انطلقت ثورة الشام في الخامس عشر من شهر آذار/مارس سنة ٢٠١١م احتجاجا على اعتقال مجموعة من أطفال درعا وتعذيبهم، ثم تطورت المطالب حتى أصبح مطلبها الأساس "الشعب يريد إسقاط النظام".
ولقد مرت الثورة السورية عبر مسيرتها الطويلة بعدة مراحل ومنعطفات خطيرة، كان كل منعطف منها يشكل تهديداً قوياً على وجودها، ويدق مسماراً جديداً في نعشها؛ فمن مرحلة تدويل الثورة إلى مرحلة دخول المليشيات الإيرانية على خط الصراع لتعويض النقص الذي أحدثه انشقاق الضباط والعناصر عن جيش طاغية الشام، ثم مرحلة تعاطي المال السياسي المسموم، وما تخللها من اقتتالات فصائلية، ومرحلة دخول روسيا عام ٢٠١٥م، ثم مرحلة الهدن والمفاوضات، فخفض التصعيد وما تبعها من تسليم للمناطق وهكذا... حتى وصل الحال بالثورة السورية إلى أن أُغلقت في وجهها جميع الأبواب إلا باب من بيده ملكوت كل شيء، وحتى أصبح الناس لا يرون حلاً عملياً في الأفق يخرجهم من سجنهم الكبير الذي وضعهم فيه المجتمع الدولي؛ ولا نوراً في آخر النفق الذي أدخلتهم فيه المنظومة الفصائلية المرتبطة بمخابرات ما يسمى الدول الداعمة، ما دفع الكثير من العاملين للتغيير، الثائرين على الظلم، ما دفعهم إلى البحث عن طريق للخلاص، ولكن دون جدوى، وذلك لعدم إدراكهم الأسباب والعقبات التي يجب تجاوزها للبدء بالمسير فضلاً عن إكماله، ولعدم امتلاكهم المفاتيح التي يفتحون بها الأبواب المغلقة، فالجميع أصبح على قناعة تامة أن ثورة الشام تم حرفها عن مسارها؛ وهي الآن تحتاج إلى ثورة جديدة لإعادتها إلى مسارها الصحيح، وهذا الأمر بلا شك يحتاج إلى وقفة مطولة مع النفس، وإعادة جديدة للحسابات.
ولعل من أكبر العقبات التي تقف في وجه أهل الشام وتمنعهم من العمل المنتج هي عدم إدراكهم لأهمية العمل الجماعي ووجوبه، حتى أصبح كل شخص عاجزاً عن القيام بأي عمل تحت فكرة "ماذا أستطيع أن أفعل بمفردي؟"! وهذه الفكرة هي فكرة مسيطرة على عقول الكثير من الناس بمختلف توجهاتهم، مدنيين كانوا أم عسكريين، ولذلك وجب على العاملين لتصحيح مسار الثورة أن يزرعوا فكرة أهمية العمل الجماعي - كواحدة من الأفكار - أينما حلوا وحيثما ارتحلوا، فالله سبحانه وتعالى أمر به عندما أمر بالاعتصام بحبله فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. والغرب الكافر وأذنابه يدركون جيداً خطورة العمل الجماعي عليهم، فيحاربون الدعاة إليه حرباً لا هوادة فيها، فيتهمونهم بالفتنة تارة وتارة بالتفرقة، ويلاحقونهم ويعتقلونهم، وكل ذلك ليبعدوهم عن العمل الجماعي لأنهم يعلمون أنه هو العمل المنتج.
وإن إدراك الناس لهذا الأمر هو مفتاح الكثير من الأبواب المغلقة، فهو يدفعهم باتجاه الانخراط بالعمل الجماعي المنتج، فيعطيهم القوة وبالتالي القدرة على الوصول للأهداف، ويزيل الخوف الذي زرعه أمنيّو المنظومة الفصائلية نتيجة الممارسات القمعية والظلم والتسلط التي ينتهجونها. وبالتالي يتحول عمل تصحيح المسار إلى سيل جارف يجرف كل من يقف في طريقه.
ولكن حتى لا يعاد استنساخ التجربة مرة أخرى فيمتطي العمل أشخاص فاسدون ويتسلق آخرون منتفعون ويبيع التضحيات تجار مزاودون، كان لا بد للعمل الجماعي وللحركة الجماعية من رأس يقودها ويوجهها الوجهة الصحيحة، حتى لا تكون الحركة الجماعية حركة عشوائية كحركة الديك المذبوح الذي يتحرك بلا إدراك حتى تستنزف قواه ثم يموت، فلذلك كان لا بد من القيادة السياسية الواعية والمخلصة التي هي بمثابة الرأس من الجسد.
وكان لا بد أيضاً من المشروع السياسي الواضح، المستنبط من عقيدة المسلمين الذي هو بمثابة البوصلة التي تضمن عدم الانحراف عن الطريق وتضمن دعم الله عز وجل وبالتالي نصره.
هذه هي أهم المفاتيح وأهم العناصر التي يجب أن تتوفر لاستئناف الثورة وتصحيح مسارها.
لقد أدرك الغرب الكافر أهمية القيادة السياسية في الثورة، فسارع منذ بدايتها إلى تشكيل المجالس والهيئات.. وربطها به، كما أدرك أهمية القوة، فسارع إلى دعم المنظومة الفصائلية وربطها بمخابرات الدول، وها هو يكمل طريقه بعد تشكيل ما يسمى اللجنة الدستورية، التي أخذت على عاتقها كتابة دستور يرسم مستقبل أهل الشام، ومفصل على مقاس الغرب الكافر، وهذا الدستور هو المشروع السياسي الذي يعمل الغرب الكافر على فرضه على أهل الشام بالخداع والتضليل.
هذا مكر أعدائنا ولا يعني أنه قدرنا المحتوم، فلا زال نبض الثورة متجذراً ومتقداً في نفوس أهل الشام رغم الصعاب والألم وعظم التضحيات، ولا زال هدف الثائرين إسقاط نظام الإجرام واجتثاثه من جذوره وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه عبر دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع