في الأيام الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام تهفو قلوب المسلمين، وتتجه أنظارهم، نحو بيت الله الحرام، يحدوها الشوق، ويدفعها الأمل في ما عند الله سبحانه وتعالى، مستجيبين لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (سورة الحج).
والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، وشعيرة من شعائر الله العظيمة، لقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وقول رسول الله ﷺ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وقد جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في "باب ما جاء في التغليظ في ترك الحج" حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ مَلَكَ زَاداً وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِياً أَوْ نَصْرَانِياً»، والمستطيع لأداء هذه الفريضة هو القادر بدنياً على الحج ووجد الزاد والراحلة الصالحة لمثله كالسيارة والطائرة لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ وقيل لرسول الله ﷺ: ما السبيل؟ قال: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ». أي أن الإسلام لم يفرض في الاستطاعة غير الزاد والراحلة والقدرة البدنية لتحمل مشاق السفر ومناسك الحج، لتيسير أمر هذه الفريضة حتى يستطيع كل من ملكها أن يحج.
فإذن الأمر كله مسنود إلى الاستطاعة فلم يحدد نوع الزاد ولم يحدد نوع السكن ولم يحدد نوع أدوات التنقل لا داخليا ولا خارجيا، فكل إنسان له الحق في اختيار ما يتناسب مع استطاعته فمن شاء اختار السكن بجوار الحرم ومن شاء اختار أطراف المدينة، وكذا في سائر الأعمال، ولكن تدخلات حكام آل سعود وفرضهم ضرائب فوق الباهظة وفرض نمط معين للسكن والإعاشة والتنقل نجدها هي الأساس في زيادة تكاليف الحج.
أورد موقع مقالات نت في 2 حزيران/يونيو 2022 مقالا جاء فيه أن تكلفة الحج إلى مكة من الأردن لموسم حج عام 2022 عن طريق السفر جواً يقارب 2240 ديناراً أردنيا دون حساب سعر تذكرة الطيران. ويمكن زيادة المبالغ السابقة عما هو معلن عنه بواسطة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأردنية بمقدار 153 ديناراً أردنياً بسبب زيادة الضريبة في المملكة العربية السعودية على تكاليف الحج المختلفة بقيمة 15%، وكذلك تحدث رئيس منتدى جسور السلام الدولي من الجزائر، دكتور يوسف مشرية في 1/6/2022م عن أسباب ارتفاع تكلفة الحج لهذا العام خلال لقائه مع الإعلامي أحمد الجمل في برنامج ناس أونلاين، وقد أرجع الدكتور مشرية الارتفاع الكبير هذا العام في عدد من الدول العربية كالجزائر ومصر والمغرب لأسباب عدة مشيرا إلى أن "هذه التكاليف العالية ترجع إلى الرسوم والضرائب الباهظة التي تفرضها السلطات السعودية المنظمة للحج لأن هذه التكلفة متعلقة بالنقل والإقامة خلال مناسك الحج والإعاشة"، فيما أشار مشرية إلى تضاعف تكلفة الحج بالجزائر هذا العام، ما يصعّب على عدد كبير من الحجاج تحمل هذه التكلفة، مؤكدا أن "الحاج الجزائري يتكلف حاليا قرابة 6 آلاف دولار"، بمعنى أن تكلفة حج هذه السنة ارتفعت بنسبة 100%.
وقد أورد موقع الشروق في 24/05/2022 "أماط الديوان الوطني للحج والعمرة اللثام عن التكلفة النهائية لحج 2022 التي حددت بـ85.6 مليون سنتيم وذلك باحتساب ثمن تذكرة الطيران، لتعرف القيمة المالية للحج زيادة محسوسة قاربت 30 مليون سنتيم مقارنة بحج 2019، والتي بررتها مصادرنا بفرض السلطات السعودية لضرائب جديدة على الخدمات لم تكن موجودة من قبل".
وقد قسمت السعودية فئات الإقامة في منى إلى 4 باقات خدمات وذلك لمدة يومين أو ثلاثة أيام في مِنى؛ الفئة الأولى تدفع مبلغ 22 ألف ريال سعودي، والفئة الثانية 19 ألف ريال سعودي، والفئة الثالثة 12500 ريال، أما الفئة الرابعة 6 آلاف ريال لكل خيمة، وهذا إجباري على كل حاج، مع أن كل الحجاج كانوا في السابق ينامون تحت خيام عادية بدون دفع أي مقابل.
وهكذا كان حكام آل سعود هم السبب المباشر في رفع تكاليف الحج وحرمان آلاف بل الملايين من أمة محمد ﷺ من أداء فريضة الحج، بفرضهم نظاما معينا للإعاشة والسكن والترحيل والسفر إلى المدينة، فعسروا على حجاج بيت الله الحرام هذه الفريضة العظيمة لتجني المملكة أموالا طائلة، وتأكل أموال الناس بالباطل وكذلك الدول الأخرى. فموسم الحج عند حكام البلاد الإسلامية هو موسم لفرض الضرائب على الذي يريد أن يكحل عينيه برؤية الكعبة المشرفة وأداء هذه الفريضة، وموسم يغتني فيه الحكام والساسة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال ماهر جمال، رئيس غرفة التجارة والصناعة في مكة المكرمة، في تصريح قديم له لـ"الشرق الأوسط" إن 15% من تكلفة الحج القادم من الخارج تكون في البلد القادم منه الحاج كقيمة التذكرة و25% تذهب للوسطاء في بلده أيضا، بينما تتوزع 60% بين السكن والنقل والإعاشة.
أما أرباح حكام آل سعود فحدث ولا حرج، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد بلغت واردات السعودية من موسم الحج والعمرة للعام 2012 أكثر من 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار)، وفق ما نقلته صحيفة اليوم السعودية في عدد سابق.
أما واردات عام 2013، ففي موقع هسبريس الاثنين 14 تشرين الأول/أكتوبر 2013، "ذكرت المجلة البريطانية الإيكونوميست، أن موسم الحج يجلب للسعودية حاليا 16.5 مليار دولار أي حوالي 3٪ من إجمالي الناتج المحلي".
أما موقع المرصد العربي للحقوق والحريات، فقد ذكر الآتي بخصوص عائدات 2014 "وكانت الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة قد أعدت دراسة حديثة قدرت فيها أن إجمالي أرباح موسم الحج لعام 2014، سوف تبلغ 20 مليار دولار".
إن مما يذكره لنا التاريخ أن الخليفة كان يتفقد الناس وأحوالهم التعبدية، فمن كان دون صلاة، يُدعى ويسأل ويحاسب، ومن كان دون حج، يُدعى ويُسأل ويعطى أموالا لكي يسقط الفريضة، وهكذا كانت الرعاية، تسوق المسلمين إلى الجنة سوقا، ففرق بين من يمنع الناس من تأدية الفروض فيحبسها ويسجنها على ذلك، وبين من يدفع الناس لتأديتها فيحاسبها إن قصرت بذلك، هذا هو واقعنا اليوم وواقعنا بالأمس.
نسأل الله أن يعود للمسلمين خليفتهم، فيسألهم ويحاسبهم إن هم قصروا بعباداتهم. ولن يتيسر أمر الحج بل ويساق الناس إليه سوقا إلا في ظل دولة تقوم على أساس عقيدة الإسلام دولة الخلافة.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع