شهدت البورصات العالمية تراجعا حادا يوم الاثنين 24/8/2015، متأثرة بهبوط الأسهم الصينية بنسبة تسعة في المئة وتراجع البيع في أسواق النفط.وكان الاثنين هو اليوم الأسوأ للبورصات الأمريكية منذ 2011، إذ تراجع مؤشر داو جونز بـ3.8 في المئة، فيما تراجع مؤشر S&P 500 بـ3.9 في المئة، وناسداك بـ3.8 في المئة.وانخفض مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى بحوالي خمسة في المئة، ليفقد نحو 450 مليار يورو من قيمته السوقية في أسوأ أداء يومي له منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2008.وهبط مؤشر إم.إس.سي.آي الأوسع نطاقا لأسهم منطقة آسيا والمحيط الهادي خارج اليابان بـ5.1 في المئة مسجلا أدنى مستوياته في ثلاث سنوات. وأغلق مؤشر نيكي 225 للأسهم اليابانية منخفضا 4.6 في المئة بينما سجلت الأسهم الأسترالية والإندونيسية أدنى مستوياتها في عامين.وشكل هبوط الأسهم الصينية يوم الاثنين بنحو تسعة في المئة أسوأ أداء لها منذ ذروة الأزمة المالية العالمية في 2009 ليصل مجموع خسائر السوق الصيني للأسهم حوالي 42% منذ حزيران/2015.
وجدير بالذكر أن الصين كانت قد خفضت عملتها اليوان حوالي 4.8% منذ بداية شهر آب 2015ما دفع المراقبين لربط الانهيار في سوق الأسهم بخفض قيمة العملة. علما بأن انخفاض الأسهم كان قد بدأ في شهر حزيران، وأن انهيار الاثنين الأسود جاء بعد أسبوعين من تخفيض قيمة العملة. والأهم من ذلك أن أكثر من 80% من المستثمرين في سوق شنغهاي الصيني هم من الأفراد الصينيين وليس المؤسسات المالية الكبيرة، وهؤلاء يتأثرون بقرارات الحكومة أكثر من أي شيء. وكانت حكومة الصين قد وعدت بإجراءات احترازية لتفادي انخفاض أسعار الأسهم إلا أنها تراجعت عن ذلك وتركت السوق يتهاوى أمام المستثمرين. وكانت الحكومة قد اعتادت أن تقدم قروضا سخية للأفراد لاستخدامها في شراء الأسهم منعا لتهاوي السوق. إلا أنها هذه المرة تركت السوق يتهاوى ثم عادت في اليوم التالي (الثلاثاء) وخفضت أسعار الفائدة لزيادة معدلات الاقتراض ورفد سوق الأسهم بالاستثمارات اللازمة.
كل ذلك يدل على أن انهيار سوق الأسهم الصينية كان على علم وبصيرة من الحكومة. وقد صرح وزير المالية الصيني بأن تهاوي أسعار الأسهم هو عبارة عن إعادة تنظيم لهيكلة السوق المالي. فإذا كانت حكومة الصين قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انهيار السوق وخسارة حوالي ترليون دولار (وهمي) فما هي الغاية من ذلك؟
إن الذي يغلب على الظن أن الصين يتوجب عليها القيام بإصلاحات مالية مهمة من أجل قبول عملتها اليوان ضمن سلة عملات صندوق النقد الدولي والتي تضم الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين، ولا تزال الصين تحاول الضغط منذ فترة للانضمام إلى سلة العملات إلا أنها تواجه صعوبات في هذا المجال ولا بد لها من إجراء إصلاحات مالية واقتصادية لقبولها. ومن أهم الإصلاحات في السوق المالي الصيني هو أن يصبح خاضعا لقوانين السوق كما هو الحال في الغرب وتقليل التدخل الحكومي في إجراءات السوق، وفسح مجال أكبر للمؤسسات المالية العالمية للاستثمار في سوق المال الصيني.
مهما كانت الأسباب أو التفسيرات لتهاوي سوق الأسهم، فإن الحقيقة تبقى أن سوق الأسهم المالي ليس إلا سوقا لأموال وهمية تنمو وتتقلص بناء على الثقة أو الدعاية أو المضاربة، وليس بناء على قوة الاقتصاد أو ضعفه. وغني عن القول أن اقتصاد الصين يعتبر من أقوى اقتصاديات العالم، وأن الصين حين أقدمت على تخفيض عملتها إنما فعلت ذلك لزيادة صادراتها وجلب المزيد من العملات الصعبة لها. ومع ذلك فقد انهار السوق المالي بغض النظر عن التوجه في الاقتصاد الحقيقي ولمجرد إحجام الحكومة ولو مؤقتا عن دعم السوق المالي. أي أن السوق المالي يتصرف بشكل مستقل تماما عما يجري في السوق التجاري المعتمد على الإنتاج والتسويق. فلا غرابة أن يتبخر ما مجموعه ترليون دولار من الأسواق المالية في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد بمعدل 7%!!
ونظام الأسهم المالي هو جزء أساسي من النظام الرأسمالي الذي يناقض أحكام النظام الاقتصادي الإسلامي. فسوق الأسهم المالي يمكن من نماء المال من دون حاجة للإنتاج، ما يؤدي إلى ظهور نوعين من الاقتصاد في البلد الواحد: حقيقي قائم على الإنتاج، ووهمي قائم على خفض أو رفع أسعار الأسهم باستخدام وسائل مختلفة كالدعاية والدعاية المضادة والمضاربة وغيرها. إضافة إلى أن الأسهم هي شكل من أشكال الشركة التي لا تنعقد شرعا، إذ هي عمل من قبيل الإرادة المنفردة، التي تتم من طرف واحد فقط وهو طرف الشخص الذي يقوم بشراء السهم، أي يقوم بالانضمام إلى شركة معينة بمقدار سهمه المالي دون أن يكون هناك أي نوع من الإيجاب والقبول الذي هو أساس العقد الشرعي. فالمساهم بمجرد شرائه للسهم من السوق المالي يصبح شريكا لباقي الشركاء دون أن يكون لهم أي رأي أو إيجاب أو قبول أو رفض للمساهم الجديد. وبالتالي فإن المساهمة وشراء الأسهم والشركات المساهمة كلها عمليات باطلة لا تصح من قبل المسلم بحال من الأحوال. وغني عن القول أن نظام الأسهم والأسواق المالية قد جلبت الدمار على ملايين الناس بل وعملت على انهيار اقتصاديات دول بأكملها كما حصل مع نمور آسيا وغيرها. كل ذلك بالإضافة إلى غضب الله عز وجل، ما يعني أن نظام الأسهم المالي ما هو إلا خزي في الحياة الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة.
رأيك في الموضوع