انتهت أعمال الجولة السادسة لاجتماع اللجنة الدستورية المصغرة التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف كسابقاتها بالفشل، وذلك دون الوصول إلى أي تفاهم جديد، ودون الاتفاق على موعد الجولة المقبلة حسب تصريحات المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، بعد تصريحات سابقة له بالتوصل إلى اتفاق بشأن منهجية عمل اللجنة.
تسعة أشهر فصلت الجولة السادسة عن آخر جولة تم عقدها بين الوفود المشاركة، مع دخول مصطلح جديد على أعمال الجولة السادسة وهو مصطلح "الإصلاح الدستوري" في حين كان الحديث سابقا عن تغيير الدستور أو كتابة دستور جديد.
ومع كل هذا اللغط ومحاولة كسب الوقت للإجهاز على ثورة الشام وتضييع تضحيات أهلها، كان لا بد أن نسلط الضوء على بعض المفاهيم المتعلقة بالدساتير علها تكون دليلا يساعد المسلمين في السير في طريق السعادة الحقيقية والحياة المستقرة.
يعتبر الدستور هو القانون الذي يحدد شكل الدولة وأجهزتها ونظام الحكم فيها، وصلاحية واختصاص كل جهاز، وهذا الدستور إما أن يكون مصدره الوحي أي من خالق الكون والإنسان والحياة، اللطيف بخلقه والخبير بهم العليم بما يصلح حياتهم وما يفسدها، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾ وإما أن يكون مصدره العقل البشري، ولا شك أن الدساتير التي يكون مصدرها العقل البشري؛ هي دساتير ساقطة ستؤدي بأهلها إلى الشقاء وضنك العيش، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ لأن العقل البشري عرضة للتناقض والاختلاف والتفاوت والتأثر بالبيئة، ما ينتج دساتير تحمل صفاته، وهذا ما يفسر اختلاف الدساتير بين مجتمع وآخر، وتغييرها أو إصلاحها بين الفينة والأخرى، فمنذ ما سمي بالاستقلال عام ١٩٢٠م قبيل هدم الخلافة العثمانية بشكل رسمي وحتى يومنا هذا، تم وضع مجموعة كبيرة من الدساتير، حيث تم وضع دستور الملك فيصل الذي عُمِلَ به رسميّاً لمدة 15 يوماً فقط، تلا ذلك دستور مرحلة الانتداب (دستور عام 1928م الذي أعلن في عام 1930م)، ثم دساتير مرحلة الانقلابات (دستور عام 1950م، دستور الشيشكلي عام 1952م، ثم دستور الوحدة مع مصر عام ١٩٥٨م، ثم دستور الانفصال عام 1961م)، ثم دساتير مرحلة البعث (دستور عام 1964م، دستور عام 1966م، دستور عام 1969م، دستور عام 1971م، دستور عام 1973م)، ثم دستور عام 2012م الذي أقرّه بشار أسد.
وجميع هذه الدساتير أشقت أهلها، وكانت غير صالحة إلا لشقاء العباد ما دفع الناس لتغييرها ودفع فاتورة التغيير.
ونحن اليوم في أرض الشام وغيرها نخوض ثورة ضد عملاء الغرب الكافر مع تقديم التضحيات الجسام لإسقاط النظام العلماني المحرم بدستوره وبكافة أركانه ورموزه، وليس التغيير مقتصرا فقط على رأس النظام، الذي عمل الغرب الكافر على حمايته بكافة الطرق والأساليب التي باتت معروفة للجميع، واستطاع حرف بوصلة الثورة، وهو الآن يعمل على جعل كل هذه التضحيات من أجل إصلاحات دستورية مفصلة على مقاسه، تحفظ له مصالحه؛ وتكرس احتلاله لأرض الشام، وتبقي على عملائه في سدة الحكم ولو تغيرت أشكالهم، وتحافظ على فرض وجهة نظره وطريقة عيشه القائمة على فصل الدين عن الحياة والمجتمع أي علمانية الدولة، وذلك بعد أن صنع أدواته الجديدة وعلى رأسها اللجنة الدستورية التي ستتولى كل ذلك، فاللجنة الدستورية لم يضعها أهل الشام، بل وضعها الغرب الكافر، وهو من يشرف على اجتماعاتها في داره تحت شعار الحل السياسي لما يسميها الأزمة السورية.
يجب أن يعلم المسلمون عموما وأهل الشام على وجه الخصوص أن حياتهم لن يصلحها إلا دستور مصدره الوحي، وأنه عندما كان الإسلام يحكمنا وأحسنّا تطبيقه كنا سادة العالم بلا منازع، وعندما أسأنا تطبيق الإسلام وتخلينا عن أحكامه وقوانينه أصبحنا غثاء كغثاء السيل، وتداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وأصبحت بلادنا محتلة لأعداء الإسلام ينهبون خيراتها ويستعبدون أهلها ويتحكمون في رسم شكل حياتهم ومستقبلهم عبر دساتير وضعية سقيمة.
لا شك أن الله عز وجل قد بين لنا طريقة العيش الصحيحة، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ وأوجب على المسلمين التحاكم لشرعته ومنهاجه وقوانينه، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ وجعل سعادة المسلمين مرتبطة بمدى تمسكهم بدينهم وأنظمته وأحكامه، قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.
فإياكم أن تعرضوا عن حكم الله عز وجل وتقبلوا أو تتبعوا أي دستور يصنعه الغرب الكافر، فالله سبحانه وتعالى يحذركم نفسه، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ونحن نذكر إخواننا من المسلمين بأننا في حزب التحرير قد أعددنا مشروع دستور دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله عز وجل، وهو ليس دستورا لدولة قطرية أو وطنية أو قومية، بل هو دستور لدولة المسلمين، وهو دستور إسلامي ليس غير، منبثق من العقيدة الإسلامية، ولا توجد فيه مادة من مواده إلا وهي مستنبطة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد ﷺ، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والقياس الشرعي المعتبر، وندعو المسلمين جميعا للعمل على تطبيقه بشكل عملي من خلال العمل على إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع