منذ أن أسقط الغرب الكافر مظلة المسلمين التي كانوا يستظلون بها عام 1924م، وهو يسعى لمنع أن تقوم لهم قائمة من جديد، فقد عمد من حينها إلى وضع كانتونات سياسية هيأ لها كل أسباب الحكم فوضع نظم عيشها لتكون أسباب تأخر نهضة الأمة الفكرية والثقافية والسياسية، ولم يكتف بذلك فقد كان يسعى دائما لركوب أي حالة نهضوية مشاعرية إسلامية كي لا يحصل ما لا يحمد عقباه، وبقي الحال على ما هو عليه ردحا من الزمن؛ المسلمون في حالة من ضياع الهوية، والخريجون من مدارس وجامعات الأنظمة فاقدون لأرضيتهم الصلبة التي يجب أن يقفوا عليها، كل هذه أسباب بشرية محضة وضعوها لأجل منع يقظة المسلمين من كبوتهم.
بل وزاد حال المسلمين سوءاً كونهم يعيشون تحت مظلة هذه الكانتونات من قمع وترهيب وضياع في غياهب السجون وتضييق عيش إلى غير ذلك، ليس إلا لإيهام من خلفهم بأنه هكذا سيكون مصير الحالمين بالتغيير، ومرت على المسلمين عقود وهم على هذه الحال، فراجت بينهم أمثال تدعو إلى الركون للظالمين والعيش تحت سياط الجلادين من مثل (الحيطان لها آذان، امشي الحيط الحيط وقل يا ربي الستر) حتى ظن الكثيرون أن هذه الأمة لن تنهض أبدا، وأنها ألفت عيش الذل واعتادت على فتات موائد المتصدقين!
بذل الغرب الكافر كل إمكانياته وطاقاته لأجل ذلك ولم يدخر وسعه لتحقق أهدافه كي يضمن أن لاتقوم للأمة قائمة؛ ولكنهم وكعادتهم اعتمدوا أسباباً بشرية وتغافلوا تدبيرخالق الكون والإنسان والحياة، وأن كل ما حدث ليس إلا أسباب لانتفاضة الأمة على جلاديها والمطالبة بحقوقها. فكان ما حدث في تونس وليبيا واليمن ومصر... إلا أن الغرب تدارك هذه الثورات واستطاع احتواءها بخداع المسلمين بأن غير وجوه الأنظمة القائمة، فهدأت العاصفة وشعر الغرب المستعمر بالراحة ولكن الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا،حيث لم يكن بحسبانهم بعد ما حققوه أن تقوم ثورة بمكان آخر لا يستطيعون احتواءها وتحجيمها.
ففي شهر آذار/مارس من عام 2011 اندلعت ثورة الشام وكانت حالها بداية كحال أخواتها قائمة على الفطرةوعلى مشاعر مفتقدة الهوية ، فنادت بما يحتاجه الناس من حرية وكرامة إنسانية وحسن عيش.
إلا أن مبادئ الثورة الشامية المباركة تبلورت بعد أن زاد وعيها مع السنين، فلم تعد مطالبها كما كانت بل برزت مطالب أخرى من مثل إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه والتخلص من نفوذ دول الغرب الكافر وإنهاء نفوذها في بلاد المسلمين.
هكذا رسم ثوار الشام مبادئ خلاصهم واعتمدوها شكلا للدولة البديلة عن نظام السفاح عميل أمريكا أسد؛ لكن أهل الكفر مجتمعين حاولوا وبكل الوسائل فرض مشروعهم العلماني من خلال أدواتهم التي صنعوها ككتل سرطانية في جسم الثورة من سياسيين وعسكريين، محاولين عن طريقهم حرف هذه الثورة واحتواءها، فبدأ غيظ صدورهم يظهر بمالهم السياسي المسموم ومؤتمراتهم الموبوءة من جنيف ابتداء حتى أستانة والرياض وسوتشي وجنيف مرة أخرى التي وصل عدد اجتماعاتها إلى ثمانية، تقود جميعها لنفس الغرض والغاية وهو ضرب التضحيات بعرض الحائط وإفشال الثورة.
فمؤتمر جنيف 8 المعقود الذي عقد بين ممثلي السفاح ومعارضة أمريكا يأتي في ظل حالة الله يعلمها لثوار الشام؛ حيث المجازر فاقت التصور والخيال وانتهاكات أعراض تقشعر منها الأبدان، وتهجير لمناطق بأكملها وتغيير ديموغرافي وشتات يعيشه أهل كثير من المناطق، ويأتي في ظل فزع مناطق مما قد يحصل لهم في حال دخلت قوات أسد لمناطقهم، يُعقد في ظل معارضة سياسية لم يبقيسترها حتى ورقة التوت، معارضة لا يصح القول فيها أنها مرتمية في حضن أمريكا بل هي مطية لأمريكا تأتمر بأوامرها.
ولعل الناظر بسطحية لواقع ثورة الشام يرى أنه لا مفر مما رسموه لنا إلا السمع والطاعة لهم حتى يأذن الله بالفرج؛ ولكن النظرة للواقع لا تكون دون نظرة إيمانية فهي الأصل؛ فالله سبحانه وعد المؤمنين بالنصر ولو بعد حين، فعنده مقاليد الأمور وهو يغير الحال بين طرفة عين وانتباهتها؛ ولكن لله شروطا لذلك فلا بد أن نكون مع الله ليغير حالنا، ولا بد أن نؤمن أن النصرهو من الله وحده فهو رب الأسباب وموجبها، ولا بد أن نستيقن بنصره وأن كل أمر من عنده هو ليقضي أمراً كان مفعولا.
فيا أهلنا في الشام اقترب موعد مرور سبع سنوات على ثورتنا المباركة ونسأله سبحانه أن تكون ثورة أمة ونسأله سبحانه أن تكون من السبع الشداد وأن يكون ما بعدها عام الغوث والعصر والخيرات، فما المطلوب إلا الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد وأن نرفض أي أمر يخالف أمر الله ولو بذل لأجل ذلك الكثير حتى نكون مع الله فيتنزل علينا نصره سبحانه ونكون من الفائزين بدنياه وآخرته.
ونعوذ بالله أن نركن للذين ظلموا فتكون عكس ذلك فندْبر عن الله فيدبر عنا ونعيش في ضنك دنيا وعذاب آخرة. ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤].
بقلم: عبدو الدلي
رأيك في الموضوع