تعتبر الكثير من المنظمات والجمعيات التي دخلت على خط ثورة الشام بمختلف أشكالها ومسمياتها وانتماءاتها بما فيها المنظمات غير الحكومية؛ إحدى السلطات الفاعلة والمؤثرة على مجرى حياة أهل الشام الثائرين، وإحدى الجهات التي ساهمت في صياغة حياتهم وصبغها بألوان مختلفة، فكان لها دور كبير في تقييد أهل الشام وتخديرهم والمساعدة في تكميم أفواههم والتسلط عليهم؛ عن طريق ما يسمى سلة الإغاثة والمبالغ النقدية التي تقدمها بين الحين والآخر، والتي تعتبر بمثابة مخدر خدّر الكثير من الناشطين؛ ناهيك عن عامة أهل الشام، ووسيلة ضغط وابتزاز رخيصة لشراء المواقف، حيث أصبح الكثير من الناس يخشون قول كلمة الحق؛ أو اتخاذ مواقف صادقة مخافة قطع المساعدات عنهم وحرمانهم من المعونات، فكان ذلك ضغثا على إبالة وحالة أخرى من حالات الخوف التي تضاف إلى حالة الخوف التي عملت قيادات الفصائل على زرعها بين الناس عن طريق القمع والتسلط والملاحقة والاعتقال والقتل.
لقد شكل اقتلاع حاضنة الثورة من قراها وبلداتها وتهجير الناس من مختلف مناطقهم إلى الشمال السوري؛ وحشرهم في سجن كبير ضمن مخيمات النزوح، حالة من عدم الاستقرار، وخلق حالة من الضياع والتشتت، فبعد أن كان جل تفكير الناس في كيفية إسقاط النظام والتخلص منه؛ أصبحوا يفكرون كيف يتدبرون أمورهم المعيشية لتأمين حاجاتهم الأساسية من مسكن ومأكل وملبس، وهنا جاء دور ما يسمى بالمنظمات الإغاثية، حيث عملت هذه المنظمات على إنشاء المخيمات المؤقتة؛ وتقديم المعونات وسلل الإغاثة، ثم ما لبثت أن بدأت بعملية إحصاء لكافة الموارد البشرية والحيوانية والاقتصادية، ناهيك عن سيطرتها على غالبية القطاعات الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها، وعملت سبرا لكل شيء، حتى باتت تستطيع أن تحصي على الناس أنفاسهم بكامل رضاهم في أكبر عملية تجسس جماعي تعجز عنها الكثير من شبكات التجسس في العالم، ثم حولت المخيمات المؤقتة إلى مخيمات شبه دائمة في خطة تشبه إلى حد كبير ما حصل مع أهلنا المهجرين في فلسطين الذين ضاع أملهم في العودة مع أول حجر تم بناؤه في مخيمات نزوحهم.
لقد كان تقديم المساعدات بمثابة صمام الأمان الذي يمنع الناس من الانفجار والتفكير الجدي بالتغيير، وإسفينا يزيد من الشروخ الطبقية والاقتصادية بين الناس، حيث يعتبر حجم المساعدات المقدمة محدودة ولا تشمل جميع المحتاجين الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان ما يسمى المناطق المحررة، وخاصة مع عِظم عملية التهجير التي حصلت، مما خلق نوعا من الصراع الخفي حتى بين العائلة الواحدة للحصول على المساعدات، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين الأهل نتيجة عدم تغطية الاحتياجات بالشكل المطلوب والكافي، وإذا أضفنا إليها فساد القائمين على المنظمات بمختلف مواقعهم؛ زاد ذلك الطين بلة، وزاد الشرخ اتساعا، وساعد الفاسدين الذين انتقتهم سلطات الأمر الواقع بعناية لفرض سيطرتهم على الناس.
لقد لعبت المنظمات والجمعيات دورا مكملا لدور ما يسمى الدول الداعمة، ولعبت المساعدات والمعونات المقدمة من المنظمات والجمعيات لعامة الناس دورا مكملا لدور المال السياسي القذر المقدم من الدول الداعمة لقيادات الفصائل والقوى العسكرية التي حملت على عاتقها يوما ما إسقاط النظام، حيث تولت الدول الداعمة ربط قادات الفصائل بها ومصادرة قراراتهم وسلب إرادتهم في التغيير وتقييد أعمالهم وإحصاء أعداد مقاتليهم وكمية أسلحتهم ونوعها وأماكن مستودعات الذخيرة، وتحويلهم إلى أدوات بيدها للقمع والتسلط على رقاب الناس لتحقيق سياساتها بعد أن كانوا أمل أهلهم وحاضنتهم ومعاول بيدهم لهدم نظام طاغية الشام وإسقاطه.
في حين كانت المنظمات أداة ساعدت في ربط الحاضنة الشعبية وتقييد عامة الناس وسلب إرادتهم ووسيلة ضغط عليهم للسير في سياسات الدول وحلولهم السياسية القذرة.
يجب على أهلنا في الشام أن يدركوا أن الوقوف في منتصف الطريق مهلكة، وأن أنصاف الثورات مقتلة، وأنه لا بد لهم من إكمال ثورتهم حتى إسقاط النظام المجرم بدستوره وكافة أشكاله ورموزه، وأن أي اعتماد على الغرب الكافر وأدواته هو انتحار سياسي، فمن خرج في ثورة وقدم الغالي والنفيس لا يصح أن يسكته رغيف خبز أو سلة إغاثة ولا يصح أن يشغله عن هدفه شاغل.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع