إن الأزمة حقيقية، وإن كارثة لا يمكن تصورها قريبة، وهي ليست بعيدة عن أمريكا، ما لم يتوصل الكونجرس إلى حل بسرعة. فبحسب وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين فإنه في غضون أسابيع و"بمجرد استنفاد جميع التدابير المتاحة والنقد المتاح بالكامل، لن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الوفاء بالتزاماتها للمرة الأولى في تاريخنا". ويتعين على أمريكا أن تدفع لموظفيها وأن تمول إنفاقها، بما في ذلك دفع الربا على ديونها الضخمة. فقد ظل الدين الوطني ينمو بوتيرة أسرع من الناتج المحلي الإجمالي لعقود من الزمان، وهو الآن أكبر بنسبة 133٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يخيف المؤسسة السياسية في أمريكا. لقد بلغ الدين الأمريكي الآن 28 تريليون دولار، ولا أحد يعرف إلى متى تستطيع أمريكا الاستمرار في زيادة ديونها. بيد أن الأزمة المباشرة التي تواجه الكونجرس الآن نجمت عن الطريقة التي تتعامل بها أمريكا مع الميزانية والاقتراض بدلا من حجم الدين نفسه.
هناك سقف للديون يفرضه الكونجرس، وهو ما يحد من حجم الأموال التي تستطيع الدولة اقتراضها كل عام. وقد بلغت أمريكا هذا الحد في الأول من آب/أغسطس، ولكنها تدفع التزاماتها المالية باستخدام ما يسمى "تدابير الطوارئ". هناك مناورات محاسبية تشمل وقف المدفوعات إلى صناديق المعاشات التقاعدية الحكومية. ومع ذلك، فإن تدابير الطوارئ هذه لا تؤدي إلا إلى تأخير "تقصير" الحكومة، فقد أبلغ وزير الخزانة مجلس النواب الأمريكي في الثامن من أيلول/سبتمبر أن الأموال سوف تنفد من أمريكا في الشهر المقبل، وهذا يعني أنها ستتوقف عن دفع الرواتب، كما حدث لمدة 35 يوما بين نهاية عام 2018 وبداية عام 2019. ومع ذلك، فإن الوضع الآن أسوأ من ذلك، حيث إن أمريكا لن تكون قادرة على سداد ديونها. وقد حدث التهديد بذلك مرات عدة من قبل وكان الحل هو أن يوافق الكونجرس على رفع سقف الديون مما يسمح للحكومة بالاستمرار في الإنفاق والاقتراض حتى يتم الوصول إلى السقف الجديد.
ولا تزال العواقب الطويلة الأجل لهذا الدين المتزايد قائمة، ولكنها تخلق أزمات كلما واجه الكونجرس صعوبة في التوصل إلى اتفاق. فقبل عشر سنوات رفض الجمهوريون الموافقة على رفع سقف الديون ما لم يوافق الرئيس أوباما على مطالب الجمهوريين. وأخيرا، وبعد يومين فقط من تقدير وزارة الخزانة أن أمريكا سوف تستنفد السيولة النقدية، تم رفع سقف الديون. وتسبب ذلك في اضطرابات حادة في الأسواق المالية، وخفضت ستاندرد آند بورز، وهي واحدة من وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، التصنيف الائتماني لأمريكا مما جعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة بالنسبة لها. وفي العام الماضي بلغت نفقات الربا في أمريكا 345 مليار دولار، وإذا تم رفع أسعار الربا فإن المدفوعات سوف تكون أكبر بكثير في السنوات التالية. وفي عام 2011، رفع سقف الدين إلى 16.394 تريليون دولار، ورفع مرات أكثر منذ ذلك الحين، مع حدوث اضطراب كبير في عام 2013 حيث عُلق حد الدين مؤقتا. والآن، في عام 2021، هناك نزاع خطير في الكونجرس حول الإنفاق الحكومي، ويعارض الجمهوريون والديمقراطيون بعضهم بعضا، ويستخدمون سقف الديون لتهديد بعضهم بعضاً بما يلي: أي حزب سوف يتحمل المسؤولية عن وضع أمريكا على حافة الكارثة ومن الذي سيتراجع أولا؟ وتعهد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في تموز/يوليو بأن الجمهوريين لن يصوتوا على رفع سقف الديون، أما زعيم الأغلبية تشارلز شومر فقد هاجم الجمهوريين يوم الأربعاء قائلا إن معارضتهم لرفع سقف الديون ستكون "عملا مروعا" و"حقيرا". ودفعت يلين وزيرة الخزانة الكونجرس إلى التوصل إلى حل وسط قائلة: "سيكون من غير المسؤول بشكل خاص تعريض ثقة الولايات المتحدة ورصيدها الكاملين للخطر".
الاقتصادات في العالم متوترة بالفعل بسبب وباء الفيروس التاجي، وفي حال انهيار سوق الأوراق المالية في أمريكا وانهيار قيمة الدولار فجأة مع فقدان الثقة في قدرة أمريكا أو استعدادها لتسديد ديونها فسوف تؤثر النتائج في جميع أنحاء العالم.
وقد حذرت اثنتان من وكالات الائتمان الرئيسية من أن العواقب الرهيبة بالانتظار. حيث قال كبير الاقتصاديين في وكالة موديز للتحليلات، مارك زاندي: "سيكون هرمجدون المالية. إنه جنون تام أن نفكر حتى في فكرة عدم سداد ديوننا في الوقت المحدد". وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لجي بي مورجان تشيس، إن التخلف الفعلي عن السداد "يمكن أن يسبب كارثة فورية متتالية ذات أبعاد لا تصدق ويلحق الضرر بأمريكا لمدة 100 عام".
رأيك في الموضوع