أدانت وزارة الخارجية الأردنية، ورئاسة السلطة الفلسطينية، قيام حسابات رسمية تابعة لكيان يهود بنشر خرائط للمنطقة تشمل أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن الأردن ولبنان وسوريا، وتزعم أنها (تاريخية لإسرائيل)، وندد الجانبان بالدعوات لضم الضفة الغربية وإقامة مستوطنات بغزة.
ثم تلتهما وزارة الخارجية السعودية فعبرت عن رفضها ما وصفته بـ(المزاعم الإسرائيلية)، ودعت (المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره في وقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد دول المنطقة وشعوبها، والتأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول وحدودها، للحد من تفاقم أزمات المنطقة، وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل وشامل)، ووزارة الخارجية الإماراتية التي أكدت على (رفض دولة الإمارات القاطع لجميع الممارسات الاستفزازية التي تستهدف تغيير الوضع القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة) وشدّدت على ضرورة (وضع حد للممارسات غير الشرعية التي تهدد حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة). أما الجامعة العربية فقد أدانت أيضا نشر الخرائط وحذرت مما أسمته بالتطرف والتطرف المقابل.
وهذه الخطوة والردود عليها تستحق أن نقف عليها من زوايا ثلاث؛ أما الزاوية الأولى فهي دلالاتها ومدى جدية كيان يهود فيها، فلم يعد خافيا على أحد أن قادة يهود الحاليين قد انبعثت فيهم أحلامهم التوراتية من جديد وانتعشت لديهم مخططاتهم التوسعية في المنطقة، وذلك يرجع إلى أمرين؛ حرب غزة والظروف التي تسببت بها والحالة السياسية الجديدة التي شكلتها، وإعادة انتخاب ترامب ووعوده التي أطلقها ليهود إبان حملته الانتخابية، ومن ثم حديثه عن رؤيته لحل الصراع بعد فوزه مباشرة.
فوقوع عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومن ثم أجواء الحرب والصمود الذي أبداه أهل غزة في وجه آلة إجرام يهود والتحالف الدولي بزعامة أمريكا، قد شكل صدمة لدى قادة يهود وجعلهم يشككون في قدرتهم على العيش بأمن وأمان في المنطقة وفق الحدود الحالية، وباتوا يرون أن بقاء كيانهم في وسط البلاد الإسلامية التي تغلي مرهون بقدرتهم على تغيير حدود كيانهم والتوسع بها نحو ما يجعل كيانهم ذا بعد جغرافي ينقل قدراتهم الدفاعية نقلة نوعية. لذلك بات قادة يهود واليمين واليمين المتطرف جديين في السعي لتحقيق هذه المخططات التي تتوافق مع أحلامهم التوراتية بالمملكة المزعومة، فالمسألة عندهم ليست مجرد تهديد أو أحلام تراودهم في المنامات، بل صارت طموحا وهدفا يسعون إلى تحقيقه.
والذي عزز لديهم الشعور بالقدرة على تحقيق هذه الطموحات والمخططات، هو إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا لأمريكا للسنوات الأربع القادمة، فلهم مع ترامب تجربة سابقة، وهو قد ذكرهم بما قدمه لهم في فترة رئاسته الأولى ليثبت لهم جديته وقدرته على اتخاذ خطوات جريئة في المنطقة، فقد سبق واعترف بسيادة يهود على الجولان المحتل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بها عاصمة أبدية لكيانهم، ودعا إلى صفقة القرن والتطبيع مع البلاد الإسلامية وبدأ به، ثم زاد على ذلك بأن ألمح إبان حملته الانتخابية إلى إمكانية السماح ليهود بتوسيع كيانهم، حيث قال في 15 آب/أغسطس 2024، خلال لقائه مع مجموعات يهودية شكّلت تحالفاً لدعمه في الانتخابات الرئاسية "عندما تنظرون إلى خريطة الشرق الأوسط، تجدون أن (إسرائيل) بقعة صغيرة جداً مقارنة بهذه الكتلة العملاقة من اليابسة المحيطة بها. لذلك تساءلتُ: هل ثمّة طريقة للحصول على مزيد من المساحة؟".
ثم لما تم انتخابه عاد وعزز الدعم وعبر عن عدم تمسكه بحل الدولتين للصراع، وإنما لديه صفقة تؤدي إلى السلام بغض النظر عن شكل الحل.
والخلاصة أن قادة يهود جديون في سعيهم إلى التوسع في المنطقة وتحقيق أحلامهم التوراتية، وهم ينتظرون الظروف المواتية التي قد تخلقها عودة ترامب للحكم، ويحاولون من جهتهم التعجيل في خلق تلك الظروف المواتية.
أما الزاوية الثانية للحدث، فهي ردود فعل حكامنا على الحادثة وموقفهم المخزي، فقد بدا واضحا أن ردة فعل حكام الأردن والسعودية والإمارات والسلطة الفلسطينية والجامعة العربية هي ردود هزيلة مخزية عكست مخاوفهم على عروشهم وكراسيهم وليس الخوف أو الحرص على فلسطين وحقوق المسلمين.
فقد تركزت تنديداتهم واستنكاراتهم على الخوف من تغيير خارطة المنطقة والوضع القائم وسيادة الدول، أي الخشية من أن تصل أيدي يهود إلى ممالكهم وكراسيهم فتطيح بها، فما أقلقهم هو الخوف على أنفسهم وعروشهم المهترئة، وليس الخوف على فلسطين أو بلاد المسلمين الأخرى.
وقد زادوا سوءاتهم سوأة أخرى حينما طالبوا بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية الهزيلة ردا على تلك المخططات، أي دعوا إلى تعزيز حالة التفريط والخيانة بدلا من التنكر للاتفاقيات الخيانية والرجوع عنها، وهم دعوا كالعادة النظام الدولي لوضع حد لغطرسة يهود وأحلامهم التوسعية، بدلا من أن يحركوا جيوش الأمة وقواتها القادرة على وضع حد لغطرسة يهود وخلع الكيان من جذوره من الأرض المباركة فلسطين.
أما الزاوية الثالثة للحدث، فهي ما عبر عنه أولئك الحكام العملاء، وهو ما أسموه بمشاعر التطرف والتطرف المقابل في المنطقة، فحكام المسلمين يدركون أن الأمة الإسلامية أمة حية وهي تزداد غليانا يوما بعد يوم وتكاد تخرج عن سيطرة الحكام، وهم يعلمون أن أمريكا ويهود يخشون حصول ذلك لأن فيه نهاية الاستعمار، ولذلك يخوفونهم ويحذرونهم من أية خطوات قد تشعل المنطقة، وهذا يكشف عن مدى سخونة الأجواء في المنطقة واحتمال خروجها عن السيطرة في أية لحظة، وأن غضب الأمة وغليانها أشبه بالنار المتقدة تحت الرماد التي لا تحتاج سوى هبوب رياح تكشف عنها وتخرجها إلى السطح.
إن الأمة الإسلامية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تعجل بما يخشاه الحكام والغرب ويهود، فتحيل مخاوفهم إلى حقيقة ماثلة، فما من سبيل للتصدي ليهود ولأمريكا ولمخططاتهم الاستعمارية إلا بخلع الحكام العملاء عن عروشهم، وتنصيب خليفة راشد، يوحد الأمة ويحرر فلسطين وكامل بلاد المسلمين المحتلة، وبغير ذلك فسيواصل يهود ومن خلفهم أمريكا توسعهم وإفسادهم وطغيانهم وغطرستهم.
* عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع