب هجمات الحركة، كما أن الخسائر التي تكبدها جيش باكستان هي تتويج لهدنة هشة أبرمت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، والتي تلوم حركة طالبان باكستان على خرقها ثم توجيه العمليات العسكرية ضد مقاتليها وغيرهم من المسلحين المتحالفين معها. ومما أثار استياء باكستان، تردد حكومة طالبان الأفغانية في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الملاذات الآمنة لحركة طالبان الباكستانية في أفغانستان.
وينبع تردد حكومة طالبان من عوامل عدة أدت إلى توتر العلاقات مع باكستان، فمنذ الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، أصبح الأفغان لا يثقون بباكستان بسبب تدخلها الجامح في السياسة الداخلية للبلاد، كما أن الدعم الباكستاني الصريح للمجاهدين الأفغان المختلفين في تسعينات القرن الماضي، يليه استيلاء طالبان السريع على البلاد تحت رعاية المخابرات الباكستانية، ثم عقود من الخيانة حيث واصلت إسلام أباد انضمامها لحرب أمريكا على الإرهاب بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، كل هذا ترك انطباعاً سلبياً بين الأفغان حول الدوافع المزدوجة لباكستان تجاه بلدهم.
وتتفاقم مثل هذه المواقف السلبية بسبب تحصين باكستان لحدودها مع أفغانستان والمعروفة باسم خط دوراند، حيث يعتبر الأفغان هذا الخط افتراضياً، وإعادة تنصيب المخابرات الباكستانية لحكومة طالبان عام 2021، والعديد من الغارات العسكرية الباكستانية في أفغانستان، والتي غالباً ما تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين. وإذا لم يكن هذا سيئاً بما فيه الكفاية، فإن السلطات الباكستانية تمنع في كثير من الأحيان الشحن من أفغانستان غير الساحلية إلى ميناء كراتشي، وبالتالي إلحاق الضرر بالاقتصاد الأفغاني الهش والتسبب في صعوبات بين سكانها. ومع ذلك، فإن الإعادة القسرية لأكثر من 500 ألف لاجئ أفغاني من أصل 1.73 مليون لاجئ أفغاني في عام 2023 أدت إلى تدهور العلاقات بين الجارتين، ومنع هذا الاستياء العميق لدى أهل أفغانستان تجاه باكستان، حركة طالبان الأفغانية من الوفاء بتعهداتها المتكررة باحتواء حركة طالبان الباكستانية.
كما أجبر سلوك باكستان حكومة طالبان على البحث عن فرص وعلاقات جديدة مع دول أخرى، ففي آذار/مارس 2023، تعهدت حكومة طالبان بتقديم 35 مليون دولار لميناء تشابهار الاستراتيجي في إيران لتقليل اعتمادها على طريق العبور إلى موانئ كراتشي وجوادر. بالإضافة إلى ذلك، وقبل أيام قليلة فقط، التقى القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي بوزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري وناقشا من بين أمور أخرى أهمية التجارة بين البلدين عبر ميناء تشابهار. ولخص متقي الاجتماع بعبارات متوهجة "تهدف الإمارة الإسلامية إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الهند كشريك إقليمي واقتصادي مهم". وبالمثل، سعت حكومة طالبان إلى إقامة علاقات مع روسيا ودول آسيا الوسطى والصين، ولا ترى هذه الدول أي ضرر في التعامل معها، لكنها توقفت عن الاعتراف الرسمي بها.
ومن منظور جيوستراتيجي، استغلت أمريكا المشاعر الملتهبة على جانبي الحدود لتأمين أهداف سياستها الخارجية، فقد تركت وراءها معداتها العسكرية عمداً، حتى تتمكن طالبان من استخدامها لتعزيز قوة الحركات الانفصالية، إما المختبئة في أفغانستان أو العاملة بالقرب من حدودها، وقد قدّمت طالبان الأفغانية أسلحة لحركة طالبان الباكستانية وباعت معدات عسكرية أمريكية لحركات قومية بلوشية تشن صراعاً منخفض الكثافة ضد الجيش الباكستاني في بلوشستان. ونتيجة لذلك، انشغلت باكستان على حدودها الغربية وتكافح لتوفير الأمن للعمال الصينيين العاملين في مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. ومن مصلحة أمريكا والهند أن تضعف باكستان وفشل مشروع الممر الاقتصادي، وأن تعجز بكين عن استخدام جوادر لنقل البضائع إلى كاشغر، وهي مدينة تقع في منطقة شينجيانغ غرب الصين.
وعلاوة على ذلك، كانت جماعة جيش العدل الانفصالية البلوشية الإيرانية المتمركزة في باكستان تنفذ عمليات عسكرية داخل إيران، ويتلخص هدف الحركات القومية البلوشية في إيران وباكستان في إنشاء وطن منفصل للعرق البلوشي. ويتزامن ارتفاع عمليات حركة طالبان الباكستانية وكذلك الهجمات القومية البلوشية مع الرئاسة الثانية لترامب. فقد سجل ترامب ممارسة ضغوط هائلة على طهران للتخلي عن مشروع الهلال الشيعي، والحركة القومية البلوشية الإيرانية هي ورقة أخرى يمكنه استخدامها لإرغام إيران الضعيفة على إبرام صفقة معه. وعلى نحو مماثل، تستغل أمريكا حركة طالبان الباكستانية والحركات الانفصالية البلوشية في باكستان لقتل مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، بينما يسعى ترامب إلى مواجهة صعود الصين.
هذه هي حقيقة البلاد الإسلامية، حيث تستخدم القوى الأجنبية دول الضرار القائمة فيها، وتتلاعب بالحركات الإسلامية غير الواعية لقطع الطريق على المشروع الإسلامي. إن محاولات المسلمين هذه لتقسيم البلاد إلى أجزاء صغيرة لصالحهم الشخصي، توضح أيضاً مدى القوة الهائلة التي تتمتع بها بلادنا إذا ما وضعت قيادتها تحت قيادة واحدة، الخليفة الراشد الذي سيعيد للأمة عزتها وكرامتها ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾.
بقلم: عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع