إن أزمة الطاقة هذا الشتاء كانت أشد خطورة على أهل أوزبيكستان مما كانت عليه في السنوات السابقة. فبسبب انقطاع الكهرباء والغاز في برد الشتاء القارس يعاني الناس في كافة المناطق بمن فيهم أهل العاصمة طشقند بشكل كبير. الوضع في المستشفيات وحتى مستشفيات الولادة الوضع صعب. كانت هناك تقارير عن أطفال يتحول لونهم إلى اللون الأزرق من البرد. وكانت هناك أيضاً تقارير على وسائل التواصل تفيد بأن الناس يموتون من التسمم بأول أكسيد الكربون. وبسبب نقص الغاز والكهرباء يعاني الناس أيضاً من خسائر مادية، فمثلا نفقت 32000 دجاجة من البرد في مزرعة لأحد رواد الأعمال في ولاية نامانجان.
أزمة الطاقة في أوزبيكستان لم تظهر اليوم أو بالأمس، فهي موجودة منذ فترة طويلة. لقد عانى الناس من هذه المشكلة في أيام الطاغية كريموف أيضا، لكنهم لم يتمكنوا من الاحتجاج لأنهم كانوا خائفين من بطشه. وبعد هلاكه بدأ الناس يعبرون علانية عن استيائهم واضطرت الحكومة إلى الاعتراف رسمياً بوجود الأزمة ولكن بعد فوات الأوان.
يشير المسؤولون إلى زيادة الطلب على الطاقة كأحد الأسباب الرئيسية للمشكلة، فهل هذا صحيح حقا؟ دعنا ننتقل إلى الحقائق. فمثلا وفقاً للمعلومات الموجودة على موقع إحصاءات الدولة إذا تجاوز استهلاك الغاز عام 2000، 51 ملياراً فقد بلغ عام 2020 ما يزيد قليلاً عن 46 مليار متر مكعب. وكتبت بلومبيرج أنه في عام 2019 وصل الطلب المحلي على الغاز في البلاد إلى 40 مليار متر مكعب. وكتبت بي بي سي في 15/12/2022 أن 3.8 مليار متر مكعب من الغاز تشكل 25٪ من احتياجات سكان أوزبيكستان. تظهر هذه الأرقام أن الاستهلاك قد انخفض. صحيح، وفقاً لمنظمة أوبك أنتجت أوزبيكستان عام 2021، 46.4 مليار متر مكعب من الغاز. لكن هذه المعلومات غير موثوقة. لأن المعلومات عن قطاع الطاقة في أوزبيكستان لا يمكن الاعتماد عليها. بالإضافة إلى ذلك تشير البيانات الداخلية إلى أنه يتم إنتاج 60 مليار متر مكعب من الغاز. ووفقاً لبلومبيرغ في 24/3/2022 تخطط أوزبيكستان لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 20٪ بحلول نهاية العقد لكنها تحتفظ بمعظم الغاز الإضافي للاستهلاك الداخلي. وقال النائب الأول لوزير الطاقة أ. أحمد خوجييف إنه إذا تم إنتاج 53.6 مليار متر مكعب من الغاز عام 2021، فإن إنتاج الغاز عام 2030 سيرتفع بمقدار 66.1 مليار متر مكعب.
أما بالنسبة للكهرباء وبحسب فيديو الرسوم المتحركة لوزارة الطاقة فقد تم في عام 2021 إنتاج 72 مليار كيلوواط ساعة من الكهرباء واستهلاك الناس كان 16.2 مليار كيلوواط ساعة، إذن أين ذهبت كل الكهرباء المتبقية؟ وعليه فالكهرباء كافية أيضاً لاحتياجات الشعب، فما هي المشكلة إذن؟!
من المعروف أن أوزبيكستان بلد غني بالمعادن الجوفية والسطحية. صرح الرئيس ميرزياييف بنفسه من على المنبر: "لدينا غاز، لدينا ذهب، لدينا يورانيوم، لدينا قطن، لدينا فواكه وخضروات..." إذن أين تذهب كل هذه الثروات؟ على سبيل المثال وفقاً للجنة الإحصاءات الحكومية باعت أوزبيكستان ما قيمته 4.9 مليار دولار من الذهب عام 2019 و5.8 مليار دولار عام 2020 و4.1 مليار دولار عام 2021 و4.25 مليار دولار عام 2022. فأين تذهب كل هذه الثروة؟! الجواب هو أنها انتقلت إلى أيدي الدول الكافرة الاستعمارية. ففي مقابلة مع Kun.uz أكد نائب وزير المالية السابق عبد الله عبد القديروف أن الشركات الروسية تسيطر على واردات وصادرات الغاز في أوزبيكستان قائلا: "لسوء الحظ فإن الحقائق هي أن غازبروم والشركات التابعة لها اليوم تتحكم في كل من واردات وصادرات غاز أوزبيكستان لصالح القوى الخارجية. حتى أنها تتحكم في صادراتنا إلى الصين. تحدد السعر وإذا لزم الأمر تحدد الحجم أيضاً. وتحدد الاستيراد أيضا. نتلقى الغاز من تركمانستان عبر شركة كروديكس، يتم تحديد سعرها وحجمها أيضاً من طرفهم". وعلاوة على ذلك فإن شركة لوك أويل الروسية التي تنتج الغاز في أوزبيكستان أثقلت أيضاً كاهل أوزبيكستان بديون تبلغ 600 مليون دولار، هذا ما قاله الرئيس ميرزياييف في خطابه في مجلس الشيوخ.
كسبب آخر للأزمة في قطاع النفط والغاز والطاقة تشير سلطات أوزبيكستان إلى نقص تحديث هذا القطاع وقدم المعدات، ومع ذلك يقال إن مليارات القروض الخارجية قد أنفقت على هذا القطاع؛ على سبيل المثال وفقاً لإحصاءات نشرها البنك المركزي اعتباراً من 30/6/2021 بلغ إجمالي الدين الخارجي 43.3 مليار دولار، منها 4.4 مليار أنفقت على قطاعي النفط والغاز والطاقة. ومع ذلك ليس هناك شك في أن معظم هذه الأموال اختلست من خلال مخططات الفساد. وليس سراً أن الناس يدفعون من جيوبهم بدءاً من مد خطوط الغاز والكهرباء وللإصلاحات أيضا.
وعودة إلى قضية الديون، فقد قيل إن دين أوزبيكستان الخارجي في عام 2022 اقترب من 40 مليار دولار، وهذا يعني أنه في رقبة كل طفل يولد هناك دين بمقدار 1100 دولار بالإضافة إلى الربا! وحسب معلومات في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بلغت ديون أوزبيكستان للصين وحدها 4.2 مليار دولار. والدول المستعمرة بما في ذلك الصين أيضا تقدم قروضاً ربوية. وهذا يعني أن هذه الديون تتزايد كل عام ويصبح من المستحيل سدادها. سيكون من المستحيل دفع الربا ناهيك عن الديون. ونتيجة لذلك يحصل هؤلاء المستعمرون على النفط والغاز ومواردنا الأخرى مجاناً على حساب تلك الديون وعوائدها. على سبيل المثال وفقاً لتاس "بالإشارة إلى إدارة الجمارك الصينية سلمت أوزبيكستان 1.07 مليار دولار من الغاز إلى الصين عام 2022"، وهذه بالطبع معلومات رسمية، وما خفي أعظم!
كما لو أن هذه المبالغ الطائلة من الديون لا تكفي فتخطط أوزبيكستان لاقتراض 4.3 مليار دولار أخرى في عام 2023، حيث صرح بذلك وزير المالية تيمور إيشميتوف في المعلومات المقدمة إلى المجلس التشريعي بشأن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023.
هذه الأزمة في أوزبيكستان هي نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي المطبّق، فالرأسمالية دائما حبلى بالأزمات. والدول الاستعمارية بقيادة أمريكا التي تفرض على العالم سياسة "العالم أحادي القطب" أغرقت العالم ومن ضمنه أوزبيكستان في مستنقع الرأسمالية.
لقد كشفت الأزمة المتفاقمة في قطاع الطاقة مرة أخرى عدم صلاحية نظام الحكم العلماني في أوزبيكستان. وأولئك الذين هم على رأس هذا النظام لا يهتمون على الإطلاق بمحنة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. بل هم منشغلون بزيادة ثرواتهم؛ لذلك يجب على أهل أوزبيكستان المسلمين الإطاحة بهذا النظام والعمل مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ففيها عزتهم وكرامتهم. توفر دولة الخلافة لكافة رعاياها الكهرباء والغاز وغيرها من موارد الطاقة، عملا بهدي رسول الله ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ» رواه أحمد وأبو داود.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوزبيكستان
رأيك في الموضوع