عقد في العاصمة الليبية طرابلس مؤتمر دعم الاستقرار في ليبيا بتاريخ 21/10/2021، حضرته وفود من ثلاثين دولة على مستوى وزراء الخارجية أو من ينوب عنهم، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وبعض المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. وأصدر المؤتمر بيانه الختامي في اليوم نفسه، مؤكداً فيه دعمه لاستقرار ليبيا ووحدة أراضيها، وتأييده ودعمه للمجلس الرئاسي ولحكومة الوحدة الوطنية، كما ركّز البيان على إخراج المرتزقة وكُل القوات الأجنبية من البلاد. ودعا البيان إلى ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها في نهاية هذا العام.
فلماذا عقد هذا المؤتمر في هذا التوقيت، وبهذا الحجم من المشاركة الدولية، ومباركة الجامعة العربية، وبعد أكثر من عشر سنين من الحروب والدمار والفوضى وعدم الاستقرار؟
يبدو أن الهدف من هذا المؤتمر هو رغبة أمريكا في إعطاء المزيد من الشرعية الدولية والاعتراف الدولي بهذا المجلس الرئاسي وحكومته المنبثق عن لجنة 75 التي اختارتها المبعوثة الأمريكية السابقة ستيفاني ويليامز، وهي لجنة ليست منتخبة من الليبيين، ولا هي مختارة من كل الجهات الدولية الأخرى، كما أن أمريكا أرادت بهذا المؤتمر أن توهم الرأي العام الدولي والمحلي أن ليبيا أصبحت آمنة ومستقرة في ظل حكومة الوحدة الوطنية، التي أتت بها. وبالتالي أرادت أن تقنع نفسها والعالم والليبيين بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، حتى تتخلص من تركة اتفاق الصخيرات ومنافسة الدول الراعية له.
ومن أهداف أمريكا كذلك الضغط على روسيا وإحراجها أمام هذا الحشد الدولي لتخرج مرتزقتها وجنودها من ليبيا، وكذلك إحراج تركيا لتسحب جنودها هي الأخرى بعد أن أدت دورها المطلوب في ترويض الثوار وتفويت الفرصة عليهم في التقدم في بعض جبهات القتال أثناء الحرب.
ومما يراد من هذا المؤتمر أيضاً إعطاء دفعة معنوية لهذه الحكومة وتلميع صورتها في نظر الليبيين والعالم لأنها نجحت - كما يقال - في عقد هذا الملتقى الدولي الكبير على أرضها وفي عاصمتها، بعد أن كانت كل الملتقيات والندوات السابقة تعقد خارج ليبيا، وقد صرحت وزيرة الخارجية الليبية بأنه سيعقد مؤتمران آخران في بنغازي وسبها - أي على الأراضي الليبية - وربما تريد بذلك طمأنة الليبيين وإرضاءهم، والرد على الذين ينتقدون عقد الملتقيات الخاصة بليبيا خارجها، وتريد توجيه رسالة لليبيين بأن هذه الحكومة هي مستقلة وتملك إرادتها ولا تتبع أية جهة خارجية.
كما يفهم من قولها إنه سيعقد مؤتمر في بنغازي وآخر في سبها أن حكومة الوحدة الوطنية يراد لها أن تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وأن رئيس الوزراء الذي منع سابقاً من دخول بنغازي سيزورها ويدخلها لافتتاح المؤتمر عند انعقاده.
ومما يمهد له الطريق لذلك هذه الوفود من مشائخ وأعيان المناطق الشرقية التي تأتيه إلى طرابلس وتدعوه إلى زيارة بنغازي والمدن الشرقية. ومما يمهد له الطريق أيضاً تراجع نائب رئيس الوزراء حسين القطراني المحسوب على حفتر عن موقفه واحتجاجه عندما دعا الوزراء والوكلاء والمسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية التابعين للمنطقة الشرقية، واجتمع بهم في بنغازي وهدد بتشكيل حكومة موازية في المنطقة الشرقية احتجاجاً على تصرفات رئيس الوزراء.
ولا شك أن تصرف القطراني بمقاطعته للحكومة لا يكون إلا بأمر من حفتر وبموافقته، وأن تراجعه الذي أنكر فيه فكرة تشكيل حكومة موازية قد جاء بضغط وأمر من جهة أكبر من حفتر، وهي الجهة نفسها التي جعلت الناظوري القائد العام الذي عينه حفتر خلفاً له جعلته يأتي إلى رئيس المجلس الرئاسي ويؤدي له التحية العسكرية، وهذا اعتراف من الناظوري بأن المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش، الأمر الذي كان حفتر ينكره ولا يعترف بالمجلس الرئاسي ولا بالحكومة ولا بأية سلطة مدنية كما صرح بذلك في فترة سابقة.
ويفهم من هذين الموقفين، أي موقف القطراني والناظوري، أن أمريكا ربما قد بدأت في سحب البساط تدريجياً من تحت رجلي حفتر وإبعاده من المشهد السياسي، وحتى مسألة استقالته المؤقتة من منصبه بحجة تفرغه لحملة الانتخابات قد تكون من هذا الباب، أي الانسحاب التدريجي من الحياة السياسية والعسكرية.
وبقاؤه أو إبقاؤه إلى الآن في المشهد هو من أجل الضغط على الأطراف الأخرى حتى يقبلوا بالحلول الدولية، وحتى لو رشح حفتر للانتخابات فلا يرجّح أن يكون له حظ في الفوز إذا سارت العملية بنزاهة وشفافية وبدون خوف أو إكراه. ولا أظن أن أمريكا إذا كانت جادة وصادقة في البحث عن الاستقرار في ليبيا أن تفرض حفتر بالقوة لرئاسة البلاد وهي تعرف أنه غير مقبول في ليبيا عموماً والمناطق الغربية خصوصاً، وهي تعرف أنه ملاحق أمام المحاكم في أمريكا وغيرها بتهم جرائم الحرب التي ارتكبها في ليبيا. إضافة إلى معرفتها لحفتر وإعطائها له الفرصة تلو الفرصة على مدى سبع سنوات للوصول إلى السلطة ولكنه هزم في الحرب وفشل في السياسة وشاخ في العمر.
وهكذا يبقى الليبيون - مع الأسف الشديد - مصيرهم بيد هذه الدول الكبرى تتلاعب بهم وتجري بهم من مؤتمر إلى مؤتمر، ومن ملتقى إلى ملتقى، ومن بلد إلى بلد وهم يزدادون كل يوم فيما بينهم تفرقاً وخلافاً واختلافاً وتفريطاً في حق بلادهم وأمتهم عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلم: الأستاذ محمد صادق
رأيك في الموضوع