بقلم: الشيخ يوسف مخارزة – بيت المقدس
لم يجعل الله عز وجل العلماء في مقام وراثة الأنبياء إلا لخطورة المهمة التي ينبغي أن يتولوها، فكان قول الرسول ﷺ في ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
والعلماء الذين ورثوا الدين عن الأنبياء هم أهل لخشية الله تعالى أكثر من غيرهم لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، فهم أهل خشية الله، وأمناء على الدين وحراس للشريعة، إذا ما اختل شيء في نظامها فزعوا إلى المعالجة والتصويب وإقامة الأمور، يدفعهم إلى ذلك خشية الله ربهم.
وكذلك إذا اختل الناس أو فسدوا أو تلاعبوا بالدين أو تحايلوا فيه أو استباحوا المحرمات، وإذا عطل الحكام الشريعة وسعوا في الفساد، فإن الله عز وجل أسند مهمة مواجهة ذلك كله ابتداء إلى العلماء الربانيين الذين يخشون الله تعالى ويعظمون حدوده مصداقا لقول الله تعالى مخاطبا علماء بني إسرائيل بعد فشوّ فساد قومهم، وظهور المعاصي فيهم، ﴿لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.
والعلماء الذين يرون إفساد الحكام وعمالتهم التي تعني ارتهان إرادتهم لعدو خارجي يقهر بهم الأمة ويلزمها مسارات العبودية والخضوع من خلال أوامر حكامها، فيأتون - أي العلماء - بدلا من تحريض الناس على الانعتاق من العبودية لعدوهم التي لزمت أعناقهم بحبال الحكام العملاء، تراهم يؤثّمون كل من ينكرون على الحكام ويحاربون إفسادهم بدعوى وجوب طاعة ولي الأمر! وهي فكرة أصيلة في الشريعة الإسلامية، تحافظ على كينونة الجماعة وقوة بنيانها، وهي تخدم بقاء بنيان الدولة متيناً عندما يكون أمرها مستقيما، لكن هذا الحكم ما كان مشرّعا للحفاظ على المنكر وصيانة الفساد والدفاع عن الباطل أو المحافظة على أن تُحكم الأمة بعملاء الكفار وهم فاقدو الإرادة، لذلك احتاجت مهمة وراثة الدين عند العلماء إلى العلماء الربانيين الذين يخشون الله ولا يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا.
أما دور الإعلاميين فهو متصل بنشر الأخبار وإظهار الحقائق للناس، والحيلولة دون بث الأفكار والأخبار المضللة، فهم يضعون الأمة في صورة الواقع حتى يكون ذلك مؤشرا باتجاه الحلول الحقيقية. فالإعلامي الذي ينقل أخبار غزة على أنها مشكلة إنسانية وأنها نقص في الماء والكهرباء، هذا إعلامي مضلل، لأن هذا أمر متفرع عن المشكلة الأساسية وهي تسلّط عدو غاشم على غزة يسلب إرادتها ويحاصرها ويسرق ثرواتها ويأخذ مياهها الجوفية، وذلك كله لا يعالَج بإرسال الماء والدواء والطعام إلى غزة بل بكفّ يد هذا الاحتلال الغاشم ورده عن عدوانه وكسر شوكته.
والإعلامي الذي يرى أن المشكلة في المسجد الأقصى هي مشكلة تمكين الناس من العبادة فيه أو هي مشكلة إدارة شؤون المسجد والولاية عليها هو إعلامي مضلل لأنه صرف الناس عن المشكلة الحقيقية وهي سيطرة كيان يهود على المسجد واحتلاله ومنع الناس من دخوله أحيانا وتدنيسه أحيانا أخرى والطمع بإنشاء ما يسمى بالهيكل فيه.
والإعلامي الذي يصور أن حل المشكلة السياسية في بلاد المسلمين إنما يكون بصندوق الاقتراع هو إعلامي مخادع، لأن الأمة عندما تمارس العملية الانتخابية وهي تفتقد إرادتها السياسية وتتسلط عليها دولة عميقة تملك مقاليد الأمور، فإن هذه العملية لن تغير من الواقع شيئا، فيكون اجتماع أهل الإعلام والصحافة وهم يشيدون بما يسمى بالعملية الانتخابية هو شهادة زور، يزيفون بها الواقع ويطيلون بها أمد الفساد وهكذا..
وحيث إن الصورة التي باتت مستقرة أمام أنظار الجميع تنطق بها الوقائع والأحداث وتؤكدها الأدلة والشواهد، هي صورة تبعية هؤلاء الحكام لدول الغرب، فإن الوضع الطبيعي أن تغيب فيهم إرادة الدفاع عن الأمة وردّ عدوها عنها، لذلك كان الواجب المتعين على العلماء الربانيين الذين يخشون الله أن يتجاوزوا هؤلاء العلماء فاقدي الإرادة العابثين بمصير الأمة، إلى أهل القوة في الأمة وأبرزها الجيوش لتصد الغزاة عن بلاد المسلمين وتحرر مقدساتهم لتخلص هذه البلاد من عدوان المعتدين وترجعها إلى سلطان الأمة آمنة مطمئنة.
وهذا الإجراء هو الذي ينبغي أن يُتخذ فيما يتصل بالبلاد المحتلة مثل فلسطين وكشمير وسوريا وسائر البلدان المضيّعة.
والقضية المشتعلة هذه الأيام هي قضية فلسطين وما يجري فيها من حرب إبادة، يجتهد الحكام وصنائعهم من العلماء الفاسدين، أن يظهروا أنها مشكلة طعام وشراب ودواء وإغاثة إنسانية! والمشكلة في حقيقتها في تغول كيان يهود على أهل فلسطين بدعم غربي متواصل، والحل الوحيد لهذه المشكلة هو الجهاد في سبيل الله من أهل القوة وخاصة الجيوش، هذا الجهاد الذي تطهّر به البلاد ويُهدم فيه بنيان الباطل ويعز فيه المسلمون ويذل فيه الغزاة المعتدون، فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو الذي يوجد الرفعة في الأمة ويكسوها بالمهابة ويدفع الطامعين عن حياضها، وليس استجداء ما يسمى بالأمم المتحدة ولا المطالبة بقانونها الدولي، ولا اللهاث وراء إنفاذ قراراتها، بل هو الجهاد ولا شيء غير الجهاد الذي هو طريق العزة الذي رسمته شريعة الإسلام طريقا جَدَداً قويماً لا عوج فيه، تلبس فيه الأمة ثوب كرامتها وتزهو فيه بعزتها وتشفى فيه جراحاتها وتخلع به ثوب ذل لبسته منذ عقود طويلة.
لذلك كله ينبغي أن يتوجه خطاب العلماء الربانيين والإعلاميين الصادقين إلى أهل القوة ومنهم الجيوش حتى يدفعوا عن الأمة غائلة عدوهم، فإن أبى الحكام ذلك فالوجهة حينئذ إلى خلعهم وتولية حاكم رباني يقود الأمة إلى مقاعد العز ومدارج التمكين.
رأيك في الموضوع