إن النظام الاقتصادي الرأسمالي مطبق في معظم بلدان العالم، وهذا النظام منبثق عن المبدأ الرأسمالي الذي يقدس القيمة المادية على حساب سائر القيم ويرى أن المشكلة الاقتصادية هي الندرة النسبية ويمزج بين النظام الاقتصادي وعلم الاقتصاد. كما يطلقون للفرد حرية التملك بمعزل عما يجب أن يكون عليه المجتمع، ومن الأسس الاقتصادية فيه الربا. وقد تسبب هذا النظام ولا زال بمشاكل وأزمات اقتصادية عالمية وإقليمية ومحلية.
بينما النظام الاقتصادي الإسلامي يفصل بين علم الاقتصاد القائم على الأمور العلمية والوسائل والأساليب الناجحة وبين النظام الاقتصادي المنبثق عن مبدأ الإسلام ووجهة نظره في الحياة، ويرى أن المشكلة الاقتصادية تكمن في سوء توزيع المال بين الرعية، ويحث على زيادة الإنتاج ويحدد ما يجب أن يكون عليه المجتمع، كما يحث الأفراد على السعي في طلب الرزق ويتدخل لتأمين الحاجات الأساسية لكل فرد من الرعية، ويمنع حصر المال بيد فئة معينة كما يمنع الربا والاحتكار والغش ويحدد الملكيات الثلاث؛ ملكية خاصة وملكية عامة وملكية الدولة، وجعل لكل منها أحكاماً شرعية تحدد كيفية التملك والتصرف. كما أن القيمة الروحية هي التي تسيطر على باقي القيم، فالخوف من الله والحرص على طاعته ومساعدة الناس هي السائد، كما أن النظرة للدنيا ومنها المال فهي أنه لله، فالمال مال الله ابتداء وجعل الإنسان مستخلفاً فيه، قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾.
ولنضرب الأزمة الاقتصادية في لبنان نموذجاً:
أسباب الأزمة الاقتصادية في لبنان تتلخص في أمرين:
الأول: النظام الرأسمالي الذي يعتمد في لبنان على قطاع الخدمات والمصارف، وهذا القطاع إذا حدثت أية مشكلة سياسية أو أمنية أو اقتصادية فإن رؤوس الأموال تُسحب وتزيد الأزمة، كذلك يعتمد على الربا الذي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً.
الثاني: طبقة حاكمة مفسدة امتهنت اللصوصية تسرق المال العام بالإضافة إلى أموال الناس.
وعلاج هذه الأزمة في لبنان يتلخص بالآتي:
١- تطبيق الشريعة الإسلامية وأنظمتها ومنها النظام الاقتصادي الإسلامي.
٢- منع الربا حيث إن لبنان يدفع ما يقارب نصف الإنتاج المحلي (حوالي ٨ مليار دولار) ربا، في حين إن السلطة تتملق صندوق النقد الدولي للاستدانة الربوية منه المبلغ نفسه.
3- استعادة المال الذي تسرقه السلطة الحاكمة حيث تقدر ثرواتهم بمئات المليارات من الدولارات.
4- فرض ضريبة تصاعدية على الأغنياء وترد على الفقراء.
5- منع الاحتكار والغش واستغلال حيتان المال للأزمة.
6- جعل العملة من الذهب والفضة أو تغطية الأوراق النقدية بهما.
فالإسلام دين الله وفيه أحكام تعالج مشاكل الإنسان ومن ذلك الاقتصاد، وحين نصر الله رسوله وأقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة واجه مشكلتين اقتصاديتين: الأولى هجرة المسلمين من أهل مكة إلى المدينة فقد صادرت قريش أموالهم فآخى النبي بينهم وبين الأنصار فاقتسموا المال بالسوية.
والثانية: كان سوق المدينة يقام في حي يهود بني قينقاع. وقد غلبت عليهم طبيعتهم حيث كانوا يفرضون خراجاً على المتاجرة ويبيعون أماكن في السوق للباعة يتعاملون عليها أو يؤجرونها أو يحتكرونها لأنفسهم، وبالتالي كانت لهم السيادة على هذا السوق فـقرر الرسول الكريم ﷺ إنشاء سوق جديد بقرب سوقهم، وكان يتفقده بنفسه.
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم.
وكذلك كان الخلفاء من بعده يطبقون أحكام الله ويعالجون مشاكل الناس وفقها.
بقلم: الشيخ د. محمد إبراهيم
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
رأيك في الموضوع