تحت عنوان "تطرف الشباب المسلم تحدّ كبير للأمة" عُقد في نيودلهي، في 23 من كانون الثاني ولغاية الـ26، مؤتمرٌ ضمّ مدراء ومفتشين عامين للشرطة، حضره رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ووزير داخلية الاتحاد أميت شاه، ومستشار الأمن القومي أجيت دوفال، وحوالي 350 من كبار ضباط الشرطة في البلاد، وتم تقديم دراسة وورقة عمل للمؤتمر تضمنت البحث فيما سُمّي "تطرف الشباب المسلم" واعتباره أحد التحديات الرئيسية للأمن القومي، واقترحت التوصيات استخدام زعماء المسلمين والعلماء المعتدلين لمواجهة ذلك، وادّعت الورقة أن صعود الأصولية الدينية في الهند يرجع في المقام الأول إلى مستوى عالٍ من التلقين الديني، وسهولة توافر وسائل الاتصال الحديثة بما في ذلك المشفرة، والإرهاب العابر للحدود، وتشجيع باكستان لهذه الجماعات المتطرفة، وذكرت أن العديد من المنظمات الإسلامية الراديكالية في الهند، والتي تنغمس في التطرف المنظم للشباب المسلم، لديها نزعة متأصلة في إفساد عقول المسلمين ودفعهم إلى طريق العنف، وطرحها يتعارض مع القيم الحديثة مثل الديمقراطية والعلمانية، ومن هذه الجماعات: (جماعة الحركة الطلابية الإسلامية في الهند (SIMI)، والوحدة الإسلامية، واتحاد الشباب الإسلامي، وحزب التحرير)، وأشارت الأوراق المقدمة إلى لزوم اتباع نهج متعدد الجوانب للتعامل مع المنظمات المتطرفة، بما في ذلك مراقبة الأنشطة السرية، وإنشاء قواعد بيانات مفصلة عن القادة والكيانات الأخرى ذات المصالح، وينبغي التأكيد على تحديد النقاط الساخنة للتطرف ومراقبتها، وإجراء تحليل مسبق لإمكانية قيام منظمة راديكالية تنشر التطرف وتشرك كوادرها في أعمال عنف، بالتالي يجب البدء في خطة العمل. (تايمز أوف إنديا).
يجب تذكير المؤتمِرين المتآمرين وعامة الناس أننا نقرأ ما بين السطور، ونفهم أن الذي ورد في تقرير رجال الأمن المقدم للمؤتمر، وإن كان ظاهره بحث مسألة مكافحة "الإرهاب والتطرف والعنف" عند الشباب المسلم، إلا أن مقصوده هو الحرب على الإسلام والمسلمين، في سياق الحرب التي شنتها أمريكا والدول الغربية الاستعمارية على الإسلام، وهو الحق الذي تتخوف منه الدول الرأسمالية التي تقتات الطغمة الحاكمة فيها ومن تعمل عندهم من شركات رأسمالية ومتنفذين، على ثروات الشعوب ومقدراتها، وعلى رأس هذه الدول أمريكا وحلفها الصليبي وأشياعها، ومنها الهند، لذلك كان استهداف الرأسمالية العالمية وأذرعها في مختلف دول العالم للإسلام هو خشية اهتداء الشعوب المسحوقة في ظل الرأسمالية، للإسلام الذي ينصفها، فتنقلب على هؤلاء الجشعين وتطالب بحكم الإسلام.
رغم أن الأحزاب السياسية المتنافسة على السلطة في الهند تستخدم الحملة الصليبية للحرب على الإسلام ورقة انتخابية إلا أنهم لا يعلمون أن الإسلام الذي يستهدفونه هو النظام الإنساني العادل، الذي يخرج الناس من ظلمات وجبروت الأنظمة التي وضعتها فئة قليلة من الرأسماليين لمصلحة النخبة في المجتمع، إلى عدل الإسلام الذي يساوي بين القوي والضعيف والغني والفقير والأبيض والأسود والأحمر والأصفر... الذي يوزع الثروات بين الناس بالعدل، وذلك بشهادة المنصفين من المفكرين غير المسلمين وكل من اطلع على عقيدة الإسلام وأحكامه. لذلك نرى أن المؤتمرين قد أضاعوا البوصلة وراحوا يستهدفون الخير بدلاً من الشر الذي دمّر البشرية وأشقاها، لذلك يجب عليهم هم وعامة الناس دراسة الإسلام بإنصاف وحيادية حتى يخرجوا بالفهم الصحيح عنه، وإننا ندرك أن مذاق الإسلام مُرٌّ في أفواه الرأسماليين، حلوٌ في فم كل صاحب عقل رشيد أو مظلوم ومضطهد، وهم أكثر أهل الهند، مسلمين وغير مسلمين.
كما أن الجماعات التي ذكرها المؤتمر وغيرها من الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها حزب التحرير، تعمل في الأمة ومعها لإحقاق الحق وإبطال باطل الأنظمة البشرية، وعلى رأسها النظام الرأسمالي، وهي تحمل الإسلام رسالة هدى ونور للبشرية، ولا يوجد بين هذه الجماعات أي "إرهابي" يستبيح دماء الناس الآمنين وأعراضهم، مسلمين وغير مسلمين، أو يستبيح ترويع الناس، فهم يعملون بقول رسول الله ﷺ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً»، كما أن الإرهاب والتطرف والعنف هو صنيعة الأنظمة الرأسمالية والأجهزة الأمنية في مختلف بلدان العالم، ومنها النظام في الهند وأجهزته الأمنية، التي عمدت إلى لصق تهم العنف ببعض الجماعات الإسلامية زوراً وبهتاناً من أجل شيطنة الإسلام وأهله، حتى يتمكنوا من ممارسة اضطهادهم للمسلمين العاملين لخير البشرية، وإنها لمحاولة يائسة منهم لتأخير نهوض الأمة الإسلامية وقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي ستضرب المثل المشرق للبشرية، بالحكم بما أنزل الله وبما فيه مصلحة الناس جميعا، فتسقط الأقنعة الزائفة عن وجه النظام الرأسمالي وتسقط ورقة التوت التي ظلت تواري سوأته هو والقائمين عليه والمنتفعين من فساده، فيدخل الناس في دين الله أفواجاً.
إن القيم الرأسمالية العلمانية التي يرفضها الشباب المسلم التي تحدثت عنها توصيات المؤتمر، هي قيم حطت بالبشرية إلى أسفل سافلين، فالقيمة المادية التي يقدّسها الرأسماليون حوّلت أكثر الشعوب ومنها شعب الهند إلى شعوب فقيرة على الرغم من غنى بلادها، والحريات التي يتشدقون بها حوّلت المجتمعات إلى مجتمعات بهيمية، يعاشر فيها الرجلُ محارمَه والرجلُ الرجلَ والمرأةُ المرأةَ، ويعاشر فيها الإنسان الحيوان ويعاشره الحيوان... ففككت المجتمع وجعلت الناس ينظرون إلى تشكيل عائلة مستقرة ومترابطة رجعية وتخلف، والعيش ببهيمية عصرية وتَحضّراً! وبهذه القيم العنصرية التي أصبحت نعرة يفتخر بها كثير من السياسيين ويتبنّونها شعاراً وأجندة لأحزابهم السياسية، وصل كثير منها إلى سدة الحكم ومنها حزب بهاراتيا جاناتا العنصري في الهند، وما الوثائقيات التي نشرتها قناة بي بي سي مؤخرا عن قيادة مودي لمجزرة مسجد بابري في جوجرات، ضاربة عرض الحائط بأحد القيم التي يتشدق بها العلمانيون وهي حرية الرأي، إلا مثال على ذلك، كما أن القيم التي يتحدثون عنها أباحت للأجهزة الأمنية التجسس والتنصت على الرجل وزوجه وعلى المراسلات بين الأخ وأخيه، بحجة الحفاظ على الأمن، بينما هو حقيقة للحفاظ على النظام والطغمة الرأسمالية الفاسدة. هل هذه القيم قيم رفيعة يناضل الإنسان للحفاظ عليها، أم قيم منحطة يجب عليه نبذها؟! يجب على كل متزن في الفكر أن ينبذ هذا النظام وهذه القيم المنحطة، تماماً كما يفعل الشباب المسلم الذي عُقد المؤتمر لملاحقتهم والتحذير من حكمتهم واتزان تفكيرهم، ومحاسبة مودي والفاسدين أمثاله.
إن الصراع بين الحق (الإسلام) والباطل (الرأسمالية) سيظل قائما، حتى ينتصر الحق على الباطل، وهو كائن قريباً بإذن الله، وقد باتت الشعوب تتلمس سبيل خلاصها من ضيق الرأسمالية التي أثبتت فشلها وفسادها، وإننا على يقين أن المسألة مسألة وقت حتى تهتدي البشرية إلى سعة الإسلام وعدله، ولكن الحكيم والمخلص لنفسه ولأهله ولشعبه هو الذي يسارع إلى الدخول في الإسلام، شعوباً وقبائل ودولاً، وينفضّ عن الرأسمالية ودهاقنتها، فينجي نفسه وأهله وشعبه من عنت الأنظمة البشرية، ويرضي خالقه الذي أعدّ له جنة عرضها السماوات والأرض، فلا يكون ممن توعده الله بنار جهنم والضنك في الحياة الدنيا، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾.
رأيك في الموضوع