في يوم الجمعة 28 آب/أغسطس هزت وسائل الإعلام العالمية فاجعتان منفصلتان تعرّض لهما اللاجئون. فقد تم العثور على 71 جثة متحللة في شاحنة مهجورة في النمسا، وفي البحر الأبيض المتوسط، على بعد ألفي ميل من الفاجعة الأولى، ذكرت التقارير غرق ما لا يقل عن 117 لاجئا مغادرا من ليبيا. رجال ونساء وأطفال، كانوا يحلمون بالوصول سالمين إلى أوروبا فرارا من الرعب والحرمان والاضطهاد الذي يتعرضون له في بلادهم، لقد أصبحوا اليوم جزءا من 2500 شخص لقوا حتفهم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا هذا العام. وفي مواجهة هذه الأزمة الإنسانية المستمرة، ماذا سيقول القادة الأوروبيون، وكيف سيكون ردهم السياسي؟
من المقرر أن يعقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اجتماعا في 30 من أيلول/سبتمبر لمناقشة الأزمة. وقد وصف حوادث الموت الأخيرة بأنها "مأساة إنسانية تتطلب استجابة سياسية جماعية حازمة". وحث الدول "في أوروبا وأماكن أخرى بأن يثبتوا مدى تعاطفهم الحقيقي وأن يبذلوا مزيدا من الجهد لوضع حد لهذه المأساة" وتسلط هذه التعليقات الضوء على إخفاق الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى اتفاق على فعل موحد. واعترافا بهذه الإخفاقات ناشد "جميع الحكومات المعنية بضرورة صدور ردود فعل شاملة وتوسيعا لقنوات آمنة وقانونية للهجرة وأن يكون التعامل مع الأزمة بإنسانية ورحمة وفقا للمعايير والالتزامات الدولية".
وقد كان من المقرر عقد اجتماع لمفوضي الاتحاد الأوروبي الـ 28 الأسبوع المقبل، قبل أن يعلن عن الوفيات الحديثة هذه، وكان من المفروض أن يستضيفه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، لمناقشة "أجندة الهجرة" على المدى الطويل. ومع ذلك، فقد رفضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام مقترحا للجنة بإقامة نظام الحصص لتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي، وحتى الآن فلا يوجد أي اتفاق على مسألة إلزام الدول الأعضاء بقبول ما يعتبرونه "عبء اللاجئين". وقال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، "نحن لا نتعامل مع فشل الاتحاد الأوروبي، وإنما مع فشل صارخ لبعض الحكومات التي لا تريد تحمل المسؤولية، وبالتالي تعيق التوصل لحل أوروبي مشترك.. يجب على حكومات بعض الدول الأعضاء أن ترفع الحصار وتنهي هذه اللعبة الرخيصة". وقد أدت هذه اللعبة الأوروبية إلى ما وصفه شولتز بـ"أن يصبح البحر الأبيض المتوسط مقبرة جماعية، وغصت الحدود بمشاهد مروعة، مع تبادل للوم، وهؤلاء الذين هم في أمس الحاجة إلينا ويطلبون حمايتنا يتركون دون أية مساعدة".
وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني أولئك الذين يسعون بيأس لإيجاد فرصة جديدة للحياة بـ "سرب من الناس القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة أفضل". وهذا وصف لا إنساني فكلمة سرب التي استخدمها تستعمل عادة لوصف الحشرات كالجراد مثلا الذي يجتمع بأعداد كبيرة ويسبب الدمار. واستخدام عبارات معينة أمر مهم جدا؛ فوصف هؤلاء الناس يحدد الطريقة التي ستتعامل معهم بها. وتقدر الأمم المتحدة بأن 3000 ممن يسمون بـ "المهاجرين" سيفرون كل يوم من الحرب الدائرة في سوريا والعراق وأفغانستان إلى أوروبا في الأشهر القادمة بحثا عن الأمن والأمان. إن مصطلح "مهاجرين" أخف وطأة من "سرب" إلا أنه لا يزال يحمل معنى الموت في طياته، فلا توجد حتى الآن التزامات دولية لمساعدة أو قبول "المهاجرين"، في حين أن "اللاجئين" و"طالبي اللجوء" محميون بموجب الاتفاقات الدولية. وقد اضطر هؤلاء إلى الفرار نتيجة لسياسات سنها قادة أوروبيون تريد تحديد مصير الدول التي كانوا يعيشون فيها سابقا، لكن أحدا لا يريد دفع ثمن ذلك.
هذا الصيف، حاول أكثر اللاجئين دخول أوروبا عبر صربيا والمجر، لكن المجر الواقعة على الحدود الشرقية لأوروبا بدأت حاليا ببناء جدار محصن ضخم حماية لأوروبا من التعرض لهذه المشكلة. يُعامل اللاجئون اليائسون كما لو أنهم حشود همجية، في حين تعقد المؤتمرات بين فترة وأخرى في أوروبا الغربية. والمشكلة بالنسبة لأوروبا هي أن هؤلاء اللاجئين في جُلَّهم من المسلمين، في وقت أُصيبت فيه أوروبا بالجنون من ارتفاع نسبة المسلمين الذين يقطنون أراضيها حاليا. ووصف وزير الداخلية السلوفاكي المشكلة بما يلي: "نحن نريد أن نساعد أوروبا فيما يتعلق بمسألة الهجرة. نستطيع استقبال 800 مسلم لكن لا وجود لأي مسجد في سلوفاكيا ولذا فكيف سيندمج المسلمون في هذه البلاد وهي لا تعجبهم؟"!!
إنه لمما يدمي القلب أن ينقلب حال المسلمين... فبعد أن كانوا يعيشون آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم في ظل دولة الخلافة، يفر إلى دولتهم للعيش في ظلها كل من رام الحياة الهانئة الكريمة.. صاروا اليوم، بوجود حكام عملاء للدول الغربية يفرون من بلادهم إلى تلك الدول المسؤولة عن كل ما يجري في بلادهم من مآسي، ليكونوا لاجئين في تلك البلاد..
رأيك في الموضوع