لقد اضطر أهل الشام إلى النزوح من بيوتهم وبلداتهم تحت وطأة القصف الهمجي وسياسة الأرض المحروقة التي مارسها نظام طاغية الشام والنظام الروسي على السواء، والتي لم تترك نوعا من الأسلحة إلا وجربته على المدنيين قبل غيرهم، فنتج عن ذلك موجات من النزوح والتهجير، منه ما كان نزوحاً داخلياً حيث ترك الناس بيوتهم واستقروا في أقصى شمال سوريا، ومنه ما كان هجرة خارجية إلى دول أوروبا والبلاد المجاورة كالأردن ولبنان وتركيا ومصر والعراق. حتى أصبح السوريون بعد أحد عشر عاما على انطلاقة ثورتهم يشكلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث ينتشرون في أكثر من 127 دولة.
ومنذ أكثر من سنة، والنظام السوري، بضغطٍ من روسيا، يعمل على ترويج فكرة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك عبر مراسيم العفو والمصالحات؛ وعبر عقد مؤتمرات دولية في محاولة لتعويم نفسه وتسويقها أمام المجتمع الدولي، وخطوة لتمهيد الطريق لفتح ملف الإعمار.
لا شك أن ملف المهجرين السوريين حاز على اهتمام كبير من المجتمع الدولي من جانب؛ ومن الأمة الإسلامية من جانب آخر، وكل منهما ينظر إليه من زاوية مختلفة عن الآخر، فالمجتمع الدولي لا ينظر إليه من زاوية إنسانية رغم ادعائه ذلك، بل كان على الدوام ولا زال يستخدمه كورقة سياسية يحقق بها بعض مصالحه، حيث أحجمت بعض الدول الغربية عن زيادة تمويل ما يسمى أزمة النازحين السوريين، وربطتها بالموقف السياسي للدول المعنية باستضافتهم حيال روسيا في حربها ضد أوكرانيا، حتى أصبح المعيار الذي تقيس الدول الغربية المانحة استعداداتها لتقديم المساعدة المالية للدول المحتاجة؛ هو مدى وقوفها إلى جانب أوكرانيا في مواجهة روسيا، وقد بات الانحياز إلى الموقف الغربي ضد موسكو شرطاً رئيساً لهذه الدول من أجل التعامل بإيجابية مع الدول المحتاجة، في ظل الانقسام الحاد على المستوى العالمي.
كما أن العديد من الدول المستضيفة تجعل من ملف المهجرين ورقة سياسية تستخدمها وقت اللزوم، وشماعة يعلقون عليها فشل سياساتهم وما ينتج عنها، في ظل تهاوي النظام الاقتصادي العالمي، وما نتج عنه من أزمات اقتصادية كان للحرب الروسية الأوكرانية نصيب فيها، حيث يتصاعد الحديث يوما بعد يوم عن "خطط العودة الطوعية للسوريين" المهجرين في الخارج إلى بلادهم، وهذا الحديث كان قد تصدّر، في الأيام الماضية، حديث المسؤولين في تركيا وما يزال مستمراً حتى الآن؛ حيث كشف الرئيس التركي أردوغان، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، وجاء ذلك في كلمة موجهة له بالفيديو في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، كما أن الأمر ينسحب أيضا إلى حديث المسؤولين في لبنان، الذي يعيش أجواء الانتخابات النيابية؛ حيث قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن حكومته مستعدة لطرد اللاجئين السوريين الذين يعيشون في بلاده ما لم يساعد المجتمع الدولي في إعادتهم إلى بلادهم.
يأتي الحديث عن ملف النازحين في وقت تشهد فيه بعض الدول المانحة تراجعاً في التمويل حيث أبلغ مصدر معني بالتواصل مع الاتحاد الأوروبي في شأن النازحين السوريين، إندبندنت عربية بأن الاستعدادات لجهة التمويل في أسوأ احتمالاتها. واعتبر أن المؤتمر هذه السنة ينعقد في أسوأ الظروف نتيجة قرار بتقنين تمويل تكلفة النازحين السوريين للدول التي تستضيفهم؛ فبريطانيا مثلاً أبلغت من يلزم بأنها ستمتنع عن دفع أي مبلغ لهذا الغرض، وألمانيا الدولة الأكثر سخاءً في تمويل هذه الأزمة قررت خفض مساهمتها لمساعدة النازحين السوريين، والمسؤولون عن هذا الملف في الاتحاد الأوروبي قالوا قبل 10 أيام من انعقاد المؤتمر إن استعداداتهم ستبقى على ما كانت عليه، في إشارة إلى أنه لا زيادة في التمويل، ثم عادوا وقالوا إنهم سيحاولون ألا يغيروا موقفهم.
وبهذا يتضح أن ملف النازحين السوريين ليس سوى ورقة سياسية تستخدمها الدول وقت اللزوم شأنه في ذلك شأن ملف النازحين الفلسطينيين ومسألة حق العودة. وهو وسيلة إذلال وقهر لأناس خرجوا على طاغية الشام، وفروا من جحيم الموت، ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾.
أما الأمة الإسلامية فهي بلا شك تنظر إلى ملف النازحين نظرة مبنية على أساس عقيدتها الإسلامية التي تقضي بأن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة، وهي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا تألو جهداً في تقديم المساعدة بمختلف أنواعها.
إلا أنه ينبغي معرفة أن ملف النازحين السوريين هو واحد من الجراحات الكثيرة التي أصابت الأمة الإسلامية، وهو جزء صغير من المشاكل التي أغرقها فيها أعداؤها بعد هدم دولة الخلافة سنة 1924م، كما أنه ينبغي معرفة أن الحل الجذري والوحيد لجميع مشاكلهم هو بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بعودتها رسول الله ﷺ، فيوجد بوجودها الإمامُ الجنة الذي يقاتل من ورائه ويتقى به، والذي يطبق شريعة الله عز وجل على وجهها في كافة مجالات الحياة، فيعيش الناس حياة كريمة بعيداً عن النزوح والاستعباد والشقاء وضنك العيش.
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع