نلامس واقع أمتنا الأليم وما مرت به من نكبات وانحدار خلال عشرات السنين تغيرت فيها معالم الحياة الإسلامية وتوقفت مؤقتا حضارة العز والشموخ والرقي بغياب دولة الخلافة التي لم يشهد بنو الإنسان مثلها.
وبعدها ومن رحم الكفر ولدت تلك العقيدة المشوهة الكافرة، عقيدة فصل الدين عن الحياة والدولة بالتزامن مع ضعف دولة الإسلام آنذاك لأسباب عدة، مما سهل على أتباع تلك الفكرة أن يتغلغلوا في جسد الأمة وينفثوا فيه هذا السم الزعاف.
انتشر الوباء وحل المرض وتدهورت أمة الإسلام، ومن ثم أسقطت دولتها وغاب سلطانها وتكاثرت تلك الكيانات السياسية بنات الاستعمار، الذي أطبق على الأنفاس وأذاقنا الويلات وفرض أفكاره الخبيثة الباطلة بالقوة والغطرسة وآلة القمع الوحشية، وأوجد منظمات وتكتلات ومؤسسات إعلامية تروض الناس على مبدئه الرأسمالي، مما جعل المرض يتمكن في أمتنا فتلوثت العقول وانحرفت، وتفشت أفكار الواقعية والاستسلام والخنوع والخضوع، وخيم الظلام وعشعشت العقلية النفعية والنظرة المادية، وانقطعت تلك العروة الوثيقة بين هذه الحياة وما بعدها في أوساط الأمة.
تغيرت طريقة التفكير بتغير العقلية الإسلامية وتأثرها الواضح بالمبدأ الرأسمالي ذي العقيدة العلمانية، ومما نتج عن هذا التأثر أن أصبحت دائرة التفكير محدودة بما يرسمه الكافر المستعمر وما يروج له حتى وصل الحال أن نفكر كما يريد وكما يرغب، بل انحصر الفكر والعمل ضمن المجال والمجرى الذي يصب في مصلحة ذاك الكافر ويوطد سيطرته ونفوذه ويحقق أهدافه وغاياته، وأصبحت التصورات الذهنية في العقول مقيدة. والأمثلة والوقائع كثيرة جدا وكلها تدل دلالة واضحة على أنها أفكار من صنع العدو وأتباعه وممن يروج لها، فأصبحنا بالفعل نحقق مطامعه وأمانيه في طريقتنا هذه بالتفكير.
ومن هذه الأفكار التي يصعب ذكرها جميعا في المقال إلا شيئا من قليل القليل:
▪ فكرة الانهزامية وتعظيم قوة العدو في النفوس واعتبارها قوة كبيرة لا طاقة لنا بها.
▪ فكرة الواقعية المقيتة التي تجمد حركة الأمة وتعطل العمل للتغيير وتبقينا تحت ربقة الذل وسيطرة الاستعمار.
▪ فكرة المصلحة والمفسدة التي عطلت من الفرائض والواجبات ما عطلت، وألغت كثيرا من أوامر الله ونتج عن ذلك تلقائيا فكرة الموازنات العقلية وتضييع المقياس الشرعي في الأعمال وهو الحلال والحرام والأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي.
▪ فكرة الاختيار بين السيئ والأسوأ. وما أوضعها من فكرة وما أسقمه من حل!
▪ فكرة الخوف الشديد والخجل من قول الحق وحمل الإسلام باعتباره مبدأ للدولة والمجتمع والفرد وإزالة الاستعمار وأصنامه المتربعة على حياتنا والسالبة لسلطاننا وقرارنا.
▪ فكرة التستر بالعلمانية في أوساط الجماعات الإسلامية السياسية ومسايرة الغرب الكافر والتماشي مع سياسته العالمية والانخراط ضمن مستنقعه والانغلاق ضمن صندوقه.
▪ فكرة الابتعاد عن الإسلام السياسي وطريقته الواضحة في الوصول إلى الحكم، وفي إقامة الدولة وتطبيق الإسلام مما أدى إلى تنحية الميزان الشرعي واتباع ميزان عقلي يجعل مصدر تفكيره من الواقع وضمن دائرته وما يمليه عليه السياسي الغربي.
وغير ذلك الكثير من الأفكار التي شوهت طريقة تفكيرنا وحرفت مسارنا وقادنا عدونا بها نحو مصيدته ينهش بنا ويهدر طاقاتنا وتضحياتنا ويزرع فينا أفكاراً طالما ارتضاها وحصد من خلالها النتائج التي جعلته يطغى ويطغى ويستخف بنا ويتعالى ويتكبر علينا.
فيا أمة الإسلام ويا أتباع سيد الأنام! هذا واقعكم وهذا نتاج أفكار عدوكم التي ألبست والتبست فأعقمت الفكر وحددته وأطرته كما تريد فأنهكتنا وأشغلتنا عما يريده الله منا.
فهذا المرض من عدوكم، وهذا العلاج وبه العافية من ربكم وخالقكم، فقوموا قومة رجل واحد بكل وعي وإخلاص وشجاعة وإقدام؛ لتستأنفوا حضارتكم ودولتكم وعيشكم الإسلامي بخلافة على منهاج نبيكم ﷺ التي بشركم بها، وما عليكم إلا أن تقفوا مع حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، فخذوا دوركم الذي أناطه الله بكم، تنالوا عز الدنيا وثواب الآخرة.
بقلم: الأستاذ محمد حميدان
رأيك في الموضوع