خلال اجتماع الملك فاروق بحكومته سنة 1949م، قرروا إنشاء الإدارة العامة للمصانع الحربية مهمتها البدء فورا في إنشاء مصانع حربية تنتج سلاحاً مصرياً لاستخدام الجيش وأعطيت الإدارة كافة الصلاحيات والإمكانات المالية، وفي عام 1951 افتتحت أول مجموعة مصانع حربية بحلوان متخصصة في صناعة الصواريخ والبنادق والمقذوفات بأنواعها، تلقفها نظام ما بعد ثورة يوليو، عسكر أمريكا، واستغلوها في الترويج لأنفسهم حتى ليظن المستمع أنهم هم أصحاب فكرتها ومطوروها، بينما هم حقيقة من أوقفوا تطورها وأهملوها ككل الصناعات والبنى التحتية المؤهلة للتصنيع التي أهملوها، بل تحركوا فيها حراك المضطر الذي يريد أن يظهر أمام الناس في ثياب البطل صاحب الإنجازات ولو استغلوها حق الاستغلال بما لها من إمكانيات وصلاحيات لتغير وضعها ووضع مصر معها، لكن هذا لا يقوم به العملاء بل يحتاج لمخلصين، هذه هي البداية التي رأينا من خلالها ما هو موجود الآن ويديره الجيش بتفرعاته ويطلق عليه المصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع وما إلى ذلك، في نوع ضخم من الاقتصاد غير خاضع لقوانين الدولة ولا يدخل موازنتها، فكل ما يتفرع من شركات ومؤسسات تستفيد من الامتيازات الممنوحة للمؤسسات العسكرية فلا جمارك ولا ضرائب ولا تراخيص ولا حتى تحتاج لشراء الأرض التي تحتاج إليها في مشروعاتها تلك، ولا يستطيع أحد منازعتها فيما تريد، بل تمنح المزيد والمزيد من المميزات على حساب باقي العاملين والمستثمرين في شتى القطاعات حتى إن نجيب سويرس شريكهم بالأمس قد استنكر عليهم ذلك، فما هو واقع هذا الاقتصاد؟ وهل يوضع في يد العسكر حقا من أجل إنقاذ مصر؟ وما الذي يجب أن يكون عليه الاقتصاد في مصر؟
أولا يجب أن نبين ما الذي يجب أن يكون عليه الاقتصاد؟ فما يفعله النظام مع المؤسسة العسكرية وما تفرع عنها وما يمنحهم من امتيازات هي حق أصيل ولكن ليس لهم وحدهم بل هي حق أصيل لكل الناس، فالأصل أنه لا جمارك على البضائع التي تدخل الدولة طالما أن مالكها يحمل تابعية الدولة، كما أنه ليس للدولة أن تحصل الضرائب من الناس، ولا يحتاج من يريد بناء مصنع أو متجر إلى ترخيص من الدولة بل يكفي أن يعلم الدولة بما ينوي القيام به على سبيل العلم والخبر والاستشارة فيما لو احتاج دعما من الدولة فيما يقوم به من أعمال سواء بالدعم المادي أو التوجيه، ولكن ليس للدولة أن تمنعه من العمل ما لم يكن حراما وما لم يكن فيه ما يضر الناس أو كيان الدولة وليس الحكام واستثماراتهم فقط، كما أن لكل الناس كل الحق في إعمار الأرض واستغلالها سواء بالزراعة أو بناء السكن أو المصانع والمتاجر ما لم تكن أرضا مخصصة لرعاية شؤون الناس ومصالح الدولة، وما يمنع عن عوام الناس لا يمنح لخواصهم أبدا ولو كانوا حكاما ومتنفذين في الدولة، قال ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ»، فمن أراد تملك أرض لزراعتها أو إنشاء مصنع عليها، لا يجوز للدولة منعه منها ولا بيعها له بل يجب عليها أن تدعمه في هذا السبيل قدر استطاعتها حتى يتمكن من إحيائها والاستغناء بها عن سؤال الناس، هذا بخلاف أن المشاريع العملاقة التي تختص بحقول النفط والغاز والمناجم وغيرها من الثروات الدائمية وشبه الدائمية تسمى ملكية عامة لا يجوز التفريط فيها ولا منحها لأشخاص أو هيئات ومؤسسات ولا الشراكة عليها مع شركات الغرب وهيئاته، بل يجب أن تقوم الدولة بإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الناس عينا أو في صورة خدمات حقيقية وليس دعما وهميا كالذي تمن به الأنظمة العميلة على رعاياها بينما تنهب كل ثروتهم! هذه الأمور وحدها كيف تصنع مع اقتصاد دولة لو طبقت على الوجه الصحيح فكان للناس حق الزراعة والتصنيع دون قيود الغرب وضغوطه، كيف لو ألغيت الجمارك والضرائب وتمكن الناس من حقوقهم في النفط والغاز والكهرباء وكل وسائل الطاقة فلم تعد هناك أعباء تثقل كاهل المصنع والبائع؟ كيف ستكون الأسعار وكيف سيكون شكل الدولة وإنتاجها وعمل أبنائها؟! هذه لمحة بسيطة لما يجب أن يكون عليه واقع الاقتصاد ونظامه الذي بينه الإسلام والذي لا يستطيع العملاء تطبيقه فهم مجرد أدوات، وهذا الذي عرضنا لمحة منه لا يمكن تطبيقه بمعزل عن أصله في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
إن واقع هذا الاقتصاد الضخم هو شركات ومصانع ومزارع بكافة أنواعها حتى تخطى الأمر إلى شراكة مع هيئات وشركات خارجية على مشاريع عملاقة كلها تملك زمامها الدولة، أي أنها تدخل في حقيقتها ضمن الملكية العامة التي لا يجوز للأشخاص تملكها، ولكن هل توضع في يد الجيش من أجل إنقاذه أو إنتاج الثروة منها حقا أم هناك مآرب أخرى؟ قطعا لا يتحرك العملاء لخدمة البلاد ولرعاية الشعوب بل كل حركاتهم لمصالح سادتهم في الغرب ولتثبيت عروشهم التي نخر فيها السوس، ولهذا فلا يصدق عاقل أن غاية النظام المصري هي إنقاذ الاقتصاد المهترئ، فحقيقة الأمر أن النظام يعطي هذه المشاريع والمكتسبات خالصة مخلصة لرجال الجيش دون أي رقابة من الدولة فتصبح بهذا ملكية خاصة لشركات يديرها أفراد من الجيش حاليون أو متقاعدون، وحكام مصر لا يعنيهم الناس ولا معاناتهم اليومية لضمان أقواتهم، فلو تطلب الأمر سيدوسونهم ثانية بالمجنزرات لحماية مكتسباتهم ومميزاتهم التي حصلوها، وما يفعله رأس النظام الآن من تمكين الجيش وقادته من الهيمنة على اقتصاد مصر ليس سوى رشوة يضمن بها ولاء قطاع عريض في الجيش بعائلاتهم وأقربائهم ممن سينالهم نصيب مما اكتسبوا، فيستطيع بهم رعاية مصالح سادته في الغرب وحماية امتيازاتهم واستثماراتهم وما ينهبون من خيرات مصر، وفي النهاية يحولهم إلى شركاء في جريمة الخيانة لمصر وأهلها وجريمة التفريط في حقوقها بل ويجبرهم بأنفسهم على تمكين لصوص الثروات وحمايتهم أثناء سرقتها، فلا غايتهم إنقاذ مصر ولا تعنيهم إلا بقدر ما يضاف لأرصدتهم في بنوك الغرب، وهنا نسأل هؤلاء الذين قبلوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات قمع لشعوبهم لقاء عرض من الدنيا قليل وفتات يلقى إليهم هو في أصله جزء من حقوقهم التي يسلبها الغرب وأعوانه من الحكام العملاء، كيف ستلقون الله عز وجل؟! وما الذي سيغسل دماء إخوانكم عن أيديكم؟ وهل ستحميكم هذه الأموال من غضب الله وعقابه حتى لو تصدقتم منها وحججتم وفعلتم ما فعلتم؟! فأصلها رشوة وسحت ستكتوون بها في نار جهنم إلا من رحم الله. كيف أنتم إذا وضع الكتاب وإذا هو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدتم أعمالكم واجتماعاتكم وميزاتكم حاضرة أمام الله الذي لا يظلم أحدا؟! ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾، فإن كانت لكم طاقة بنار الله وعذابه فاقبلوا ما يلقى لكم من رشى! وإن كنتم تخافون الله وتخافون يوم تعرضون عليه فأنقذوا أنفسكم من غي هذا النظام ورجسه وأعلنوها لله غضبة تقتلعه من جذوره وتزيل كل أوزاره وأقيموها مع المخلصين من أبناء الأمة خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ دولة يعز الله بها الإسلام وأهله وينصر بها جنده.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر*
رأيك في الموضوع