تساءلت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها يوم السبت 9 تموز/يوليو تعليقا على عملية دالاس: متى يتوقف القتل في أمريكا؟ وقالت إن مقاطع فيديو لمقتل شخصين أمريكيين من أصول أفريقية توثق لما بات يعرف وكأنه قتل عادي من جانب الشرطة، وأشارت إلى أن الرعايا السود يتعرضون للقتل والعنف على أيدي الشرطة.
وأضافت الصحيفة أن هذا الواقع الأليم أصبح قضية وطنية مع مقتل المراهق الأسود غير المسلح، مايكل براون عام 2014، وذلك في مواجهة مع ضابط شرطة أبيض في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري، مما أسفر عن حدوث اضطرابات عنصرية، ثم استمر إطلاق النار من جانب الشرطة على الأمريكيين السود. وتعد حادثة قتل الرجل الأسود في ولاية مينيسوتا الأربعاء الماضي الحادثة رقم 123 التي يقتل فيها رجل أسود على يد الشرطة هذا العام.
كما نشرت نيويورك تايمز مقالا للكاتب مايكل دايسون تحدث فيه عن مقتل رجلين أسودين، ما أسفر عن احتجاجات حصلت فيها عمليات قنص قاتلة ضد الشرطة. وقال دايسون إن الأمريكيين من أصول أفريقية يشكلون قرابة أربعين مليونا من أصل أكثر من 320 مليون أمريكي.
الحكاية بدأت في الخامس من تموز/يوليو 2016 بعدما أظهر تسجيل في لويزيانا شرطيا يطلق خمس رصاصات على رجل أمريكي من ذوي البشرة السوداء يدعى ألتون سترلينغ فقتله، رغم أن الرجل كان مطروحا أرضا.
بالتزامن مع ذلك، أظهر شريط آخر - وهذه المرة بمدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا - شرطيا وقد أطلق النار على رجل آخر من ذوي البشرة السوداء يدعى فيلاندو كاستيل بعد إيقاف سيارته وكانت برفقته امرأة وطفل، ونشرت صديقة الضحية التسجيل المصور عبر استخدام خاصية البث الحي عبر فيسبوك.
سبقت هاتين الحادثتين حوادث مماثلة قتل فيها أشخاص من ذوي البشرة السوداء على يد رجال شرطة بيض، وهو ما أجج غضب الناس الذين خرجوا في مظاهرات بولايات إلينوي ولويزيانا ومينيسوتا وفلوريدا وميشيغان وواشنطن وتكساس وبنسلفانيا. كما تظاهر المئات في منهاتن بـنيويورك، واعتقلت الشرطة عشرة منهم بعدما عطلوا حركة السير.
وعلى الرغم من أن المظاهرات التي كانت تضم مئات أو عشرات الأشخاص لم تكن كبيرة، لكن انتشارها الجغرافي يشير إلى تصاعد الغضب، خاصة في أوساط الأقليات.
بعد حادثي لويزيانا ومينيسوتا، وتحديدا في السابع من تموز/يوليو 2016 بمدينة دالاس بـولاية تكساس، خرج مئات الأشخاص الأمريكيين في مظاهرة احتجاجية على استمرار بعض رجال الشرطة البيض في قتل أشخاص من ذوي البشرة السوداء، لكن حدث ما لم يكن متوقعا إذ قتل خمسة من رجال شرطة وأصيب سبعة برصاص قناص اتضح لاحقا - بعد أن قتلته الشرطة بتفجيره بقنبلة عن طريق روبوت آلي - أنه ميكا إكسافيير جونسون (25 عاما) جندي احتياط سابق بالجيش الأمريكي بمرتبة 'درجة أولى خاص' أسود البشرة خدم في أفغانستان.
يقول تقرير راصد للعنصرية والتمييز في أمريكا: تبرز العنصرية بقوة عند الجيش الأمريكي، وهي نتاج للعنصرية السائدة في المجتمع، وذلك على الرغم من أن الدستور الأمريكي يمنع التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك، إلا أن العنصرية مغروسة في قلب معظم الأمريكان، إذ يفرقون تمامًا بين السود والبيض... للبيض أحياؤهم النظيفة الراقية، وللسود شوارعهم وأحياؤهم الشعبية، التي قد تكون أدنى مستوى من بعض دول العالم الثالث، للبيض مدارس، وللسود مدارس أخرى مختلفة، للبيض جامعات، وللسود جامعات أخرى مختلفة، وأكثر من 80% من نزلاء السجون في أمريكا من السود.
وندد الرئيس الأمريكي أوباما من وارسو بـ"هجمات حاقدة ومحسوبة ومقززة"، مؤكدًا أن "لا شيء يمكن أن يبررها".وسيتم تنكيس الأعلام في الولايات المتحدة حتى 12 تموز/يوليو.
وألمح أوباما إلى مبادرة للحد من البيع الحر للأسلحة الحربية، وقال "حين تكون أسلحة قوية بحوزة الناس، فهذا يجعل للأسف هذا النوع من الاعتداءات أكثر دموية ومأساوية، وسيتحتم علينا خلال الأيام المقبلة أخذ هذا الواقع بالاعتبار".
كما يعتزم الرئيس الأمريكي بحث "إجراءات سياسية تعالج الفوارق العنصرية التي لا تزال كامنة في نظامنا الجنائي".
يذكر أن الدستور الأمريكي ينص على مساواة الرعايا الأمريكيين أمام القانون بغض النظر عن الجنس واللون والدين، إلا أن الممارسات الفعلية على أرض الواقع تخالف ذلك، فالقضاة والمدعون العامون وأجهزة تنفيذ القانون غارقة في عنصريتها حتى النخاع، لدرجة أنها أصبحت معلومة ولا حاجة للتدليل عليها خاصة لدى أصحاب البشرة غير البيضاء، فالسود واللاتينيون والأعراق الأخرى غير البيضاء تعاني من الاضطهاد والعنصرية حين تطبيق القانون عليها من قبل رجال القانون.
فالعنصرية بمعنى التَّفْرقة والتمييز في المعاملة بين الناس على أساس من الجنس، أو اللَّون، أو اللغة، أو حتى المستوى المعيشي والطَّبَقي، وهي تنخر أمريكا نخراً من الداخل، وبالمناسبة هي ليست خاصة بأمريكا فقط؛ فكل الدول الرأسمالية تعاني من هذا المرض القاتل الذي يؤلب الإنسان على أخيه الإنسان، فها هي بريطانيا وبعد الاستفتاء الأخير ظهر واضحا مدى تغلغل هذا المرض فيها وألمانيا كذلك بعد موجة لاجئي سوريا.
إن القوانين والدساتير وحدها لا يمكن أن تعالج أمراض المجتمع ومنها العنصرية، فلا علاج لها إلا بالاستسلام التام لأوامر خالق البشر وباستجابة النفس البشرية لخالقها وطاعته حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ويقول أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ فالنداء هنا والخطاب لكل البشر وكل الناس ليدخلوا في دين الله ويعتنقوا عقيدة الإسلام التي تنقي النفوس وتطهرها من هذه الأمراض بعد الإيمان والإسلام، وقد أكَّد الرسول e على هذا المعنى فقد روى أبو داود في سُننه عن أبي هريرةَ رضى الله عنه قال: قال رسول الله e: «إن اللهَ عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهليَّة وفخرَها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدمُ من تراب، ليَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنما هم فَحْمٌ من فَحْم جهنَّمَ، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعْلان التي تدفع بأنفها النَّتْن».
رأيك في الموضوع