تنبع أهمية متابعة الانتخابات الأمريكية التي تجري كل أربعة أعوام من كونها تتعلق بالدولة الأولى التي تتربع على رأس هرم النظام السياسي الدولي والتي ما فتئت الفاعل والمؤثر الأول في أزمات العالم أجمع ومنها أزمات العالم الإسلامي، ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تحكمها العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، بغض النظر عن طبيعة الإدارة ما إذا كانت جمهورية أو ديمقراطية، ورغم أن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة.
وتتميز عملية الانتخابات الرئاسية في أمريكا عن غيرها في دول العالم بنظام خاص وآليات معقدة نسبيا تستمر حوالي عام كامل تنتهي بانتخاب الرئيس الأمريكي بالاقتراع العام غير المباشر بدورة واحدة. ويحدد موعد الانتخابات يوم الثلاثاء، الذي يلي أول اثنين في تشرين الثاني/نوفمبر، أي أن موعد الانتخابات المقبلة هو الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
ويختار الأمريكيون مجموعة من كبار الناخبين يشكلون هيئة ناخبة من 538 عضوا تنتخب بدورها الرئيس ونائب الرئيس في كانون الأول/ديسمبر. وفي كل ولاية هناك عدد من كبار الناخبين يوازي عدد المقاعد المخصص لها في مجلسي الشيوخ والنواب؛ اثنان ثابتان لكل ولاية في مجلس الشيوخ، وواحد على الأقل في مجلس النواب بحسب عدد السكان.
والمرشح الذي يحصل على أصوات 270 من كبار الناخبين يفوز في الانتخابات. ويمكن استخلاص النتيجة اعتبارا من ليلة انتهاء الانتخابات، وبموجب هذا النظام، يمكن للرئيس أن يفوز من دون الحصول على الغالبية المطلقة من أصوات الشعب، كما حصل في العام 2000 عندما فاز جورج بوش ضد آل غور.
وقد وصل مستوى الصراع السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري مستويات غير مسبوقة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام 2016، فقد كان يحصل في السابق تنافس بين الحزبين لم ينحدر إلى هذا المستوى الدنيء المشاهد والملموس من كل المتابعين، فممثلو الحزبين هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري لا يتورعان عن استخدام أقذع الصفات والمسبات والاتهامات الشخصية والتجريح بل والكذب والافتراء بغية تحقيق الفوز على المرشح الآخر، فقد صرح ترامب في آخر مؤتمر انتخابي عقده الجمعة الماضية في مدينة ألتونا في ولاية بنسلفانيا - إن الناخبين الأمريكيين لا يتحملون انتخاب هيلاري نظراً لأوجه الشبه بينها وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وحذر من أن انتخاب هيلاري يعني أربع سنوات أخرى من حكم أوباما وأربع سنوات أخرى من تنظيم "داعش " وأربع سنوات أخرى من ارتفاع الضرائب. ووصف ترامب، في كلمته أمام حشد من أنصاره، أوباما بأنه أكبر من أثار الانقسامات في الولايات المتحدة، مؤكدا أن أداءه سيئ، كما أنه غير كفؤ. وأشار ترامب إلى أن التزوير فقط هو الذي يمكن أن يمنعه من الفوز في ولاية بنسيلفانيا في انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر القادم.
وكان ترامب قد دعا سابقا روسيا إلى اختراق البريد الإلكتروني لكلينتون إن كانت قادرة على ذلك، بهدف العثور على الثلاثين ألف رسالة بريد إلكتروني المفقودة.
وترامب كان يقصد إحراج كلينتون بشأن الرسائل التي لم تسلمها إلى مسؤولين أمريكيين كانوا يحققون في استخدامها البريد الإلكتروني الخاص، إلا أن الديمقراطيين استغلوا ذلك ليؤكدوا أن الرجل يمثل تهديدا للأمن القومي.
وقد أثار مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، الغضب بعد اقتراحه أن يستخدم مؤيدوه الحق في حمل السلاح لوقف منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ويعبر "ترامب" عن أهداف الطبقة المالية والعقارية التي يمثلها بكل وضوح، إذ يسوق خطابا تافهاً مستهدفا الجاليات المسلمة والمهاجرين ومن هم من أصول لاتينية (المكسيكيين تحديدا) والآسيويين والسود واللاجئين وغيرهم، واعتبارهم أحد الأسباب الرئيسية في أزمة أمريكا المالية، وبرغم كذبه المستمر، إلا أن الملايين من الأمريكيين البيض، ومن الفقراء البيض، يرون فيه "الأمل الذي سيعيد أمريكا إلى أمجادها مرة أخرى".
وكانت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية في انتخابات الرئاسة الأمريكية قد صرحت، بأن المخابرات الروسية اخترقت أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، واتهمت منافسها الجمهوري دونالد ترامب بإبداء تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذا غيض من فيض فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية للدولة الأولى في العالم حيث الفساد في النظام السياسي وشراء الانتخابات أصبح يهدد "صورة أمريكا" وأركان نظامها الديمقراطي التي تفاخر به وباسمه تدفع بموقعها الأول لقيادة العالم. وتوحش الرساميل صار يهدد القضاء أيضاً، فقد أصبح تدخل الشركات الخاصة (لوبيات الضغط) في قرارات الدولة وعمل أجهزتها القضائية في مستوى علني وواضح يصعب ستره، وهذه الحقيقة تخيف قطاعات شعبية واسعة، بما في ذلك النخب السياسية والأكاديمية في المجتمع الأمريكي.
والأصل في المرشحين لمنصب الرئاسة في أي دولة أن يكون التنافس بينهم بناء على برنامج انتخابي يضع في مقدمة أولوياته خدمة ورعاية مصالح الناخبين، إذ إن منصب رئيس الدولة وعمله يتعلق برعاية الشؤون وكيفية القيام بها ويتعلق بالتصورات لما يجب أن تكون عليه تلك الرعاية، لا أن يتخذ التجريح الشخصي واتهام المنافس والضرب تحت الحزام حتى لو كان صحيحا في حالة أمريكا، وهذا يدل دلالة واضحة على مستوى الانحدار الأخلاقي والإفلاس السياسي الذي تعاني منه أمريكا، ويعطي صورة وتصوراً حول كيفية قيادة أمريكا للعالم؛ فماذا يتوقع من دولة يصل الصراع السياسي بين رأسي قيادتها السياسية هذا المستوى المنحط من الصراع والتنافس؟!
وعلى النقيض من ذلك، يخبرنا التاريخ الصحيح ويعطينا صورة راقية للتنافس الشريف على منصب الرئاسة في الدولة الإسلامية، وحادثة السقيفة عندما اجتمع الصحابة رضوان الله عليهم ليختاروا من يقودهم، وجسد الرسول الطاهر عليه الصلاة والسلام مسجى لم يدفن بعد، حيث انسحب من الترشح عمر وأبو عبيدة وحصر التنافس بين أبي بكر وسعد بن عبادة وانتهى بمبايعة الصحابة الكرام لأبي بكر عن رضا واختيار، وصورة أخرى راقية بعد طعن عمر رضي الله عنه ووصيته لستة من قادة الصحابة أن يختاروا من بينهم، وأسلوب عبد الرحمن بن عوف في سؤاله الصحابة الكرام، مرشحين وغير مرشحين، وسؤاله أهل المدينة وكانوا يمثلون أهل الحل والعقد ثم سؤاله لكلا المرشحين النهائيين عثمان وعلي، وقبول عثمان بشرط يصب مباشرة في مصلحة الرعية التي عاشت واستظلت بطريقة حكم أبي بكر وعمر، وبويع عثمان بالخلافة من جميع الصحابة الكرام دون استثناء ومن عامة المسلمين حتى أمسى عصر ذلك اليوم خليفة وأميراً لكافة المسلمين.
رأيك في الموضوع