لا تزال الدول الفاعلة في الملف السوري تحاول جاهدة رسم المشهد على مسرح ثورة الشام بما يتوافق مع مصالحها، وتهيئة الأجواء وتمهيد الأرضية للحل السياسي الأمريكي الخبيث، فلا يكاد يخلو تصريح من تصريحات ساسة النظام التركي من الدعوة إلى التصالح مع طاغية الشام، ولا يزال العمل جارياً على قدم وساق للتطبيع معه؛ عبر لقاءات ثنائية وثلاثية على مستوى وزراء الدفاع والاستخبارات، وعلى مستوى وزراء الخارجية، تمهيدا للقاء قمة يجمع كلا من الرئيس التركي أردوغان مع نظيره طاغية الشام بوساطة روسية.
يترافق مع سعي النظام التركي الحثيث لترتيب أوراقه مع طاغية الشام؛ أعمال وتحركات على الأرض ترسم ملامح مرحلة مقبلة يراد فرضها على أهل الشام، ولعل من أهم هذه الأعمال هي فتح معابر مع طاغية الشام؛ كمعبر عون الدادات الذي يفصل بين المناطق التي تسيطر عليها قوات "قسد"؛ وبين المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني في كل من جرابلس ومنبج، ومعبر الترنبة الذي يفصل بين منطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام؛ وبين منطقة سراقب الواقعة تحت سيطرة طاغية الشام، وهذا الأمر وإن كان يواجه رفضاً شعبياً عارماً، إلا أن تحقيقه يعتبر خطوة مهمة في طريق المصالحة مع طاغية الشام، ولن تتوقف المحاولات لفتحها كلما سنحت الفرصة لذلك.
كما أن فتح طريق الـM4 يعتبر أحد أهم الأعمال المرتقبة في المرحلة المقبلة، حيث يعتبر بنداً من بنود اتفاق سوتشي غير المنفذ؛ رغم المحاولات الكثيرة التي باءت جميعها بالفشل، إلا أن فتح هذا الطريق يعتبر أيضاً خطوة مهمة لصالح طاغية الشام وإعادة تدويره من جديد، وربما سنشهد قريبا محاولات جديدة لتنفيذه.
كما يعتبر دمج المناطق بين ضفتي ما يسمى المناطق المحررة تحت قيادة واحدة أمراً مهماً للغاية بالنسبة للدول الفاعلة في الملف السوري، فهو يمهد الطريق للتفاوض المستقبلي مع طاغية الشام، وقد بدأت إرهاصاته بادية للعيان مع السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام على منطقة عفرين، وتوغلها الأمني في معظم مناطق درع الفرات، يترافق ذلك مع قبول دولي لها بعد التغييرات الجذرية التي أجرتها على سياساتها، والتلونات الكثيرة التي رافقت مسيرتها، بداية من فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، مرورا بتسويق نفسها دولياً كأداة أساسية وعصاً غليظة ضد كل معارض للسياسات الدولية، وليس انتهاء باستعدادها لتنفيذ جميع الاتفاقيات الدولية؛ بما في ذلك فتح طريق M4 وحماية الدوريات الروسية، وفتح المعابر مع طاغية الشام.
هذه أهم ملامح المرحلة المقبلة التي يراد تنفيذها كأمر واقع، فما الذي ينتظرنا إن بقينا صامتين ونحن نشاهد الدعوات المكثفة من النظام التركي للتصالح مع طاغية الشام والخطوات المتسارعة للتطبيع معه؟!
وما الحل لليأس الموهوم المخيم على معظم الناس الناتج عن الإحساس الكاذب بالعجز، وعن الجواب الجاهز؛ ماذا أستطيع أن أفعل، وما باليد حيلة، وغيرها من الأجوبة المقولبة؟!
إن حصر التفكير بالعمل الفردي هو سبب حالة اليأس والشعور بالعجز السائد في الأوساط الشعبية، وهذا طبيعي؛ لأن الأعمال الفردية غير منتجة وضعيفة وسهلة القمع والاجتثاث، بخلاف الأعمال الجماعية الموحدة والمنظمة، فكان لا بد من توجيه العمل نحو حشد الطاقات وتوحيد الجهود وتنظيمها، فثورة الشام هي ثورة شعبية وليست ثورة فصائلية، وسكوت أهل الشام وانعزالهم والنأي بأنفسهم عما يجري من تآمر على ثورتهم لن ينصر الثورة، بل سيسرع في هزيمتها، وسيسهل الأمر على من يتربصون بها لإجهاضها، فالصمت لن يحل المشكلة بل سيعقدها.
ثم إن الحراك الشعبي الرافض لتصريحات النظام التركي الداعية للمصالحة مع طاغية الشام، هو حراك بلا شك يعبر عن حيوية أهل الشام وتمسكهم بثورتهم وثوابتها، إلا أن هذا الحراك لا يخرج عن كونه ردة فعل سرعان ما تنتهي كما انتهت سابقاته؛ عندما تحرك الناس للمطالبة بالقصاص من قاتلي الإعلامي أبو غنوم في مناطق درع الفرات، وخاصة مع وجود محاولات حثيثة لاحتوائه من قيادات المنظومة الفصائلية المرتبطة، وتوجيهه باتجاه حصر المطالب برفض المصالحات دون المساس بالنظام التركي، أو الدعوة لفتح الجبهات كرد عملي على رفض المصالحة.
نعم إن هذا الحراك في خطر كبير، فلا بد من تحصينه وعمل كل ما يلزم لضمان استمراره في الطريق الصحيح.
إن الانتقال من مرحلة السكون إلى مرحلة العمل الجماعي الناجح والمستمر يحتاج لتنظيم الجهود والطاقات، فكل عمل غير منظم مصيره الفشل والاندثار، فلا بد من التركيز على هذا الأمر وإعطائه الأولوية لأنه مفتاح النجاح، فلا بد لكل ثائر حر بغض النظر عن موقعه أن يعمل على تجميع القوى وتشكيلها وتنظيمها في منطقته، على أن تكون هذه التشكيلات واضحة الأهداف، لتتحول هذه التشكيلات إلى كتل صلبة تستطيع التحرك بشكل جماعي منظم مستمر، وذلك للتصدي لكل محاولة من شأنها إجهاض ثورة الشام، ولاستعادة قرار الثورة من جديد من أيدي مغتصبيه، واستعادة زمام المبادرة.
إن أهل الشام هم من دفعوا ولا زالوا يدفعون ثمن ثورتهم من دماء أبنائهم وأعراض حرائرهم، وهم من يعانون الفقر والحرمان والتشرد، وهم الخاسر الأكبر إن استسلموا لليأس وتركوا ثورتهم للأمواج تتلاطمها حيث تشاء، فلا بديل عن الاستمرار في الثورة حتى إسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه عبر دولة الخلافة.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع