أصدرت منظمات دولية تقارير تنذر بمجاعة محتملة في السودان، حيث أورد برنامج الأغذية العالمي تقريراً في 16 حزيران/يونيو 2022م، يؤكد تزايد الجوع، وأن حوالي 15 مليون شخص في السودان - أي ثلث السكان - يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. وقال إيدي روي، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في السودان: "إن الآثار المجتمعة للنزاع والصدمات المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع التكاليف وضعف المحاصيل تدفع بملايين الناس إلى الجوع والفقر".
ورسمت تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، بحسب صحيفة الإندبندنت عربية الصادرة في 18/06/2022م، مستقبلاً قاتماً في السودان، البلد الذي يعد سلة غذاء العالم، هذه التقارير توقعت أن يعاني 18 مليوناً من الجوع من جملة 40 مليون سوداني.
إن التهديد والوعيد من هذه المنظمات الاستعمارية لهو جزء من المؤامرة على الشعوب لكسر عزيمتها، وتوهين إرادتها لتظل خاضعة لروشتات القتل البطيء التي تقدمها أذرع الاستعمار الأخرى من مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وتدعي أنها معالجات ومساعدات بينما هي في حقيقتها سم زعاف، وما تناولتها دولة إلا كان الخراب والدمار والفقر مصيرها. إن هذه التقارير تفتقر إلى العلمية، فهي تكهنات وتوقعات، لا تقدم معلومات دقيقة تستند إليها، لذلك لا أحسبها إلا أدلة سياسية تستخدم لتمرير مخططات الكافر المستعمر، فقد أورد موقع الجزيرة نت في 30/03/2021م تقريراً كشف فيه الدور السياسي الذي يلعبه مدير برنامج الغذاء العالمي في السودان وقتها ديفيد بيزلي، حيث قال التقرير: "ظهر اسمه في سماء السياسة السودانية مؤخرا كلاعب سياسي أكثر منه مسؤول برنامج الغذاء العالمي، وبدا تأثير ديفيد بيزلي واضحا في اتفاق المبادئ بين الخرطوم والحركة الشعبية - شمال، وفرض علمانية الدولة".
وبحسب صحيفة الإندبندنت عربية عزا المحلل الاقتصادي محمد الناير التوقعات بحدوث أزمة جوع في البلاد إلى أسباب أخرى، قائلاً إن "التقارير التي تصدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) والتي تفيد بأن 18 مليون سوداني يحاصرهم الجوع هي تقارير ربما لا تكون دقيقة بالشكل الكامل". في سياق متصل، اعتبر الناير أن "السودان لن يجوع بمفهوم الجوع، ولكن قد يعاني المواطن بسبب سياسات صندوق النقد الدولي، التي طُبّقت بصورة بها نوع من القسوة على المواطن، والتي ستجعله غير قادر على شراء الغذاء. فالقضية لن تكون قضية فجوة غذائية ونقص في الغذاء، ولكنها قضية أن المواطن سيكون غير قادر على شراء الغذاء، بخاصة أن نحو 60 إلى 80% من الشعب السوداني تحت خط الفقر".
إن هذه المنظمات تقدم روشتاتها باعتبارها مساعدات ومعالجات، بينما هي إملاءات سياسية، وهو عين ما يحصل في السودان تحت ذريعة برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث قام وزير مالية حكومة حمدوك في 2020م بوضع السودان تحت برنامج المراقبة المالية لصندوق النقد الدولي بطلب من الوزير، فأُتي بمن يسمون بالخبراء على رأس كل قطاع اقتصادي ومالي في وزارة المالية. واستجابة للإملاءات المقدمة تم تعويم سعر الصرف، حيث قفز سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار من 55 إلى 375 جنيها للدولار الواحد، فزادت نسبة التضخم إلى 300%، وكذلك رُفع الدعم المزعوم عن الوقود والخبز فارتفعت الأسعار بصورة جنونية وبلغ سعر رغيف الخبز من جنيه واحد إلى خمسين جنيهاً!
هذه التقارير تعتبر مضللة، حيث إن بلداً مثل السودان يمتلك أكثر من 180 مليون فدان صالحة للزراعة، ويمر عبره أطول أنهار العالم، إضافة إلى 400 مليار متر مكعب من مياه الأمطار سنوياً، عوضاً عن مخزون وافر من المياه الجوفية، فكيف لمن يمتلك هذا الكم الهائل من الثروات أن يجوع؟! نعم لا يمكن أن يجوع، إلا بأعمال إجرامية مقصودة لتدمير موارده، مثل غدر الحكومة بالمزارعين حيث امتنعت عن شراء القمح، مع منعها إياهم عن بيعه أو تصديره، كما قامت بإغلاق بوابات انسياب المياه إلى مشروع الجزيرة الذي يعتبر من أكبر المشاريع المروية في العالم، ومثل حادثة غرق الباخرة وهي تحمل 16 ألف رأس من الضأن. ثم جرائم الحكومات المتعاقبة في نهب ثروات البلاد، فقد أشار وزير الصناعة الأسبق كرامة أنه في العام 2016 بلغ الذهب المهرب عبر بورصة دبي وحدها 250 طناً، وفي تقارير بحسب مجلة بلومبيرج أن روسيا استعدت لحربها ومواجهة العقوبات بذهب السودان. (ديلي تلغراف البريطانية 30/03/2022م).
كل ذلك يدل بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك أعمالاً مقصودة من أجل إقعاد الاقتصاد السوداني وإفقار أهله، وفي ورقة لمعهد السلام الأمريكي في العام 1992م جاء فيها: "إن الهدف النهائي هو ضرب السودان اقتصادياً، وإيقاع ضرر هيكلي يمنعه من معاودة طموحه القديم" (سودان 4 نيوز 29/12/2020). هذه الأعمال الإجرامية لتدمير اقتصاد البلاد ونهب ثرواتها، وإفقار أهلها أدت إلى آثار كارثية أخرى، حيث وصلت حالات الطلاق في السودان خلال أربع سنوات إلى 270 ألف حالة. (الشروق 13/06/2022) بحسب بيان السلطة القضائية السودانية، وتحت عنوان: "المخدرات - العمق الأسري - الحالة الاقتصادية" كتبت صحيفة الإندبندنت عربية في 15/6/2022: "وضعت إحصاءات منظمة الصحة العالمية بهذا الشأن السودان في المركز الأول بمعدل 17.2 حالة انتحار بين كل 100 ألف شخص".
إذن أين تذهب أموال أهل السودان، ولماذا يعاني الناس في بلد ينعم بالخيرات؟! والجواب عند وزير المالية جبريل إبراهيم، حيث قال: "لو وجدنا من يعطينا حقنا ما كنا قبلنا بالوزارة"، إشارة إلى اتفاقية جوبا التي جعلت للحركات المتمردة ولإقليم دارفور مبلغ 1.3 مليار دولار فيما سميت بالترتيبات الأمنية التي جعلت موارد البلاد تصرف للحركات المسلحة. أما الحلول التي تقدمها الدولة لعلاج الأزمة فيقول الوزير: "يحتاج إلى وقت، ولا أحد يستطيع أن يعرف أن غدا سينفرج كل شيء"، على طريقة العرافين والمنجمين!
إن طريق الخلاص والنجاة في الدنيا والآخرة هو طريق أهل الإيمان الذين يحتكمون إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، خاصة وقد ظهر فساد تلك الحضارة الغربية الرأسمالية التي تقدم تقارير مضللة عن المجاعة وغيرها، فلم تبق إلا أحكام الإسلام وحدها هي التي تقدم الحلول الناجعة لمشاكل الإنسانية من أزمة الحكم العالمية والأزمة الاقتصادية، حيث أحكام الخلافة على منهاج النبوة وسيادة حكم الشرع وسلطان الشعوب في اختيار من يحكم بما شرع لهم خالقهم من شرائع.
بقلم: الأستاذ ناصر رضا
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع