لم يصدق من قال إنه لا يؤلم الجرح إلا من به ألم، ولم يصدق من قال إنه لا يبكي الميت والمجروح والمكلوم إلا أهله... لقد أثبت أهل الشام عكس هذه الأمثال والقواعد فخرجوا في عشرات النقاط متضامنين مع أهلهم في غزة نتيجة ما يحصل عندهم من قصف حاقد من طيران يهود المغضوب عليهم، يمكننا القول إنه يتضامن مع أصحاب الألم من وقعوا في الألم نفسه، فمنذ عام 2011 والقصف لم يغب عن مدن وقرى وبلدات الشام، بل يمكن القول إن الطيران لم يهدأ في سمائها منذ عقد مضى، قصف ممنهج مركّز باروده الحقد والكره وفتيله رغبة بكسر الإرادة، سنوات وسنوات والشام وأهلها يعيشون تحت تآمر دول العالم عبر المؤتمرات ويعيشون تحت خذلان حكام المسلمين لهم ولثورتهم وتضحياتهم، يشاركون الأعداء في كيدهم ويمهدون لهم الطريق، ويضاف لذلك خذلان داخلي ممن يسمون أنفسهم ممثلين سياسيين وقادة عسكريين!
كل هذا عاشه أهل الشام على مر سنوات وسنوات، وكل هذه الأعمال لهدف واحد وغاية واحدة ألا وهي كسر إرادتهم ودفعهم للاستسلام والإذعان لما تم تخطيطه لهم، ويا لتشابه الحال! فلو قارنا ما حصل مع أهل الشام مع ما يحصل اليوم في غزة لما اختلفت الصورة أبداً، ولا حتى قيد أنملة؛ فغزة اليوم وأهل فلسطين قبل ذلك عاشوا الذي عاشه أهل الشام نفسه بتفصيلاته، وكأن المشهد يتكرر؛ خذلان وقتل وقهر للرجال وتآمر وحقد ما بعده حقد، وكل ذلك لغاية واحدة ولهدف واحد هو دفعهم لأن يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء معلنين الهزيمة.
بعيداً عن أي كلام إنشائي وأي تجهيز مسبق، فبينما كانت مناطق إدلب تعيش تحت القصف بحجة أن طائرات مسيرة خرجت منها لتضرب تخريج ضباط من الكلية الحربية الأمر الذي أدى لمقتل عدد من الطلاب الضباط، وما كاد الأمر ينتهي حتى بدأ سيل الكلام بأن دمِّروا إدلب واحرقوا من فيها فهي سبب الأمر، الأمر الذي لو أخذناه من جوانبه نجده لا يخدم إلا النظام وأن المُستفيد منه هو النظام نفسه وخاصة بعدما أصاب حاضنته التفسخ والترهل بعد دعوات للتظاهر وكلام فيه من الضجر ما فيه عن تردي الأوضاع، جاء تفجير الحربية الذي من خلاله بدأ النظام عبر إعلامه بالضخ لأجل ردع الصدع الحاصل، فبدأ برسم صورة العدو الفاعل لهذا الأمر حتى يعيد التماسك لحاضنته، استثارة غرائز وعواطف لا أكثر ولا أقل، ومن ثم بدأ بقصف جنوني همجي لمناطق كثيرة من ريف حلب الغربي ومناطق إدلب.
وفي الوقت الذي كانت مناطق إدلب تُقصف وفي السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر إذ بعملية نوعية للمجاهدين تضرب كيان يهود في مقتل وتمرغ أنف المغضوب عليهم بالتراب وتجعل منهم أضحوكة ما بعدها أضحوكة، وتماماً كما فعل نظام أسد بدأ كيان يهود بتحريك مشاعر العالم لأجل التغطية على إرهابه وإجرامه فبدأ بقصف جنوني لمناطق غزة، قصف استهدف البشر والشجر والحجر، حقد ما بعده حقد ولؤم ما بعده لؤم... إدلب تحت القصف وغزة تحت القصف، فمن يعزي من ومن يسند ظهر من؟! لم تقف إدلب رغم جراحها مكتوفة اليدين تجاه ما يحصل للأهل في غزة الصمود، ولأن حرب المسلمين واحدة وسلمهم واحدة، وبما أنه ليس باليد حيلة فما كان من أهل إدلب وحلب إلا أن خرجوا بمظاهرات تضامنت مع أهل غزة ودعت القادات المرتبطة لفك الارتباط وفتح الجبهات وإعادة إحياء شعار نادى به أهل الثورة في بدايتها أنه بعد تحرير دمشق ستكون الوجهة الأراضي المحتلة، وربما كان هذا من الأسباب التي جعلت العالم كله يستنفر لأجل إجهاض الثورة.
لقد أثبت أهل الثورة في الشام أن مشاعر المسلمين واحدة، وظهرت المفاهيم الصحيحة بشكلها الصحيح الذي لا تشوبه أي شائبة. إن الأيام تُثبت أنه لا يمكن للقيادات الحالية أن تقوم بأي شيء تجاه قضايا المسلمين... وأنى لعميل أن ينقلب على سيده؟! لقد أكدت الأحداث أنه لا يمكن أن يرفع البلاء سوى خليفة راشد يحكم في خلافة راشدة على منهاج النبوة ويحرك الجيوش ليس لأجل بلاد ولكن لأجل رجل يستغيث في أقصى الأرض، فإلى أصحاب الرتب، إلى الضباط العاملين والأمراء: إن أمتكم تناديكم اليوم بأن تخلعوا هؤلاء الحكام العملاء المجرمين وأن تُعيدوا لأمتكم سلطانها المُغتصب وأن تبادروا بنصرة مشروع الإسلام العظيم الذي فيه الخير للبشرية جمعاء.
وإلى أن يأذن الله بذلك، والذي نراه قريباً أكثر من أي وقت مضى، نقول لأهلنا في فلسطين وغزة، كما نقول لإخواننا المجاهدين في الشام: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع