(مترجم)
في 7 من شباط/فبراير 2023م، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابَه السّنوي عن حالة الاتحاد، والذي يمكننا من خلاله التأكيد على أهل القوة والمنعة في البلاد الإسلامية بما يلي:
- إنّ على القيادات في الأمة الإسلامية متابعةَ ودراسة المواقف تجاه التطورات والأحداث والعناوين الرئيسية فيما يتعلق بالموقف الدولي بشكل مستمر.
- إنّ دين الإسلام دين عالمي يجب فرض وجوده على العالم، فقد وعد الرسول ﷺ صحبه بعرش كسرى ونفوذه قبل قيام الدولة الإسلامية، ثم اتّخذ خليفته أبو بكر رضي الله عنه موقفَ صراع مع أكبر دولتين في العالم وقتها وهما فارس والروم تأسيّاً بموقف نبي الله عليه الصلاة والسلام.
- إنّ رؤية أهل القوة والمنعة رؤية عالمية تسبق الدعوة إلى الإسلام، والجهاد هو الطريقة الشرعية لإزالة العراقيل المادية في طريق تطبيق الإسلام.
بعد ذلك، فإن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بايدن يفصح عن وقائع يمكننا الاستفادة منها واستغلالها لصالح أمتنا، وهي:
الحقيقة الأولى: الصراع بين أمريكا والصين
على النقيض من خطاب حالة الاتحاد العام الماضي، فقد قلّ تركيز خطاب بايدن هذا العام على ملف الصين، وتعليقاً على إسقاط المنطاد الصيني، قال بايدن: "كما أوضحنا الأسبوع الماضي، إذا هدّدت الصين سيادتنا فسنقوم بحماية بلدنا، وقد فعلنا ذلك"، مؤكداً للناخبين الأمريكيين موقفَه الحازم في المسرح العالمي. كما أشار بايدن إلى التقدم في احتواء عدوان الصين داخل منطقتها، حيث دعمت نهوض الهند كمنافس للصين، ودفعت اليابان إلى طريق التسلح العدواني، وعزّزت موقف تايوان العدائي تجاه الصين.
من هنا يمكن لأهل القوة والمنعة في البلاد الإسلامية ملاحظة أن انسحاب أمريكا من بلادنا كان للتركيز على مواجهة الصين، وفي حين كان عملاؤها في بلادنا مطالبين بـفعل المزيد في سبيل تحقيق غاياتها في المنطقة مقابل دعمٍ ماديّ منها، وتطالب أمريكا الآن بفعل المزيد على حساب البلاد الإسلامية نفسها.
والحقيقة التي يجب على أهل القوة والمنعة في باكستان على وجه الخصوص التنبّه إليها هي دعم أمريكا للهند بشكل كبير وغير مسبوق، من أجل زيادة سيطرة الهند في المنطقة، على حساب تقليص نفوذ باكستان بالطبع، وذلك بتوريط باكستان في صراع فتنة مع طالبان في أفغانستان، والحقيقة الآكدة هي أن التحالف المستمر لباكستان مع أمريكا لن يجلب لها إلا مزيداً من الضرر.
الحقيقة الثانية: الأزمة الاقتصادية الأمريكية ونتائجها
خلال انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي - أو وشوكه على الانهيار - حاول بايدن طمأنة ناخبيه بتطوّرات إيجابية على الجبهة الاقتصادية، لكن في خطابه هذا العام أشار إلى عجزه، قائلاً: "قبل عامين، كان اقتصادنا يترنح" لكنه حقيقةً لا يزال يترنح، ولا يزال الرأي العام في أمريكا سلبياً، حيث يشكّل الاقتصاد مصدر قلق رئيسي، وبشكل عام، فإن 75٪ من الأمريكيين يعتقدون بأنّ تعزيز الاقتصاد يجب أن يكون أولوية قصوى هذا العام، وفقاً لاستطلاع رأي جديد لمركز بيو للأبحاث أُجري في الفترة ما بين 18-24 كانون الثاني/يناير 2023م، حيث يعتبر 60٪ من الأمريكيين خفضَ تكاليف الرعاية الصحية قضية أولى، بينما يعتبر 49٪ توفيرَ فرص العمل أولوية، ويزداد رأي الشارع الأمريكي سلبية تجاه الظروف الاقتصادية الوطنية، بينما 21٪ فقط من الأمريكيين قيّموا الظروف الاقتصادية بأنها ممتازة أو جيدة.
من هنا يمكن لأهل القوة والمنعة في بلادنا الخلوص إلى استنتاج لصالحهم، وهو أن أمريكا تجد نفسها في وضع اقتصادي هشّ، لا تستطيع فيه الإنفاق لتحقيق مصالحها فيها كما كانت في السابق، واعتماد أمريكا الحاليّ مرتكز على الأنظمة المحلية في بلاد المسلمين، التي تنفق بدورها من جيوب المسلمين، غاضّة الطرف عن تصاعد وتيرة الاحتقان في الشارع الإسلامي لفشلها الاقتصادي، ولن تنقذها حتى أمريكا، فقد أصبح حنق الناس على الحكام أشدّ من خوفهم من طغيان أذرعهم الوحشية. في هذه الحال، فإن الأنظمة الحالية هي بين أمرين؛ إما البطش الذي يرفع مستوى الغضب، وإما ترك الناس وشأنهم، ما يفسح المجال أمامهم لتحقيق تغيير جذري.
الحقيقة الثالثة: التشرذم السياسي الأمريكي
ذكر بايدن الانقسام العميق بين الحزبين الرئيسيين في أمريكا (الجمهوري والديمقراطي)، لكنه صوره وكأن الأمر أصبح وراءه، فقال: "غالباً ما يقال لنا إنّ الديمقراطيين والجمهوريين لا يمكنهم العمل معاً"، بينما أضاف: "اجتمع الديمقراطيون والجمهوريون معاً". إن اعتراف بايدن بأن الوسط السياسي الأمريكي منقسم بشدة على أسس حزبية سيؤدي إلى ضعف في اتخاذ القرارات، حتى تلك المتعلقة بالبلاد الإسلامية.
وعلى الجبهة المحلية، قامت الولايات الأمريكية التي يسيطر عليها الديمقراطيون بتشريع قوانين ضد شركات النفط، بينما أدرجت ولايات يسيطر عليها الجمهوريون مثل تكساس الشركات الصناعية الخضراء في قائمتها السوداء، فضمنت الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون انتشار ثقافة مناهضة للهجرة والمهاجرين، لتحريض الناخبين الأمريكيين البيض، بينما تنشر الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون ثقافة الترحيب بالمهاجرين، لتعزيز ناخبيهم المؤيدين للهجرة، ويستمر الصراع العميق بين الحزبين حول الحق في حمل السلاح والإجهاض.
وفي المسائل الخارجية، يعيق الانقسام عملية اتخاذ القرار في أمريكا، فمثلاً في السابق، قوّضت اتصالات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري الديمقراطي أساليب الضغط التي تقوم بها إدارة ترامب ضد إيران، ودفع الجمهوريون السعودية لخفض إنتاج النفط، ما أضعف ضغط إدارة بايدن على روسيا.
ومن هنا فإن الواقع الذي يمكن لأهل القوة والمنعة في البلاد الإسلامية استغلاله هو أن تأثير أمريكا عالمياً يتقلص بسبب الصراع بين الحزبين، ليترك فراغاً سياسيا في بلادنا، لكنّ الوسط السياسيّ الحالي في بلادنا لا يستطيع ملء هذا الفراغ السياسي الواسع، فالحكام والسياسيون الحاليون مقلدون عمي للنظام الاقتصادي والسياسي الغربي وغير قادرين على الاستقلال فكرياً، وهذا هو سبب فشلهم، وهو ما يجعلهم معزولين وفي حيرة من أمرهم في هذه الأيام الصعبة، فقد تخلّت أمريكا عنهم عندما أحاطت بهم الأزمات من كل جانب. فوق ذلك، فإن المعالجات الغربية للمشاكل، التي يؤمن بها الرأسماليون، تزيد الأوضاع تردّياً، وأنهم بحاجة إلى حلول جديدة انقلابية، لكنّ مصالحهم الشخصية ماكنة في النظام المستعمر الحالي، تمنعهم من التفكير أو التدبر، على الأقل في الحلول التي تحدث تغييراً حقيقياً. لذلك يتعين استغلال هذا الفراغ لإحداث تغيير حقيقي في البلاد الإسلامية.
ليتأمل أهل القوة والمنعة هذه الحقائق الثلاث بعناية. واضح أن أمريكا أضعف من ذي قبل وكذلك حكام المسلمين، وأن هناك فراغاً في القيادة حالياً لا يمكن ملؤه إلا من جيل جديد من السياسيين لا يكونون تابعين لأمريكا المريضة، بل يريدون لدينهم أن يعلو ولا يعلى عليه، ويعتبرون السياسة رعاية لشؤون الأمة الإسلامية داخلياً وخارجياً بالأحكام الشرعية، وإنهم لقادرون على إنقاذ العالم كله من السقوط في الحفرة العميقة التي حفرتها أمريكا بجشعها وغطرستها.
إذا تعلم أهل القوة والمنعة الدرس من خطاب بايدن، فسيسحبون دعمهم من الوسط السياسي الفاشل القائم، تهيئة لوسط سياسي جديد، ستوجده الخلافة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله، ويومئذ تعود الأمة الإسلامية إلى مجدها، وينكشف ضعف الدول التي تسمى بقوى العالم الكبرى، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون﴾.
بقلم: الأستاذ مصعب عمير – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع