تُكثّف روسيا في الآونة الأخيرة من عمليات السطو والنهب التي تشنّها على مناجم الذهب والماس في الدول الأفريقية، فقد قام مُرتزقتها في شركة فاغنر في الشهر الماضي بهجمات دموية جديدة على مناجم الذهب في المناطق الحدودية بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى قُتل فيها المئات، وخلّفت على أراضيها مقابر جماعية بالعشرات، استخدمت فيها أسلحة فتّاكة مُتنوّعة من طائرات الهليوكبتر والمدرعات والشاحنات، وأدّت هذه الهجمات القاتلة إلى استيلائها على جميع تجارة الذهب في المنطقة.
وفاغنر هي مجموعة منظمة من المرتزقة المحترفين في فنون القتال، والمدججين بالأسلحة، تمولها وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، وتتخذ من مدينة مولكينو جنوب روسيا قاعدة لتدريباتها، وتجاورها قاعدة روسية حكومية.
أُنشئت فاغنر في العام 2014 بُعيد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم على يد يفغيني بريغوزين أحد الأوليغارش - الأثرياء الروس المُوالين للنظام - والمعروف إعلامياً بطباخ بوتين كونه كان في السابق مسؤولاً عن توريد الطعام لقصر بوتين في الكرملين.
تُوظّف فاغنر آلاف العناصر من المقاتلين المُرتزقة غالبيتهم من الروس، إلى جانب بعض المقاتلين من المناطق التي تسيطر عليها روسيا كسوريا وليبيا والشيشان. وتتسّع أعمال فاغنر شيئاً فشيئاً مع اتساع النزاعات خاصةً في أفريقيا، إذ طالت نشاطاتها دولاً أفريقية كثيرة تشهد نزاعات مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي وتشاد والنيجر ونيجيريا والكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وزيمبابوي وجزر القمر وبوروندي.
وتنفي روسيا رسمياً أي علاقة لها بفاغنر لأنّها تقوم بأعمال إجرامية صريحة مُدانة من ناحية قانونية، لكن كل الدلائل والمؤشرات تدل على ضلوع الحكومة الروسية بأعمالها الإجرامية القذرة.
ومن المعطيات الكثيرة الدالة على دعم روسيا لفاغنر قيامها بإرسال 2000 جندي إلى أفريقيا الوسطى لدعم أعمال 450 عنصرا مُرتزقاً من عناصر فاغنر لتثبيت حكومة تابعة لروسيا فيها، وطرد النفوذ الفرنسي منها.
ومنها أيضاً دعم خليفة حفتر بمئات المقاتلين في هجومه على طرابلس الغرب في ليبيا وتفخيخها للكثير من المناطق حولها.
ومنها دعم نظام بشار الإجرامي بعناصر من فاغنر والتي شاركت في القيام بمجازر شنيعة ضد السوريين العُزل الأبرياء.
وينخرط عناصر فاغنر في تكوين شركات نهب لإدارة مناجم الذهب والماس، واستغلال حقول النفط والغاز، ومن كثرة ما جمعت روسيا من ذهب مؤخرا فقد أصبحت تبيع منه للعالم، كبيعها قبل أيام ثلاثة أطنان لسويسرا.
يبدو أنّ فكرة تأسيس فاغنر الروسية الإجرامية مستوحاة من فكرة شركة بلاك ووتر الأمريكية التي ساندت الجيش الأمريكي في حربه في العراق، والتي ملأت فضائحها الآفاق، ما اضطر الحكومة الأمريكية إلى إنهائها، وتحويلها إلى شركات خدماتية أخرى.
في العام 2014 دخل مرتزقة فاغنر شبه جزيرة القرم، وفي عام 2015 دخلت سوريا، وفي عام 2016 دخلت ليبيا، وفي عام 2017 دخلت القارة الأفريقية، وسيطرت حتى الآن على دول عدة فيها منها أفريقيا الوسطى ومالي.
تُركّز فاغنر من ناحية تمويلية على سيطرة وإدارة مناجم الذهب والمعادن النفيسة، وأمّا من ناحية سياسية فإنّها تخوض معارك شرسة ضد المقاتلين المسلمين في دول أفريقية عدة، كما تخوض معارك دائمة ضد المليشيات المحلية التابعة لفرنسا بشكلٍ خاص.
وتقوم فاغنر ومن ورائها روسيا بمحاربة الوجود الفرنسي والأوروبي في أفريقيا بتشجيع من أمريكا لإحلال النفوذ الأمريكي مكان النفوذ الأوروبي.
والمدقق في تدخلات فاغنر في الدول التي تشهد نزاعات يجدها دائماً تكون لصالح عملاء أمريكا، كدعمها لبشار الأسد في سوريا وخليفة حفتر في ليبيا، وكتأييدها لزعماء أفارقة متمردين على فرنسا.
رأيك في الموضوع