استفاق أهل المناطق المحررة في صبيحة الاثنين على زلزال قُدرت درجته 7.8 درجات على مقياس ريختر، ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا واستمر أكثر من دقيقة، مُخلفاً وراءه دماراً مرعباً بالإضافة لأعداد كبيرة جداً من القَتلى والجرحى والمفقودين تحت الأنقاض، حيث أفادت مصادر أن عدد من قُتل في الشمال المحرر قد ارتفع إلى 3 آلاف و637، وبلغ عدد المصابين 7216 وذلك حتى لحظة كتابة هذا المقال، والعدد قابل للزيادة بحسب مصادر وبحسب ما أفاد الدفاع المدني، الذي أعلن توقف البحث عن ناجين تحت الأنقاض، وذلك بعد مُضي ستة أيام. وحتى هذه اللحظة لم تصل أي مساعدات خارجية إلى شمال غرب سوريا لا لوجستية ولا غيرها.
لقد كشف الزلزال الذي حدث كغيره من الأحداث التي سبقته على مر سنوات الثورة كمية الحقد التي يحملها المجتمع الدولي وحكام الضرار للثورة وأهلها، وما تخفي صدورهم أكبر، ففي خضم الحدث يأتي قرار إغلاق المعابر، التي لطالما جاءتنا منها المصائب، ما منع وصول المساعدات التي قدمها المسلمون لمتضرري الزلزال، وكذلك كشف هذا الزلزال كيف سارعت أنظمة الضرار للتطبيع مع النظام المجرم مستغلين هذا الحدث الأليم، حقائق باتت معلومة لأهل الثورة وكانت مواقع التواصل الإلكتروني منبرهم للتعبير عنها.
أقل من دقيقتين كانت كفيلة لتظهر الكثير؛ فقد ذكرت الناس بقدرة الله على كل شيء وأظهرت رسوخ الإيمان في نفوس أهلنا في الشام من خلال طلبهم العون من الله وحده وصبرهم على مصابهم الكبير.
أقل من دقيقتين كانت كافية لكشف الكثير من الحقائق، لعل من أهمها خيرية الأمة التي عمل الغرب وأذنابه على طمسها عقودا طويلة، ولكن يأبى الله إلا أن يُظهرها، فما أظهرته الحاضنة خلال الأيام التي تلت الزلزال من تماسك وتكاتف وتعاضد كان كبيراً جداً.
لقد ظهرت خلال الأيام الماضية أفعال كثيرة تبعث في القلب فرحة وأملا كبيرين، وتظهر أن الأمة حيّة وأنها لا تزال كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
دقيقتان كانتا كافيتين لتكونا حدثا لإظهار الوجه الحقيقي للنظام التركي المتآمر، الذي أغلق الحدود ومنع وصول المساعدات، بل وكذب حين قال إن إغلاق الحدود كان نتيجة للضرر الذي وقع على الطريق، فقد دخلت جثامين المئات من أهلنا الذين قضوا تحت الأنقاض في تركيا، من تلك الطرق، فلقد كانت الطرق والحدود مفتوحة لأمر ومغلقة لأمر آخر، ناهيك عن قرار المنع الذي صدر منهم بمنع إدخال مساعدات وذلك عقابا لحاضنة الثورة التي رفضت توجه النظام التركي للمصالحة مع نظام الإجرام. موقف جديد نحمد الله سبحانه عليه حتى لا تبقى أعذار لمن تعلقت قلوبهم خلف الحدود ولمن كانوا يحملون لواء التطبيل للنظام التركي ولأفعاله التآمرية.
دقيقتان كانتا كفيلتين بإظهار حال حكومات الأمر الواقع التي كان جل اهتمامها على مر السنوات الماضية سلب الناس ونهبهم وسلخ جلودهم وفرض الضرائب والمكوس عليهم فحالها كان حال المتفرج، وظهرت حقيقتها تماماً، وكيف أنها ليست سوى مجسمات عاجزة عن أبسط الأمور، فقد كان همها زيارة مواقع الفاجعة والتقاط الصور!
وأما قادة المنظومة الفصائلية فقد استغلوا الظرف وبخاصة بعد أن وصلوا للحضيض وبدأت الحاضنة تلفظهم بعد أن كشفت دورهم الحقيقي في اللعبة القذرة التي تحيكها الدول تجاه الثورة، وأنهم مجرد أدوات لتنفيذ المقررات، هؤلاء شوهدوا في كثير من المواقع من حارم إلى جنديرس إلى غيرها في سعي منهم لإعادة تعويم أنفسهم مرة أخرى.
دقيقتان كانتا كفيلتين للكشف عن الوجه الحقيقي للمنظمات والدول، فالأمم المتحدة أوقفت مساعداتها ولم تدخلها، وقد جاء على لسان مسؤولة فيها الثلاثاء أي بعد يوم من حدوث الفاجعة "أن عملية نقل المساعدات العاجلة التي تقدمها المنظمة إلى شمال سوريا عبر تركيا تم تعليقها بشكل مؤقت"، أي حتى يتم التأكد أن الناس قد استنزفت تماما. وبعد كثير من الضغوط وبعد أيام دخلت المساعدات التي لم تكن سوى قوافل كان دخولها مُعلقا قبل حدوث الزلزال وكانت تحتوي على مواد تنظيف!
دقيقتان كانتا كافيتين لإظهار الانحطاط الذي تحمله المنظمات، فلقد شوهد أنها تعمل بحرفية عالية، ليس لمساعدة الناس، بل لاستغلال معاناتهم، وكان همّ الكثير منها السبق الإعلامي، ولو على حساب آلام الناس ومصائبهم، فترى حرصهم على تصوير مواقف وبثها حتى تستعملها في التسول مستغلة الكارثة، وتحت كذبة رفع المعاناة عن الناس.
أما رسالتنا إلى أهل ثورة الشام فنقول لهم: الحمد لله على نعمة الابتلاء، فالله سبحانه قد اختاركم من بين عباده لأمر عظيم تتجهزون له، ولأجل ذلك ترون الفتن والابتلاءات تتنزل عليكم تترى، فالصبر الصبر، فهذه سنة الله في خلقه، فإن رسول الله ﷺ أجاب عندما سئل "أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟"، قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». أخرجه الإمام أحمد وغيره، فاصبروا على أمر الله وترقبوا الخير الكثير القادم.
فلنكن على يقين من قدرة الله ونصره، فلقد حان الوقت للتمسك بحبل الله وحده وطلب العون منه والتزام أمره حتى نحقق أهدافنا وعلى رأسها إسقاط نظام الإجرام بدستوره وبكافة أركانه ورموزه، وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع