هل يسعى النظام الحاكم في صنعاء حقيقة للعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب؟
للإجابة على هذا التساؤل لا بد من إثارة عدد من المواضيع والحديث عنها. يأتي في مقدمتها الحاجة من الحبوب خلال عام كامل لأهل اليمن كافة. فحاجة أهل اليمن من الحبوب منذ عشر سنوات ماضية هي 3 مليون طن، أما الآن فقد ازدادت حاجتنا للحبوب بقدر الزيادة في عدد السكان خلال هذه السنوات. أما عن إنتاجنا المحلي من الحبوب فهو فقط 3% من احتياجنا. فماذا فعل القائمون على حكم أهل اليمن لتقليص الفجوة بين حاجتنا من الحبوب وما ننتجه محلياً؟
لم يغب عن طرفي الصراع الحقيقيين على اليمن، اللذين بسببهما اشتعلت الحرب فيه طوال ثماني سنوات متصلة، أن يزودونا بما نحتاجه من الحبوب منذ اليوم الأول للحرب، بالحصص الغذائية - على رأسها القمح - لطابور طويل من المنظمات الدولية بدءاً ببرنامج الغذاء العالمي وأخواته من المنظمات الدولية الغربية، ولو باستخدام أصابع إقليمية، لسد حاجة ملايين الناس، ولمنعنا بشكل صارم من البدء في زراعة الحبوب، في حال لم تقدم إلينا المساعدات الدولية الغربية.
في المقابل نرى إعلانات وتوجيهات إعلامية لمسؤولين رسميين في صنعاء عن الاكتفاء الذاتي من الحبوب، لم تترجم إلى خطط حكومية عملية من وزارة الزراعة، لترجمة أقوال المسؤولين إلى أفعال تُنَفَّذُ بالأشهر والسنين، بل تُرك فيها العمل لأشخاص لا يدركون ما هو الواجب الملقى على عاتقهم. فكانت نتيجة أعمالهم عبارة عن سراب بقيعة، لأن ما قاموا به من أعمال، لا يرقى إلى تنمية حقيقية خالصة، دون تدخل اليد الأجنبية الغربية، علاوة على تحقيق نقلة نوعية في تقليص الفجوة بين ما ننتجه وما نحتاجه من الحبوب. كما وجِّهَ جهدهم الكبير من التنمية الزراعية إلى زراعة المحاصيل النقدية من بن ولوز وغيرهما.
إن الكارثة الجديدة التي يقوم بها الحوثيون هي قبولهم بالبرامج التي تقدمها المنظمات الدولية التي تساهم بشكل مباشر في زراعة الحبوب المعدلة وراثياً، فخطرها عظيم على الزراعة من حيث قضاؤها على محاصيل الحبوب الأصلية، بما تحتويه من أمراض تصيب الأرض المزروعة، ولا تستطيع المحاصيل الزراعية المحلية مواجهتها. فهذه البذور المعدلة وراثياً ستظل تأتينا عبر الحدود بانتظام، وسَيُسْمحُ لنا بتخزينها فقط.
فلنلق نظرة على المحاصيل المزروعة في كل من صعدة والجوف وتهامة والبيضاء وغيرها التي تُزْرَعُ بواسطة الحبوب المعدلة وراثياً، وحتى تنطلي الحيلة على المزارعين، فكمية إنتاج هذه الحبوب المعدلة وراثياً أضعاف أضعاف ما تنتجه المحاصيل الأصلية المحلية تصل من 6-7 طن للهكتار. ارجعوا إلى حصاد القمح بصعدة الذي تمت زراعته بنظامي الري بالتنقيط والرش المدفعي (الثورة، الجمعة 03/06/2022)، ومحصول الحصاد الشتوي بمزرعة صالح الصماد بالجوف التابعة للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب (الثورة، الجمعة 03/06/2022)، فستجدون جملة "البذور المحسنة" في الخبرين، فهي مربط الفرس!
كما أن البنك الدولي حاضر اليوم كما كان حاضراً بالأمس، وقد قدم قروضاً خلال سنوات الحرب لكل من صنعاء وعدن. ويسهم البنك الدولي في تقديم القروض الربوية في زراعة المحاصيل المعدلة وراثياً في العديد من بلدان العالم النامية حتى تحافظ الدول الاستعمارية الغربية في اعتمادها عليها في زراعة وإنتاج الحبوب بشكل خاص والغذاء بشكل عام. فلماذا نروج بأننا قطعنا يد البنك الدولي عن التدخل في تسيير الاقتصاد برمته، علاوة على تزويده برامج زراعة الحبوب المعدلة وراثياً بالقروض الربوية؟!
إن الحبوب من قمح وشعير وذرة بمختلف أنواعها ودخن وكنب، محاصيل استراتيجية لأي بلد يملك قراره السياسي السيادي بيده على الحقيقة في إنتاجها محلياً، ما يكفي حاجته دون الاعتماد على الغرب بالذات، ولو بشيء يسير في إنتاجها، وعدم الكذب على رعاياه.
إن النظامين في صنعاء وعدن يستمران في السياسة التي سلكها من سبقهم من القائمين على أنظمة الحكم في الاعتماد على الغير في تلبية حاجة رعاياهم من الحبوب، وإن كان بطرق مختلفة ملتوية عن سابقاتها، وإن كان جماعة عدن يلوذون بالصمت في الاكتفاء الذاتي من الحبوب بزراعتها محلياً لديهم.
على المزارعين أن يتحلوا بالوعي الزراعي الحقيقي لما ينصب لهم من فخاخ تمنعهم من الانعتاق من ربقة الغرب الاستعماري، على أن يرفضوا زراعة الحبوب المعدلة وراثياً التي يُروَّجُ لها بجملة "البذور المحسنة"، ولا يسمحوا لمروجيها بتدمير أراضيهم ومزروعاتهم وحياتهم، وعدم تسليم ما بأيديهم من محاصيل أصلية محلية لأي جهة، لأن الغاية من استقبال محاصيلهم الأصلية المحلية هو إعدامها من الوجود، وإحلال الحبوب المعدلة وراثياً مكانها، قبل أن يندموا ولات ساعة مندم. وعلى الناس في اليمن أن لا يُضَلَّلُوا بالأوهام.
إن الخطوة العملية الحقيقية والصحيحة، هي أن يأتي نظام حكم جديد يعي السياسة كرعاية للشئون فيقوم بها على أكمل وجه، والاقتصاد بتبديل المشكلة الاقتصادية من العرض والطلب إلى تلبية حاجة الناس الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، ومساعدتهم في الحصول على الكماليات قدر المستطاع، وأن تبذر الأرض لزراعة الحبوب من أول يوم يقوم فيه النظام، وفي غيرها من شؤون الحياة المختلفة. ولا يستطيع القيام بكل ذلك سوى دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فسارعوا إلى العمل مع حزب التحرير لإقامتها.
رأيك في الموضوع