بقلم: الشيخ سعيد الكرمي
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.
لقد خص الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بأن جعلها أمة مسلمة مؤمنة، تؤمن بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً. فهي أمة ذات رسالة ومنهج قويم، وصاحبة نظام مهيمن وسيادة وسلطان، وقوامة على البشرية جمعاء، تجاهد في سبيل الله تعالى لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
من هذه المقدمة التمهيدية نرى أن الإسلام لا يقر المعاهدات التي تستباح فيها حرمات المسلمين ويعطل بها تطبيق شرع الله القويم، وتفتح باباً للأعداء للإغارة على بلاد المسلمين لنهب ثرواتهم وسفك دمائهم، حيث أبطل الإسلام كل معاهدة واتفاقية فيها مخالفة للقرآن والسنة. حيث قال ﷺ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ». وقال ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
من هذا يتبين لكل ذي عينين، أن ما يسمى بالأحلاف العسكرية أو السياسية باطلة من أساسها ولا تلزم الأمة بها حتى لو عقدها خليفة المسلمين، عدا عن أنها تقوم على إهانة الأمة بقصد إذلالها وتطويعها لبرامج الكفار المستعمرين حتى يتسلموا زمام أمورها، وهذا قطعا حرام شرعا، قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
إن الحلف في اللغة العربية يطلق على المعاقدة والمعاهدة والنصرة. وقد يراد به الإخاء أو الصداقة، يقال حالفه أي عاهده، وقال ابن منظور: ويطلق على الإخاء كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: «حَالَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِنَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً»، أي آخى بينهم لأنه «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ». أما التناصر والاستنصار فهي ألفاظ شرعية واجبة النفاذ والقيام بها من أصول الدين فلا تحتاج إلى تعاقد وتعاهد عليها لأن ﴿الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. فهذا الأمر لا يحتاج إلى تحالف بين المسلمين أنفسهم لأنهم أمة واحدة من دون الناس، وأما إذا كان هناك مسلمون یعیشون خارج الدولة الإسلامية وبيننا وبين تلك الدولة معاهدة مؤقتة على شرط عدم الاعتداء فقط أي وقف الحرب عن الناس مدة فيلتزم بالعهد إلى مدته ثم نبين لهم حتى نقيم الحق عليهم.
والأحلاف العسكرية اتفاق يعقد بين دولتين أو أكثر تجعل جيوشهما تقاتل مع بعضهما عدوا مشتركا بینهما، وتجعل المعلومات العسكرية والأدوات الحربية متبادلة بينهما على أعلى مستوى من التنسيق الاستخباراتي والأمني والمعلوماتي والقيام بالمناورات العسكرية والتدريب المشترك. وكل ذلك حرام قطعا لا يقبل الأخذ أو الرد. فالمسلم فردا كان أم جماعة أم حزباً أم دولة فهو مقيد بالحكم الشرعي.
وقال سبحانه في النهي الصريح عن تولي الذين غضب الله عليهم من اليهود والنصارى أو التحالف معهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ...﴾. ويحرم القتال تحت راية الكفار لأنها من أعظم صور الموالاة التي تتعارض مع عقيدة التوحيد. كذلك يحرم التحالف مع الكفار أو الاستعانة بهم حتى على أهل البغي فقال ﷺ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» وقال: «أَنَا لَا أَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ».
فالحلف عبارة عن التزام عقدي يبرم بين دولتين کاملتي السيادة على الدفاع المشترك في حال وقوع الاعتداء على إحداهما. وهناك أنواع في المعاهدات العسكرية أو السياسية تسمى معاهدات الحماية وتكون إما حماية اختيارية مثل الانتداب، أو حماية عسكرية بحيث يترتب عليها تنازل الدولة المحمية سواء بإرادتها أو رغما عنها عن جزء من سيادتها أو ثرواتها، بحيث تقوم الدولة الحامية بالإشراف على تنظيم العلاقات الخارجية للدولة المحمية فضلاً عن تعهدها بالدفاع عنها. وهذا شكل من أشكال الاستعمار وهو من التحالفات غير المتكافئة، تماماً كما هو حال الدول العربية. وكذلك اتفاقيات الدفاع التي أبرمتها فرنسا مع العديد من الدول الأفريقية بعد إعطائها استقلالها الاسمي، فقد حصلت فرنسا على حق الإبقاء على قوات عسكرية في تلك الدول وحق استخدام المطارات والموانئ بحجة تقديم المساعدة.
من ذلك كله نرى أن الأحلاف هي إحدى أدوات السياسة الخارجية للدول في التعامل مع الأعداء.
وهذه نماذج من التحالفات المعاصرة بين المسلمين وغيرهم؛ الحلف بين تركيا وكيان يهود الذي تأسس على أنقاض دولة الخلافة العثمانية عام 1949م وتم تأكيده عام 1958م، وكذلك حلف بغداد عام 1951م وذلك يوم أن صار المسلمون دولاً متعددة قومية وعرقية وطائفية، بعد أن جعلوا كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وراء ظهورهم، فعادوا إلى موروثات الجاهلية التي هدمها الإسلام فاتبعوا العلمانية والديمقراطية وأخذوا بأذناب البقر فخنعوا وخضعوا للكافر المستعمر، وتحالفوا معه على هدم الإسلام ومحاربة أحكامه، فقدموا له ثروات الأمة الإسلامية حتى يبقيهم في سدة الحكم، فتحالفوا معه وناصروه على إخوانهم المسلمين.
وخلاصة الكلام عن الأحلاف العسكرية والسياسية أن أمريكا رأس الكفر والشر والإرهاب في العالم، تريد تثبيت هيمنتها على الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي تعمل باستمرار على تعميق مشاركتها السياسية والعسكرية في المنطقة. وإن هذا الحلف الآثم المعادي للإسلام عقيدة وشريعة، ينفذ حُزماً من البرامج لبناء قدرات في المنطقة تكون رأس حربة متقدمة لضرب المشروع الوحيد الذي يجمع أمة الإسلام جميعها تحت قيادة حاكم واحد يحكمها بشرع الله تعالى.
فأمريكا تركز على العراق والأردن بعد أن دمرت الشام، وتسعى في موريتانيا وتونس ومصر والسودان وليبيا، وهي تدرس إمكانية إنشاء مكتب ارتباط لحلف الناتو في عمّان، وستوسع مهمة الحلف في العراق، وإن حلف الناتو يعتبر اليوم أخطر حلف عسكري على مصير البشرية جمعاء. فأمريكا تصر على تقوية هذا الحلف لتزيد من تهديدها في اندلاع الحروب والانقلابات المدمرة في العالم حتى تبسط نفوذها في كل مكان وتكون لها الهيمنة والسيطرة على كافة دول العالم. وإن أي مساعدة تقدَّم لأمريكا في تقوية هذا الحلف تعتبر جريمة كبرى في حق الإنسانية. وإن النزول على أحكام القانون الدولي والشرعة الدولية يعني إعطاء الولاء والطاعة لأحكام الطاغوت، وهذه الأحكام تعطل دين الله تعالى وتجرم الجهاد في سبيل الله، وتمنع نشر الإسلام والدعوة إليه وفق الطريقة الشرعية، ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. وقال ﷺ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» أي لا تلتقي نار المسلمين مع نار المشركين في الحرب ولا يقاتلون معا عدوا مشتركا.
فالأحلاف العسكرية مع الدول الكافرة حرام ولا تنعقد شرعا، ولا يحل للمسلم أن يسفك دمه في سبيل الدفاع عن الكافر الحربي، لأن المسلم يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام ويخرجوا من الكفر.
جاء في الحديث الشريف عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» رواه مسلم. فلا رأي لك غير حكم الإسلام ولا قول مع قول رسول الله ﷺ. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾.
رأيك في الموضوع