كانت هدنة الفوعة التي عقدتها بعض الفصائل مع النظام الإيراني بمثابة بداية مرحلة جديدة لزج القوى الدولية ضد ثورة الشام، حيث انتقلت أمريكا من عميلها المحلي طاغية الشام؛ الذي أطلقت يده لقتل أهل الشام ومحاولة إخضاعهم، إلى عملائها الإقليميين وخاصة إيران؛ لمساندة هذا السفاح الذي أخذ بالسقوط أمام صمود أهل الشام وانتصاراتهم، ثم إلى حلفائها الدوليين عن طريق تحالفها الصليبي ضد ثورة الشام، ثم مؤخراً الزج بروسيا في حرب بالوكالة عنها، فجاء التدخل الروسي لإنعاش هذا النظام المجرم؛ الذي فشلت كل المحاولات لإبقائه حياً ريثما يجهز البديل، ففعلت روسيا ما لم تستطع أن تفعله أمريكا؛ وتعاملت مع أهل الشام كما يتعامل النظام المجرم، حيث أخذت تستهدف الجميع مدنيين وعسكريين؛ متطرفين ومعتدلين؛ حسب وصفها للتطرف والاعتدال، مما وضع ثورة الشام أمام مرحلة جديدة في معركتها ضد النظام الدولي؛ للتحرر منه، ودفع بأهل الشام للمطالبة بتوحد الفصائل حسب متطلبات هذه المرحلة، ودفع ببعض الفصائل للاندماج والتوحد ضمن مجموعات أكبر منها، وهذا متوقع؛ لأنه طبيعي في مثل هذه الأحداث؛ وغريزي عند البشر، فالغرب بقيادة أمريكا يهدف من زيادة الضغط على أهل الشام؛ إلى إيجاد ظروف مناسبة تدفع بأهل الشام للقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، فالهدف واحد وإن تعددت الأساليب والأدوات، فما فشلت به أمريكا عن طريق عملائها؛ تسعى لإنجاحه عن طريق حلفائها، وفي الوقت نفسه؛ يعلم الغرب أن زيادة الضغط على المسلمين في أرض الشام سيدفع بالفصائل للتوحد ضمن مجموعات كبيرة؛ إن لم نقل ضمن كيان واحد، وهذا ما يجعل الثورة على مفترق طرق خطير تبعاً لطبيعة هذا التوحد وأهدافه، فإن كان هذا التوحد خالياً من مشروع سياسي واضح يرضي الله سبحانه وتعالى؛ فسيستغله الغرب لخدمة مشروعه السياسي؛ بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى، وهذا ما نراه يطبق على أرض الشام وعلى محورين. محور التدخل الروسي وما نتج عنه من مجازر وتقوية للنظام المجرم السفاح؛ والذي سيشكل ضغطاً كبيراً على الفصائل، والمحور الآخر ما يقوم به تنظيم الدولة من أعمال ضد الفصائل في الشمال السوري وغيرها من المناطق؛ وما نتج عنه من أخذ مناطق جديدة كانت بأيدي الفصائل، وهذا سيشكل ضغطا آخر يجعل الفصائل تقع بين فكي كماشة، روسيا وحلفائها من طرف، وتنظيم الدولة من طرف آخر. وهذا سيدفع الفصائل للارتماء أكثر في أحضان الداعمين عملاء الغرب، الذين في المقابل يقفون متفرجين على الدماء التي تسيل على أرض الشام المباركة، دون أن يحركوا جيوشهم لإنقاذهم؛ ويكتفون بالتلويح بتزويد بعض الفصائل (المعتدلة) بالسلاح النوعي وذلك لاستدراجهم للغرق أكثر في مستنقعهم؛ واستدراج من يعتبرونهم (متطرفين للتخلي عن تطرفهم)، ويكون ذلك بالقبول بالحل السياسي الأمريكي؛ والذي يمهد لتمكين المشروع الأمريكي لمستقبل سوريا؛ بعد تبنيه والتوحد عليه؛ دولة مدنية ديمقراطية تفصل الإسلام عن الحياة؛ وعن الدولة والمجتمع. وبهذا يكون التوحد الأعمى قد مكن لمشروع الغرب؛ وقضى على تضحيات أهل الشام. لذلك وجب علينا التوحد الواعي على قضايا الأمة الإسلامية، التوحد المبصر لحقيقة عداء الغرب ومكره، وذلك بالتوحد حول مشروع سياسي واضح يرضي الله سبحانه وتعالى، مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فالله سبحانه وتعالى لم يطلب منا مجرد التوحد؛ وإنما طلب منا التوحد حول شرع الله؛ وعدم التفريط به، والذي لا يطبق بغير الخلافة الراشدة الثانية التي بشر بها رسول الله r. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. فحبل الله هو محور التوحد؛ وحبل الله هو سبب النصر، وبسبب المطالبة بشرع الله حاربنا العالم أجمع؛ واجتمعت علينا الأحزاب، وبناء على هذا ستشهد المنطقة تصعيداً كبيراً؛ وضغوطات كبيرة والله تعالى أعلم، وسيحاول النظام المجرم بمساندة أسياده؛ أن يكسب بعض المناطق الاستراتيجية؛ ليزيد الضغط على أهل الشام ويكسر إرادتهم، وليوجد المبرر لبعض ضعاف النفوس؛ للجلوس على طاولة المفاوضات، وبهذا تكون الحملة الشرسة ضد أهل الشام قد آتت أكلها؛ ووضع القطار على سكة الحل السياسي؛ الذي سيصل إلى محطته الأخيرة باستبدال عميل بعميل آخر، ويمكن للمشروع الغربي؛ الذي لا يستند إلى عقيدتنا؛ ولا يستند إلى وجهة نظرنا في الحياة؛ ولا يستند إلا إلى مصالح الغرب وعملائه.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع