لا شك أن الحديث عن خطط الغرب الكافر وأساليبه وأدواته التي يستخدمها للقضاء على ثورة الشام يجب أن يحتل مركز الصدارة بين باقي المواضيع، ويتطلب المداومة على ذكره والتذكير به بين الحين والآخر؛ حتى يبقى حاضراً في الأذهان، وتبقى الخطط والأساليب والأدوات مكشوفة لأهل الشام وهم يعملون على تغيير واقعهم، ويسيرون في طريق تحررهم من نير الاستعمار بكافة أشكاله.
لقد كانت خطة أمريكا المتعلقة بثورة الشام، ولا زالت، تقوم على فكرة أساسية، وهي القضاء عليها وإعادة أهلها إلى سيطرة عميلها طاغية الشام أو أي عميل آخر ترتضيه، بحيث يكون قادراً على تحقيق مصالحها. هذا من حيث الخطة، أما من حيث طريقة التنفيذ فقد جعلت الحل السياسي طريقة وحيدة لما أسمته حل الأزمة السورية وطريقة لتنفيذ هذه الخطة، كما استخدمت المؤتمرات الدولية "جنيف وأستانة وسوتشي وملحقاتها" كأحد الأساليب المعتمدة لكسب الوقت ريثما تُنَفِّذ أهدافها من جهة، ولإضفاء الشرعية الدولية على أعمالها من جهة أخرى، وجعلت من الدور الروسي والدور التركي والدور الإيراني في سوريا أدوات أساسية رئيسية تستخدمها في تنفيذ أساليبها ومخططاتها. كما أضافت أدوات صغيرة في الداخل تمثلت بالمنظومة الفصائلية وقياداتها المرتبطة بعد أن استخدمت أسلوب الاختراق والدعم بالمال والسلاح الخفيف والمتوسط لقيادات الفصائل، وذلك لخداعها والسيطرة عليها ومصادرة قرارها وسلب إرادتها، لجعلها أداة بيدها تنفذ بها أساليبها الخبيثة، وهذا ما مكنها من فرض الهدن على المناطق التي خسرها عميلها طاغية الشام، ومن ثم استعادتها الواحدة تلو الأخرى.
وأيضا المنظومة السياسية، فصنعت ما تسمى "المعارضة" لإشراكها في المفاوضات وذلك لإضفاء الشرعية على حلها السياسي الخبيث وجعلها شاهد زور على تصفية الثورة.
كما صنعت اللجان المختلفة كلجنة المفاوضات واللجنة الدستورية التي هي الأداة لصياغة دستور مفصل على مقاسها يضمن لها مصالحها ويقصي الإسلام عن حياة المسلمين في الدولة والمجتمع.
وهكذا أصبح من زعم أنه يمثل القيادة السياسية للثورة ومن يمثل القيادة العسكرية ومن يرسم مستقبل أهل الشام، أصبحوا أدوات لتنفيذ الأساليب والخطط السياسية للغرب الكافر.
وعملت أمريكا من أجل تنفيذ سياساتها على محورين؛ المحور الأول: دعم عميلها نظام أسد حفاظا عليه ومنعه من السقوط، والمحور الثاني: إضعاف الثورة واحتواؤها والسيطرة عليها تمهيدا للقضاء عليها وإعادة أهلها لحظيرة عميلها طاغية الشام، بعد أن تظاهرت بوقوفها ضده ودعم الثورة، وذلك لتضليل أهل الشام وخداعهم وليسهل عليها تنفيذ خططها.
وبعد تبيان الأدوات يمكن تلخيص سياسة أمريكا ومكرها ضد ثورة الشام كالتالي:
- تدويل قضية الثورة فكان مؤتمر جنيف١ سنة ٢٠١٢م، ثم استمرت بعرض سلسلة حلقاته.
- إدخال مرتزقة إيران وحزبها في لبنان لملء الفراغ الذي أحدثه انشقاق الضباط والعناصر والتحاقهم بالثورة.
- إدخال روسيا سنة ٢٠١٥م واستخدامها كأداة قمع وعصاً غليظة لقتل أهل الشام وتشريدهم وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم.
- حصر كل من ثار على عميلها ضمن سجن كبير في أقصى الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي لسوريا بعيداً عن العاصمة دمشق.
- إشراك إيران وتركيا لضبط إيقاع روسيا وتحجيم أطماعها، فكان دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية في أواخر شهر آب سنة ٢٠١٦م.
- تسليط قيادات الفصائل المرتبطة على ما تبقى من المناطق المحررة بعد أن وضعتها تحت إشراف النظام التركي وذلك لتبريدها وقتل روح الثورة في نفوس أهلها عن طريق هذه القيادات المرتبطة، وذلك بالضغط على الثائرين وكسر إرادتهم تمهيداً للحل السياسي الخبيث، وهذا ما دفع قيادات الفصائل لمزيد من الارتماء في أحضان مخابرات الدول الداعمة، ولمزيد من التنازلات وتغيير الجلود، لأنهم فقدوا حاضنتهم واستندوا في قوتهم إلى تلك الدول بدل أن يستندوا في قوتهم إلى حاضنتهم.
هذا ما عملت وتعمل عليه أمريكا للقضاء على ثورة الشام لتطبيق حلها السياسي الخبيث وفرضه على أهل الشام، ولتضمن بذلك إبقاء سيطرتها على أرض الشام واستعمارها.
وبذلك يتضح أن الدولة الفاعلة والمتحكمة في ملف الثورة السورية هي أمريكا بلا منازع، ويتضح أن حلها السياسي الخبيث لا يعدو سوى عملية تغيير في الشكل مع الحفاظ على المضمون، حلاً يضمن لها مصالحها على حساب مصالح أهل الشام الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل التحرر من عميلها، حلاً تضيع فيه تضحيات أهل الشام ويستبعد فيه الإسلام عن حياة المسلمين في الدولة والمجتمع.
يجب أن يدرك أهل الشام أن المنظومة الفصائلية بدورها الحالي وقرارها المصادر هي أداة صغيرة من أدوات الغرب الكافر للسيطرة على ثورة الشام واحتوائها تمهيداً للقضاء عليها وإعادتها لحضن النظام، وسيتم التخلص منها بعد تحقيق مهمتها، وهذه المنظومة بواقعها الحالي هي أول عقبة تقف حائلاً أمام أهل الشام وتقيّد أعمالهم وتمنعهم من التحرك، فإذا أرادوا أن يتحركوا فقد وجب عليهم التحرك خارج إطار المنظومة الفصائلية المرتبطة، والعمل على تغيير دورها التسلطي؛ وهي بهذا الواقع لن تحقق نصرا ولا يجوز لأهل الشام أن يربطوا مصير ثورتهم بها، لأنها منظومة مسلوبة القرار مرهونة لما تسمى الدول الداعمة.
كما يجب على أهل الشام أن يدركوا أن المنظومة السياسية التي صنعها الغرب الكافر وزعم أنها تمثل أهل الشام وصدّرها على أنها قيادة سياسية لهم، هي عبارة عن أداة بيده لتصفية الثورة عن طريق المفاوضات والتسويات، وبناء عليه وجب عليهم أن يتخذوا قيادة سياسية واعية ومخلصة خارج إطار هذه المنظومة السياسية، وأن لا ينتظروا منها حلاً يحقق آمالهم ويشفي آلامهم، وأن لا يربطوا مصير ثورتهم بها لأنها منظومة سياسية مرتبطة بسياسات الدول المحاربة للإسلام وأهله.
كما يجب على أهل الشام أن يدركوا أن لجنة صياغة الدستور التي صنعها الغرب الكافر هي أداة بيده لرسم مستقبل أهل الشام حسب وجهة نظره التي تفصل الإسلام عن الحياة، ولتفصّل دستورا على مقاسه، وبناء عليه، وَجَبَ عليهم أن يتبنوا مشروعاً سياسياً خارج إطار هذه اللجنة؛ مشروعاً واضحاً منبثقاً عن عقيدتهم الإسلامية.
هذه هي خطط الغرب الكافر وطريقته وأساليبه وأدواته، وما ينبغي على أهل الشام فعله حتى يصلوا بثورتهم إلى بر الأمان.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع