أدرجت أمريكا السودان عام 1999م على القائمة السوداء حول الحريات الدينية ضمن مجموعة من الدول، قبل أن تنقلها في 20 كانون أول/ديسمبر 2019م، إلى قائمة المراقبة. ثم أزالتها بشكل نهائي، بعد أن قامت الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس وزرائها عبد الله حمدوك بعدة تغييرات وتعديلات قانونية، منها حذف قانون الردة.
أعلن السفير الأمريكي لشؤون الحريات الدينية سام براونياك أن السودان هو أول بلد في العصر الحالي يلغي قانون الردة! وامتدح السفير الخطوات التي اتخذتها كل من السودان وأوزبيكستان في مجال الحريات الدينية، مما أدى إلى رفعهما من قائمة المراقبة، بعد وضعهما عليها سابقاً. وفي يوم الاثنين 6/12/2020م أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تغريدة على تويتر، أنه تم حذف السودان وأوزبيكستان من قائمة المراقبة الخاصة، بناء على التقدم الكبير والملموس، الذي حققته حكومتا البلدين خلال العام الماضي. وفي يوم الثلاثاء 7/12/2020م رحب السودان بقرار الإدارة الأمريكية القاضي بشطب اسمه من قائمة المراقبة الخاصة بالحريات الدينية، جاء ذلك في تدوينة عبر فيسبوك كتبها وزير الشؤون الدينية نصر الدين مفرح "سعدت كثيراً بشطب اسم بلادي من قائمة المراقبة الخاصة بالحريات الدينية بناء على التقدم الذي أحرزناه في مجال الحريات"، وأضاف، "إنها القائمة التي تمثل وصمة عار كتبها النظام البائد في صحيفته السوداء في بلد التنوع الديني والثقافي والإثني لتضاف إلى سجله المظلم"، وأكد مفرح أن "الحريات الدينية مبدأ ديني وقيمي والتزام حكومتنا تجاه شعبها قبل أن يكون أحد أسباب شطبنا من قائمة الدول ذات القلق في الحريات".
فما هي حقيقة قانون الحريات الدينية الأمريكي، الذي تعمل أمريكا على فرضه على الدول؟
لقد انطلقت فكرة القيام بتحرك أمريكي رسمي للاهتمام بالحريات الدينية في العالم بحملة واسعة من أجل ما سمي إنقاذ نصارى العالم من الاضطهاد، وأطلقها المحامي أمريكي الجنسية يهودي الديانة مايكل هورفيتز، الذي كان يشغل منصباً رفيعاً في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، خلال مقالة له نشرت في وول ستريت جورنال بتاريخ 5 تموز/يوليو 1995م بعنوان: "التعصب الجديد بين الصليب والهلال". وقد أدت جهود المروجين لمزاعم الاضطهاد الديني إلى تحرك وزارة الخارجية الأمريكية، وكان الرئيس كلينتون نفسه الذي أوعز إلى وزير خارجيته وارن كرستوفر بتشكيل لجنة أطلق عليها اسم لجنة الشريط الأزرق، برئاسة جون شاتوك مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك في تشرين الثاني/نوفمبر 1996م، ثم أعلن كلينتون في 16 كانون الثاني/يناير 1997م ما سمي بـ"اليوم الوطني للحريات الدينية" حيث قال إن إدارته سوف تضع قضية حق ممارسة الحريات الدينية كأحد المعايير التي تحكم علاقات الولايات المتحدة بالدول الأخرى، وكانت قد بدأت الخارجية الأمريكية في إصدار تقرير نصف سنوي حول أوضاع الحريات الدينية في العالم، وأُصدر بالفعل تقريران في 30 كانون الثاني/يناير 1997م والثاني في 22 تموز/يوليو من العام نفسه، وقد أثمرت الحملة اليهودية، وبعض الطوائف البروتستانتية المتعصبة، في الضغط على الإدارة الأمريكية، وبدأت مرحلة أخرى هي المرحلة التشريعية! وهذه المرحلة شهدت ثلاثة مشاريع:
- مشروع قانون فرانك وولف.
- مشروع آرلين سبكتور.
- مشروع دون نيكلز.
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أنشأ عام 1998م مكتب الحريات الدينية الدولية، بناء على توصية لجنة الوزير الاستشارية لشؤون الحريات الدينية، ثم جاء قانون الحريات الدينية الدولية فوافق على إنشاء هذا المكتب الذي يرأسه سفير دون سفارة، وأنيطت بالمكتب مسؤولية إصدار التقرير السنوي حول وضع الحريات الدينية، والاضطهاد الديني، في كافة دول العالم في شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، وتحدد وزارة الخارجية على أساس التقرير ما تسميه بالدول التي تثير قلقاً بسبب انتهاكات منهجية، ومستمرة، وفاضحة للحريات الدينية، والتي تتعرض لعقوبات أمريكية من ضمنها عقوبات اقتصادية.
إذاً هذا هو قانون الحريات الدينية الذي تستخدمه أمريكا سيفاً مسلطاً على الدول لتتدخل في شؤونها الداخلية، وبسط نفوذها، وبخاصة في بلاد المسلمين، حيث يأخذ بعداً آخر هو ردّنا عن عقيدتنا الإسلامية! وواضح من استعراض تطور هذا القانون، بأنه يأخذ صبغة دينية نصرانية يهودية، وبالتالي فهو قانون يشجع الارتداد عن الإسلام في البلاد الإسلامية، ويحمي المرتدين من أبناء المسلمين بإزالة قانون الردة الذي يؤدي إلى قتل المرتدين، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾، وقال سبحانه: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
فأعمال الدول الاستعمارية جميعها، ومنها الولايات المتحدة، هي محو الإسلام بشتى الوسائل والسبل، سواء أكانت خشنة؛ حملات عسكرية بشن الحروب وإيجاد الدمار الذي تقوم به هذه الدول عبر الاحتلال بجيوشها، أو ناعمة متمثلة بالغزو الفكري، والثقافي، والسياسي، وإزالة الأحكام الشرعية، وتقنين الأحكام الوضعية، وهذا العمل هو في حقيقته ضد مصالح الأمة الحيوية في الحفاظ على عقيدتها، وهويتها، وحضارتها، وبالتالي نقول لوزير الشؤون الدينية السوداني نصر الدين مفرح، إن هذا العمل لا يفرح الأمة كما تزعم كذباً بأنه مطلوب الشعب والثورة في السودان، بل إنه يغضب أهل السودان، لأنه يغضب رب العباد لمخالفته ونقضه لأحكام الإسلام، قال ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ» وقال ﷺ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» أخرجه البخاري.
وبالتالي فإن هذه الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، سائرة في إرضاء الغرب الكافر المبغض للإسلام والمسلمين، والمحارب لدين الإسلام بشتى السبل والوسائل، والمنفذ لكل سياسات الغرب الكارثية، من تمزيق للبلاد وإثارة النعرات القبلية والعصبية، وإفقار البلاد بنهب الثروات، وتدمير الأسر عبر إقرار اتفاقية سيداو، وقانون الطفل الأفريقي، والآن إقرار الردة لقلع العقيدة والدين من قلوب أهل السودان.
إنه لا مخرج للأمة والأهل في السودان إلا بثورة على هذا النظام بشقيه العسكري والمدني، وإسقاطه، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحمي البلاد والعباد، وتحقق الكفاية، وتحافظ على هوية الأمة وعقيدتها، ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
* منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع