بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
إنّ المجازر الدموية المُتكرّرة التي يقوم بها جيش كيان يهود في قطاع غزة بكل وحشيةٍ وإجرام صباح مساء، وطوال الأيام الماضية من غير توقف ولا رحمة، وإنّ استمرار القصف بآلاف الأطنان من المُتفجرات جواً وبراً وبحراً، وما نتج عن ذلك من قتل وجرح آلاف الأبرياء من الرجال والأطفال والنساء، وتهديم البنايات بما فيها المساجد والمستشفيات فوق رؤوس ساكنيها، وقطع المياه والكهرباء والوقود والإمدادات الغذائية والدوائية عن مليونين وربع المليون إنسان، واستمرار مُحاصرتهم في أضيق الأماكن، وإغلاق جميع المنافذ الإنسانية أمام انتقالهم بحثاً عن الأمان، وطلباً لمن يحتاج منهم إلى الإيواء والعلاج والاستشفاء،... إنّ هذه المشاهد المُروّعة التي تبثها الفضائيات على مدار الأربع وعشرين ساعة كفيلةٌ بأنْ تُحرّك أقسى القلوب، وتدفع أصحابها لعمل ما يلزم لنجدة هؤلاء المظلومين المُستضعفين المقهورين.
وإذا كان كيان يهود وهو المُدجّج بالأسلحة والعتاد قد وقفت معه كل دول الغرب الكافرة تؤازره سياسياً ومشاعرياً، وتُناصره عسكرياً واقتصادياً، وترسل لحمايته السفن والطائرات، وتمده بالمال والسلاح والذخائر في غضون أقل من أربع وعشرين ساعة من بدء العملية العسكرية ليبقى صامداً قوياً أمام ثلة قليلة من أبناء المسلمين الشجعان، وليُمعن في القتل والانتقام من المدنيين العزل، وليُحيل قطاع غزة إلى دريسدن جديدة - إحدى المدن الألمانية التي تمّ تدميرها بالكامل في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء وقتل فيها قرابة الـ 25000 إنسان - لا شيء فيها سوى الموت والدمار كما فعلوا في دريسدن، فلا حياة فيها ولا حركة، فإذا كانت دول الغرب الكافر هذه تُساند وتدعم كيان يهود الذي زرعوه في قلب بلاد المسلمين ليمعن في قتل المسلمين ويعيث فيها فساداً وخراباً، فماذا فعلت كيانات العرب والمسلمين لنجدة إخوانهم المُستضعفين الذين استنصروهم في الدين وهم في أمس الحاجة لنصرتهم وحمايتهم ورفع الظلم والبطش عنهم؟!
دعونا في عُجالةٍ نستعرض أبرز مواقف كيانات العرب والمُسلمين من هذه الجرائم المُتواصلة للاحتلال في غزة، فبدايةً يجب أنْ نعلم أنّ جميع الحكومات في هذه الكيانات قد طالبت بوقف التصعيد وحماية المدنيين كمصر والسعودية والأردن، وأمّا حكومة قطر فطالبت بالإضافة إلى وقف التصعيد بالتهدئة وضبط النفس، وأمّا المغرب فطالب بإدانة أي جهة تستهدف المدنيين أياً كانت، فهو ساوى بين اليهود والفلسطينيين، أي ساوى بين الجلاد والضحية، وأمّا العراق فدعا المجتمع الدولي للتحرّك وإعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وأمّا الكويت فأعربت عن قلقها البالغ، وقالت إنّ التصعيد جاء نتيجة انتهاكات سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، وطالبت بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وأمّا تونس فأعلنت عن وقوفها الكامل غير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعت إلى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأمّا الجزائر فأدانت الممارسات (الإسرائيلية) المُخلة بأبسط القواعد الإنسانية، ودعت المجموعة الدولية لحماية الشعب الفلسطيني، وأمّا سوريا فأعلنت عن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأمّا عُمان فدعت الطرفين إلى مُمارسة أقصى درجات ضبط النفس، وأمّا الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي فدعيا إلى وقف التصعيد وتحميل المجتمع الدولي المسؤولية في إعادة الأمن والسلام في المنطقة...!
نلاحظ من هذا العرض المُقتضب لهذه المواقف أنّ مُعظمها انحصرت في الدعوة إلى وقف التصعيد ومُناشدة المُجتمع الدولي بالتدخل وتحمّل مسؤولياته، بينما نرى مواقف قلة منها تُدين عدوان كيان يهود وتُعلن الوقوف إلى جانب الفلسطينيين نظرياً فقط، أي مُجرّد ثرثرة إعلامية.
أمّا موقف دويلة الإمارات فكان مُتميّزاً في الجرأة والوقاحة؛ إذ اعتبرت الهجمات التي تشنّها حماس ضد المدن والقرى (الإسرائيلية) وإطلاق الصواريخ على التجمعات السكانية تُشكّل تصعيداً خطيراً وجسيماً، وأعربت عن استيائها الشديد من اختطاف مدنيين (إسرائيليين) من منازلهم كرهائن!
وأمّا البلاد الإسلامية غير العربية فإن إيران قد أعلنت عن دعم حماس وعمليتها العسكرية لكنّها نفت ضلوعها فيها بزعم أنّ الشعب الفلسطيني قادر على الدفاع عن نفسه واسترداد حقه بنفسه! وأمّا ماليزيا فارتدى رئيسها أنور إبراهيم الكوفية الفلسطينية، وانتقد انحياز المجتمع الدولي لـ(إسرائيل) ودعا إلى إدانة الاحتلال ومُعالجة جذور الصراع، وأمّا باكستان وإندونيسيا فلم يصدر عنهما أي موقف رسمي لافت!
وأمّا تركيا فرفضت الممارسات (الإسرائيلية) ضد الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه رفضت الأعمال العشوائية لمسلحي حماس تجاه المدنيين (الإسرائيليين)، وأعلنت عن استعدادها للعب دور الوساطة والالتزام بحل الدولتين وإحلال السلام الدائم في الشرق الأوسط.
هذه هي أبرز المواقف لكيانات العرب والمسلمين تجاه جرائم الاحتلال في غزة، وهي كما هو واضح لا ترقى إلى مُستوى الحدث، ولا تُحدث أي تأثير يُذكر في إيقاف الجرائم الوحشية لجيش كيان يهود كونها مُجرد أقوال تخلو من الأفعال والتهديدات الجدية.
فهذه المواقف المُخزية التي صدرت عن هؤلاء الحكام الخونة تتناقض بشكلٍ صارخ مع مواقف الشعوب العربية والإسلامية التي تتميّز غيظاً للقتال والدفاع عن الحُرمات والمُقدّسات، فالحكام وزُمرهم في واد والشعوب في وادٍ آخر، ولولا ثقة أمريكا والغرب في قدرة الحكام العملاء على الاستمرار بالقيام بوظيفة حراسة كيان يهود لما تجرّأ جيش يهود بالهجوم بهذا الشكل الهمجي على قطاع غزة، ولكنّهم يهجمون وهم مُطمئنون إلى كلاب حراستهم من القيام بوظيفتهم بشكلٍ جيد.
لقد حان الأوان لتنفض الشعوب الإسلامية عن كاهلها غبار الذل والخنوع، وتقوم بتحطيم عروش هؤلاء الحكام العملاء الجبناء، وحان لها أنْ تستند إلى قادة جيوشها المُخلصين ليقلبوا أنظمة حكمهم، ويُمكّنوا المُخلصين الواعين من أبناء هذه الأمّة من الحكم، وإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستستأصل كيان يهود من جذوره، وتقضي على جميع القوى الغربية التي تُسانده في بلاد المُسلمين.
رأيك في الموضوع