جزى الله غزّة وأهل غزّة وسائر الشام وأهله عن أمة الإسلام كل خير، بعد أن أحيت ثلة الإيمان من شبابها يوم 07 تشرين الأول/أكتوبر، في الأمة لذة النصر، وأعادت إليها وعيها على حقيقتها، يوم أن أذلت كيان يهود وحطمت كبرياءه الزائف، بعد أن أوهنت حصونهم وحطمت جدار الوهم الذي أنبأنا المولى عز وجل أنهم لا يقاتلوننا إلا من ورائها، وجعلت بأسهم بينهم شديداً. جزى الله غزة هاشم فقد جعلت الأمة تنفض عنها لوثات الجاهلية من عصبية العرق، وتفاهة الوطنية، وإلحاد العلمانية التي عمل نواطير الغرب الكافر، الجاثمين على كاهل الأمة، على تشتيت شملها بهذه المفاهيم الفاجرة، وتنادت، وهي تغبط شهداء غزّة على ما آتاهم الله من كريم فضل الجهاد، وطِيبِ عُرفِ الشهادة، يجمعها هتاف "الله أكبر، الله أكبر... لبيك يا غزّة".
هذا ما أرعب الغرب الكافر، وأوهن عزائم حكام الضرار في بلاد الإسلام، وهم يرون غرس السوء الذي زرعوه في خاصرة المسلمين قد ترنّح وأوشك على التهاوي، وشباب الأمة يجرون جنوده أسرى، ويغنمون ما أنفلهم الله من سلاحه وتجهيزاته، في صورة مُصغّرة، مبهرة، لما يمكن لجند الله أن تفعله فيهم، فتنادوا يرممون ما انهار من نفسية إخوان القردة والخنازير، يطمئنونه أنهم معه وأن أسلحتهم وخزائنهم، تحت طلبه. وكانت أعينهم ترقب الأمة وردة فعلها، وتتوجس من صدق مشاعرها، وتنامي وعيها، ومكرهم يُرتِّبُ لكيفية تضليلها عن الحلّ المبدئي، عن طريق آلة الدعاية المجرمة التي بنيت على خدمة الكفر والكافرين وحماية مصالحهم؛ وذلك بالتأكيد على أن حل المسألة الفلسطينية يكون بالرجوع إلى الشرعية الدولية، وحل الدولتين، وبنجدة أهل غزّة بالمعونات الإنسانية، من مؤن وأدوية...!
فالأمة تدرك يقينا أن فلسطين ليست بلدا أجنبيا عنها، وقع الاعتداء عليه، فوجب عليها إنسانيا أن تغضب معه لرفع ذاك الظلم عنه، بل هي لكل مسلم قوله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وهي قوله ﷺ كما روى ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا...» الحديث، قولاً واحدا: هي عقيدة، وهي إيمان، ووجه أخوّة أهلها لنا أنهم هم نحن، ونحن هم...
فالغرب الكافر المستعمر، وهو يعمل على تشتيت انتباه الأمة، سارع مستعيناً بأشباه السياسيين في بلاد العرب وكلّ بلاد المسلمين، وهم الذين أعدّهم لمثل هذه الأيّام، يسعى للجم تحرّكات الأمة، بجميع أطيافها، لصرفها إلى مجرّد تنديدات لا تزيد الأوضاع إلا سوءاً، وليحبسوا جيوش الأمة في الثكنات لا يطلقونها إلّا من أجل قمع أمتهم، وحراسة عروش الخونة، بل وحراسة مصالح العدوّ، وغرس "عقيدة" أنّ كلّ مجاهد مسلم يريد أن تتحرّر أرضه وبلاده من هيمنة الكفّار المستعمرين، هو إرهابي وجبت محاربته!! وأن كلّ أمر فلسطين، أن تكون لأهلها "دولة" على أي رقعة، تفرزها المفاوضات، وسياسة "السلام"، وإلا حق قتله تبعا للشرعية الدولية!!
«لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ، وَمَا حَوْلَهُ وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ، لَا يَضُرُّهُمْ خُذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ»، فأجبروا، وعون الله معهم، رئيس أعظم دولة في عالم اليوم أن يأتي إلى المنطقة عساه يفهم الذي يجري، لعله يتدارك أمر طوفان الأمة الذي بات يتهدد نفوذه، ويكاد ينهي أمر هذا الكيان المسخ الذي تعمل ملة الكفر وأذنابهم على تثبيته في ديارنا وحمانا.
إلا أن الأمة، وأوار غضبها يعتمل في كيانها، ويحرك كل خلية فيها، حتى أصبح أمر غزة يملك عليها كل انتباهها، وتراجعت كل اهتماماتها إلى مراتب دنيا، عليها أن تنتبه إلى أن المعركة معركة وجود، فدونها المهج والأرواح، وأن العدو اتخذ قرار الحرب، وأعد للأمر عدته وجلب بخيله ورجله، وأتى بقضه وقضيضه، لا يوفر جهدا ولا يغفل عن شيء. ومع هذا وجب إدراك مشهد الصراع على حقيقته، وشدة مرارته:
أ- العدو يُخطِّط ويرسم ويُعدّ العُدّة، تقوده أركانه العسكرية، بل تقوده أمريكا فعليّا، لا مجرد تعاطف منها، أو موقف، بل هم المحاربون، وهم قادة الحرب ومسيّروها، يتحالف معهم البريطانيون، والفرنسيون، والألمان، ويتبعهم في ذلك أشباه حكام خونة.
ب- الأمة متروكة لحالها، يتحكم في مصيرها الخونة العملاء، يسعون جاهدين للتنفيس عن غضبها بتركها تتظاهر، وإلهاؤها بتقديم بعض المعونات كأن الأمر مسألة إنسانية، لجائحة أصابت الناس فوجبت نجدتهم بالمؤن والأدوية!! الأمة متروكة لحالها، ينوب عنها أهل الرباط، من أهل غزة وفلسطين، يدفعون بأكفهم عدوان الكافرين، ويدفعون بلحمهم ودماء فلذات الأكباد، ثمنا تعجز شم الجبال عن دفعه. فمن اللؤم اليوم وضع الندى في موضع السيف، فقد صفع أطفال غزة وجه كل صفيق، يمن عليهم اليوم بالمال، وأشلاؤهم تتناثر تحت قصف إخوان القردة والخنازير، فيكتبون أسماءهم على سواعدهم الفتية، حتى يميَّزوا بين الأشلاء! ألا نخجل من متابعتنا لأخبارهم وقد خجل الصبر من صبرهم؟!! ألم يدرك الناس بعد أن الدور اليوم على من أعدتهم الأمة ليوم الكريهة؟! فأي كره ينتظره الناس حتى يتحرك أبناؤهم من أهل القوة والمنعة، من الجيوش الجرارة، وعتادها المركوز في الأقبية، ونياشينها التي أرادها الحكام أن تكون للاستعراضات؟! إنكم لتدركون عين اليقين، أن الذي يحول بينكم وبين القيام بما فرضه الله عليكم، إنما هم الحكام الذين يطيعون الكافرين فينا. وإنكم لتعلمون أن الحلّ قلعهم عن كراسيّهم وإعادة الأمر للأمة تنيب عنها من يحكمها بكتاب الله وسنة نبِيّه وتحمل دعوة الإسلام إلى العالم.
فالموقف اليوم، هو الموقف الذي تحدده العقيدة الإسلامية، أي ما يطلب منا ربُّنا أن نفعل في مثل هذه الأحوال. فهي قضية وجود واستئصال وحرب عقائدية لا تعالج بالطعام والغذاء والأغطية، وإنما بالسلاح والسلاح فقط؛ فهي مهمة الجيوش والجيوش فقط، فاليوم، العبء والدور على سند الأمة بعد الله وعزوتها هم أهل القوة والمنعة فينا...
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
رأيك في الموضوع