ما إن توقفت الحرب على غزة بتاريخ 21/5/2021 حتى بدأ الحديث يدور عن ترسيخ معادلة جديدة، وهي أن توقف الصواريخ على كيان يهود مقترن بوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ووقف محاولات التهجير بحق أهل الشيخ جراح، ولكن ما هي إلا أيام قليلة - يومين - حتى عاد كيان يهود إلى سياساته الهمجية بحق المسجد الأقصى فاقتحمته قواته برفقة المستوطنين الحاقدين وارتكبت اعتداءات واعتقالات بحق المصلين، ومن ثم تكررت الاقتحامات، وأعيد تنظيم ما يسمى بمسيرة الأعلام، وكذلك استؤنفت الهجمات على حي الشيخ جراح وتم اتخاذ إجراءات قمعية بحق أهله، وزاد على ذلك كيان يهود بأن قصف قطاع غزة رداً على بالونات حارقة خرجت منه باتجاه المستوطنات، فهل يفرض كيان يهود معادلة جديدة؟ وما الهدف من هذه المعادلة التي يراد فرضها؟ ماذا تظهر هذه المعادلة وكيف يتم التعامل معها بشكل حقيقي وفعّال؟
هل يفرض كيان يهود معادلة جديدة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التذكير بالآلية التي يتعامل بها كيان يهود مع قضية فلسطين، والتي يمكن تلخيصها بآلية التجزئة ونقل القضية من الكل إلى الجزء إلى جزء الجزء على عادة يهود في تفتيت القضايا ليسهل عليهم التعامل معها وقضمها، فكان أن عملوا على تحويل القضية من قضية فلسطين كلها إلى قضية المحتل عام 1967 ومن ثم إلى قضية الضفة وغزة والآن يريدون حصرها في قطاع غزة.
وضمن هذه العقلية يمكن فهم تصرفات كيان يهود في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح بعد توقف الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وفهم المعادلة التي يريد تثبيتها وهي معادلة قديمة جديدة، وهي فصل الملفات عن بعضها بعضا، وفصل ملف الضفة عن غزة، وغزة عن القدس. فأوقف القصف على غزة ليتوقف القصف على مدنه ومطاراته وفي المقابل استمر بسياساته الاستعمارية لتهويد القدس وطرد أهلها وتقسيم المسجد الأقصى، بل وصعد من تلك السياسات الحاقدة. وما إن خرجت بعض البالونات الحارقة من غزة رداً على استمرار الحصار والاعتداءات في القدس حتى قام بقصف جوي لمناطق مفتوحة كما كان يفعل قبل الحرب الأخيرة وبوتيرة أشد من السابق ليثبت معادلة فصل ملف القدس عن غزة وأنه لا يقبل بأن يوقف سياساته في القدس مقابل وقف القصف من غزة بل يقبل بوقف القصف على غزة مقابل توقف القصف على مدنه وبلداته.
ما الهدف من هذه المعادلة التي يراد فرضها؟
إن الهدف من هذه المعادلة هو المضي قدما في تهويد القدس والتوسع في الضفة الغربية - التي يعتبرها كيان يهود العمق الاستراتيجي له في حال نشوب حرب من الجبهة الشرقية - وذلك بالتزامن مع العمل على وضع ملف غزة جانباً بالتهديد بالرد البربري والدموي والوحشي إن كان هنالك رد من غزة وانطلقت منها ضربات صاروخية، وأن يتم بحسب المعادلة ربط الملفات المتعلقة بملف غزة من معابر ومناطق صيد وإدخال المواد الخام وتخفيف الحصار بضبط الفصائل ومنع حصول هجمات ضد كيان يهود، وأن يكون التفاهم على شؤون القطاع مرتبطاً بالتفاهم على ملف غزة فقط دون غيره من الملفات، والذي يساعد كيان يهود على فرض هذه المعادلة الخبيثة على قطاع غزة هو الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين وخاصة نظام السيسي الذي يمسك بشريان القطاع وجهاز مخابراته الذي يتواصل بشكل حثيث مع كيان يهود لمنع وقوع جولة جديدة من القتال في اللحظة التي يصعد فيها كيان يهود ومستوطنوه وأحزابه اليمينية من هجماتهم واعتداءاتهم في القدس والمسجد الأقصى والشيخ جراح والضفة الغربية ويعملون على تثبيت معادلتهم السرطانية.
ماذا تظهر هذه المعادلة وكيف يتم التعامل معها بشكل حقيقي وفعال؟
إن هذه المعادلة التي يعمل كيان يهود على تثبيتها تظهر تهاوي ما تروج له الأوساط السياسية والقنوات الإعلامية التابعة للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين في محاولة منها لتبرير تقاعس تلك الأنظمة عن نصرة أهل غزة وأهل فلسطين بادعائهم أن أهل فلسطين وأهل غزة قادرون على منع كيان يهود وحماية المسجد الأقصى ومنع أعمال التهويد والتهجير في القدس وخارجها دون مساعدة من الأمة الإسلامية، وهم في ذلك يدسون السم في الدسم ويغلفون الطعنة بكلام ظاهره المدح وحقيقته ترك أهل فلسطين لقمة سائغة لكيان يهود.
إن أهل فلسطين لا يستطيعون منع وردع كيان يهود فهم قوم عزل في الضفة الغربية وهم بين مطرقة يهود وسندان السلطة الخادمة له، وفي غزة هم محاصرون بين يهود والسيسي المجرم، وفي المقابل كيان يهود دولة بطائرات ودبابات وجيش ودعم وغطاء دولي، وما يقوم به أهل فلسطين من أعمال فيها شجاعة وعزة وكبرياء للتصدي قدر الإمكان لكيان يهود ومنع تصفية القضية وتهجير أهلها ويقدمون في سبيل ذلك الغالي والرخيص، هو أمر يزيد الثقل على الأمة ولا يخففه عنها وعن جيوشها التي هي على مرمى حجر لنصرتهم وكنس المحتلين وتطهير فلسطين كاملة من دنسهم، وهو علامة خزي وعار وخيانة في جبين الحكام الذين يكبلون الأمة وجيوشها ويرسلون المساعدات المالية والإنسانية بدل إرسال الجيوش لتنهي جيشاً جباناً أظهرت الأحداث مدى ضعفه وخواره.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الموضوع ليس المسجد الأقصى وإن كان هو قلب القضية ورأسها وليس حي الشيخ جراح أو قطاع غزة أو الضفة الغربية وإن كانت هي شرايين القضية النابضة، بل الموضوع هو فلسطين كاملة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فلا يجوز الانجرار إلى معادلات كيان يهود وفصل الملفات عن بعضها بعضا، فحتى لو قرر الانسحاب من شرقي القدس وهو لن يفعل ذلك فستبقى القضية كما هي قضية أرض مغتصبة يجب على الأمة العمل على تحريرها ويجب عليها فرض معادلتها لا أن تنزلق لمعادلات أعدائها، ومعادلة الأمة هي التي بينها دينها الحنيف وشرعها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويجملها قول رسول الله ﷺ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ». رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة.
بقلم: الدكتور إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع