في بداية حديثنا عن الأزهر ودوره يجب أن نبين أولا أنه ليس في الإسلام مؤسسة دينية تنوب عن الله في أمور الناس وليس عندنا رجال دين كحال النصارى وغيرهم، وإنما عندنا مجتهدون علماء وفقهاء ومحدثون وكلهم بشر يصيب ويخطئ ويؤخذ منهم ويرد عليهم، مع الإقرار بأن الأزهر منارة العلم والعلماء أزهر العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الأمراء الذي قال "لقد استحضرت عظمة الله فصار السلطان أمامي كالهر"، الأزهر الذي كان مبعث الثورة لمواجهة الفرنسيين ولم يقبل توددهم حتى جن جنونهم وبعد قصف مدفعي متواصل دخلوا الجامع بخيولهم عنوة وربطوها بصحنه وكسروا القناديل وحطموا خزائن الكتب ونهبوا ما وجدوه من متاع، وحكم نابليون وقتها بالإعدام على العديد من شيوخ الأزهر وقادة الثورة وعوام الناس. الأزهر الذي رفض أفكار الإيراني المتأفغن جمال الدين وتلميذه محمد عبده وحاكم علي عبد الرازق على الكتاب المنسوب له والمسمى "الإسلام ونظام الحكم" وبين ضلاله وفساده وفصل علي عبد الرازق من مشيخة الأزهر وسحب منه الشهادة العالمية ومنعه حتى من ممارسة عمله في القضاء، وبين وفند ضلال أقواله في الكتاب في سبع نقاط تلاها شيخ الأزهر ضمن نص التهمة الموجهة لعلي عبد الرازق ذكر أنها مخالفة للدين ولنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الأمة، ومن المهم ذكرها لبيان رؤية الأزهر للإسلام وعقيدته وشريعته ونظرته للخلافة كنظام حكم وهي:
- جعل الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة، لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا.
- جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبي ﷺ، كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين.
- اعتبار نظام الحكم في عهد النبي ﷺ، موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجباً للحيرة.
- اعتبار مهمة النبي ﷺ، كانت بلاغاً للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ.
- إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمورها في الدين والدنيا.
- إنكار أن القضاء وظيفة شرعية.
- اعتبار أنّ حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، من بعده كانت لادينية.
يتبين من استنكار الأزهر لتلك النقاط السبع أن الأزهر يرى في الإسلام عقيدة سياسية ونظام حكم واجب التنفيذ.
هذا هو الأزهر عندما كان على رأسه علماء ربانيون لا يخشون في الله لومة لائم وقبل أن يتغلغل فيه العلمانيون صنائع الغرب المضبوعون بثقافته فيصلوا منه لأعلى الدرجات حتى وصلوا إلى مشيخته وكأننا مع مدّ لتلاميذ الأفغاني ومحمد عبده تبعث أفكارهم من جديد نفس أفكار تجديد الخطاب ومحاولات تدجين الإسلام وسلخه من عقيدته السياسية، وإن كانت أكبر جرأة وأشد وقاحة يتزعمها علمانيون أُلبسوا الجبب والعمائم وتقلدوا المنابر ليبثوا سمومهم في عقول أبناء الأمة، فوقع شيخ الأزهر على وثيقة تدجين الإسلام المسماة وثيقة الأخوة الإنسانية بما فيها من بنود تفوق جرماً ما كتبه علي عبد الرازق في كتابه وكأنها اعتذار ضمني عن اعتبار أفكار كتابه مخالفة للشرع، فرأينا رئيس جامعة الأزهر المصرية الدكتور محمد المحرصاوي حسب ما نقلته قناة روسيا اليوم 3/2/2021م، يقول إن العالم اليوم بأشد الحاجة لتطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك سلام عالمي إلا بتطبيق مبدأ المواطنة، مضيفا خلال كلمته في احتفال الأزهر بـ"اليوم العالمي للأخوة الإنسانية"، أن شيخ الأزهر دعا في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام بحضور البابا فرنسيس إلى التعاون في ترسيخ فلسفة العيش المشترك واحترام عقائد الآخرين، كما أعلنت جامعة الأزهر، أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ سيشارك في الاحتفالية العالمية الافتراضية التي تقام في أبو ظبي برعاية الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، راعي وثيقة الأخوة الإنسانية؛ بمناسبة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، وهو ذكرى توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، والتي تم توقيعها في 4 من شباط/فبراير عام 2019.(بوابة الوطن)
من أخطر ما جاء في هذه الوثيقة التي يدعى اليوم لتفعيلها، هو المساواة بين الإسلام وغيره من الأديان ما كان منها سماويا وحرّف وما كان منها وثنيا في أصله، والافتراض أنّه بإمكان الإسلام أن يتوافق مع سائر الأديان، على نظرة واحدة لحلّ مشكلات العالم والوصول به إلى غايته المنشودة في هذه الحياة! تحت عناوين هي من صلب الحضارة الغربية وثقافتها، كالحرّيات العامّة ومفهوم المواطنة، والتي سمت جميع أهل الأديان بالمؤمنين دون تمييز، فقصرت دلالة الإيمان على الجانب المشترك بينهم وهو الإقرار بوجود الخالق، بينما يقرّر الإسلام حقيقة لا مراء فيها، وهي أنّ الإيمان في نظره هو "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر". ولذا فليس بمؤمن من يكفر بنبوة محمد ﷺ ولا من ينسب لله الصاحبة والولد ولا من يعتبره ثالث ثلاثة!
هذا هو الأزهر الآن عندما يكون على رأسه علمانيون مضبوعون بثقافة الغرب يعملون بكل طاقاتهم لتفريغ الإسلام من عقيدته السياسية وصبغه بالصبغة الروحية التي تتناول الجانب الفردي في العبادات دون باقي أحكام الشرع حتى تصبح الرأسمالية هي الدين الحقيقي والشرع والنظام الذي يحكم الناس.
يا شيوخ الأزهر ويا علماء مصر: إن العقيدة الإسلامية تحرم على المسلمين التسوية بين الإسلام وغيره من الأديان بل الدين الحق في اعتقاد المسلمين هو الإسلام لا غير ولا احترام لأي عقيدة تخالف الإسلام وعقيدته وتنتقص من ذات الله عز وجل أو تقدس ما لا يجوز تقديسه، هذا ما ينبغي أن تخاطبوا به الناس ليعوا على حقيقة دينهم الذي ضرب المثال الأعظم والأروع في تاريخ البشرية في التسامح مع غير المسلمين. فقد شرع الإسلام اشتراك المسلمين وغيرهم من أهل الأديان بالعيش معاً في ظل نظام يرعى شؤون الإنسان من حيث هو إنسان، فلا يميّز في رعاية الشؤون بين مسلم وغير مسلم، مع حفظ خصوصيّات أهل الأديان. فقد حرّم على المسلمين إكراه سائر الناس على اعتناق الإسلام، وحرّم عليهم منع أهل الأديان من ممارسة شعائرهم، وترك لهم التزام أحكام أديانهم في الأحوال الشخصية والمطعومات والملبوسات ضمن نظامه العامّ، ولم يُلزِمهم ما أَلزمَ المسلمين به في هذا المجال، فكان أهل الأديان يرعون معابدهم ويأكلون ويشربون ما تحرّمه الشريعة الإسلامية على المسلمين، طوال عهود الدولة الإسلامية، التي يجب أن تطالبوا بعودتها وأن تكونوا في طليعة العاملين لإقامتها من جديد خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع