أعلنت الحكومة الإثيوبية الجمعة 12/8/2022 رسميا إكمال عملية الملء الثالث لسد النهضة بحجم 22 مليار متر مكعب وبأنه تم تمرير المياه عبر الممر الأوسط للسد، وفي هذه المناسبة قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن مستوى ارتفاع السد وصل إلى 600 متر، مضيفاً سنقوم ببيع الكهرباء لدول الجوار لتحقيق تنمية مشتركة والنيل مصدر فخر واعتزاز للإثيوبيين وسنحقق التنمية من خلاله، وقال أيضا سبق وقلنا ونكرر للدول المطلة على النيل خصوصا مصر والسودان إنه بإنتاج الكهرباء نطور اقتصادنا ونود أن نسمح لمواطنينا الذين يعيشون العتمة أن يروا النور، وقال لا نسعى إلى تهميشهما والإضرار بهما.
فهل حقيقة سد النهضة ليس لتهميش السودان ومصر ولا الإضرار بهما وإخراجهما من التاريخ ومحو جغرافيتهما؟ إن سد النهضة هو مؤامرة كبرى على أهل السودان ومصر، وكارثة عظيمة تحل عليهم، إذا عرفنا من وراء بناء السد، وعرفنا قول الخبراء النزيهين غير المتآمرين! فقد قام خبراء من مكتب استصلاح الأراضي الأمريكية بالتنسيق مع إثيوبيا بدراسات ضخمة واستصلاح الأراضي في منطقة بني شنقول ومشاريع المياه في عموم إثيوبيا، وأعدت دراسات لمجموعة من المشاريع وصلت إلى 33 مشروعاً، بما في ذلك أربعة سدود صممت لتحويل بحيرة تانا ووادي أباي إلى خزان مياه لكل النيل، ليصبح المجموع الكلي لهذه السدود على النيل الأزرق في هذه الدراسة 73 مليارا و103 مليون متر مكعب، وأخذت هذه الدراسات عدة سنوات منذ 1958 واكتملت في 1964 ولكن لم تستطع إثيوبيا إنشاء هذه السدود في ذلك الوقت، وهو يتمثل الآن في سد النهضة الذي في نهاية اكتماله يخزن 74 مليار متر مكعب، كما خططت إثيوبيا للسيطرة على النيل، وبرزت مشاريع يهودية للحصول على حصة من مياه النيل، ففي منتصف السبعينات أبدت دويلة يهود لمصر رغبتها في الحصول على 10٪ من إيرادات نهر النيل وهو ما يمثل 8 مليارات متر مكعب، كذلك المقترح الذي تقدم به رئيس جامعة تل أبيب حاييم بن شاهار بأن تسعى دولتهم لإقناع مصر بضرورة منحها حصة من مياه النيل تنقل بواسطة أنابيب، وقد رفض الرأي العام في مصر مثل هذه الصفقات فلم يحصل يهود على مرادهم ولذلك قامت دويلتهم بالتحرك والعمل مع دول المنبع لتغيير الاتفاقات المائية التي تمكن السودان ومصر من مياه النيل والإضرار بهما، فكان طرح فكرة تقسيم المياه وإقامة السدود لحجز المياه عن دول المصب (السودان ومصر).
في مقالة بصحيفة المستقبل اللبنانية بتاريخ 20/10/2020 ذكر ما يلي: "إن (إسرائيل) تقوم بتمويل إنشاء خمسة سدود لتخزين مياه النيل في تنزانيا ورواندا، وذلك في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية (الإسرائيلي) أفغيدور ليبرمان إلى دول الحوض"، ويعترف الخبير اليهودي آرنون شوفير في كتابه "صراعات المياه في الشرق الأوسط" بوجود مصلحة استراتيجية ليهود من حدوث أزمة مياه في مصر لأن ذلك سيؤدي إلى تحجيم دورها في المنطقة، كما تلقت القاهرة مؤخراً عرضا من كيان يهود بالتدخل لإنهاء الخلافات بينها وبين دول المنبع حول الاتفاقية الإطارية مقابل موافقة مصر على إقامة يهود مشاريع مائية في إثيوبيا.
إن قادة يهود ركزوا على المياه قبل إنشاء دولتهم فقائدهم ثيودور هيرتزل كان يقول: "إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة، هم مهندسو المياه، عليهم يتوقف كل شيء من تجفيف المستنقعات إلى ري المساحات المجدبة، وإنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية"، أما ديفيد بن غوريون فقد صرح عام 1955 أمام الكنيست بأن "المياه هي الدماء لحياتنا والوطن جذوره في المياه، إننا نخوض معركة مع العرب وعلى انتصارنا فيها يتوقف مصير (إسرائيل)"، أما غولدا مائير فقد نقل عنها قولها "إن السيطرة على منابع المياه تجعل (إسرائيل) دولة غير مغلقة جغرافيا"...
وهكذا نجد أن المطامع في السيطرة على مياه النيل ليست وليدة اللحظة كما كشف المحلل السياسي الأمريكي مايكل كيلو مؤلف كتاب "حروب مصادر الثروة" حيث قال: "إن (إسرائيل) لعبت دورا كبيرا مع دول حوض النيل لنقض المعاهدات الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل"، وأضاف: "إن (إسرائيل) تلعب دورا بين حوض النيل ضمن مخطط أمريكي يسعى لانتزاع تلك الدول من أوروبا". وختم كيلو قائلا: "إن النيل سيصبح في السنوات القادمة قضية حياة أو موت وجوهر القضية أن 95٪ من موارد مصر النيلية تأتي من إثيوبيا". وقد عقدت العديد من الندوات في الغرب تناولت قضية حوض النيل منها تلك الندوة التي عقدت في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة جورج تاون، التي قال فيها مدير الجامعة د٠فرويد "إن أنجع سلاح يمكن أن يستخدم ضد السودان ومصر هو المياه لأنه مصدر الحياة لهما ويمكن أن يكون مصدر فناء". ونظمت السفارة الإثيوبية في تل أبيب في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 ندوة بعنوان "القسمة المتساوية لمياه نهر النيل" بحضور السفيرة الإثيوبية وسفيري غانا وجنوب السودان واستمرت لمدة ساعة وربع تحدث فيها هيجاي إيرلخ المتخصص في الشؤون الأفريقية بجامعة تل أبيب ومؤلف كتاب "الصليب والنهر... مصر إثيوبيا والنيل"، ومما جاء على لسانه أن "فكرة الحقوق التاريخية في النيل لا تزال تسيطر على عقل المصريين وهم يتجاهلون إثيوبيا عبر التاريخ، فسد النهضة زلزال مدمر ضرب مصر، وعقل المصريين لا يستوعب أن مرحلة جديدة في التاريخ تبدأ الآن بوجود سد النهضة، وسوف نرى قريبا بحيرة السد العالي وهي تفرغ تماما من المياه خلال سنوات قليلة ولن تولد الكهرباء من السد العالي..." وأضاف: "مهما طالت المفاوضات فهي لا تعني الكثير لأن السد موجود أصلا وسيتم الملء الثالث وتتحكم إثيوبيا في النيل".
من خلال هذه التصريحات وغيرها، يتضح أن سد النهضة وراءه القوى الاستعمارية؛ وبخاصة أمريكا، ويعاونها في ذلك كيان يهود المسخ، وهو سد لتحقيق أغراض وغايات سياسية استعمارية للمنطقة تستخدم فيها إثيوبيا لحجز المياه عن السودان ومصر، وهما يعتمدان عليه في الزراعة والشرب والكهرباء والتنمية بشكل عام ويمثل شريان الحياة لهما، فتريد هذه القوى الاستعمارية التحكم في مصدر الحياة للضغط على شعوب هذه المنطقة لتقبل بأمور كثيرة يريدها الاستعمار ولا تقبل بها الشعوب، إذاً هو سلاح الماء الذي يشهر في وجه شعوب هذه المنطقة، ونجد أن الحكام في مصر والسودان متواطئون في هذه الجريمة بتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ في 23/5/2015، هذا الاتفاق الذي أعطى الضوء الأخضر لإثيوبيا بالاستمرار في بناء السد وإسقاط الاتفاقات السابقة. حكومتا السودان ومصر تفرطان في مصالح حيوية للأمة ويستوجب ذلك العمل على هدم وإسقاط هذه الأنظمة الوظيفية التي تحقق مصالح الاستعمار وخططه ومكره الجهنمي على المسلمين والمستضعفين في منطقة وادي النيل، وإقامة دولة مبدئية على عقيدة الإسلام العظيم تحافظ على المصالح الحيوية للأمة وتخوض حربا ضروسا من أجل حمايتها والحفاظ عليها، وتعمل على التعامل مع هذا السد بما يزيل خطره على أهل السودان ومصر، الخطر الذي يتمثل في التجويع والتعطيش والغرق، وقد أصبح السد بعد الملء الثالث قنبلة مائية خطرة على السودان ومصر.
إن المطلوب من أهل السودان ومصر والمسلمين قاطبة التحرك اليوم قبل الغد لتغيير أنظمة الضرار هذه وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لنحدث الزلزال الذي يسقط هيمنة أمريكا والغرب المستعمر على المنطقة، ونتمكن من صناعة التاريخ وتغيير الجغرافيا التي تجعل المسلمين هم أصحاب الكلمة في هذا العالم، ونخلص البشرية من شرور النظام الرأسمالي المتوحش، الذي أهلك الحرث والنسل، وصنع الأزمات وأفسد في الأرض، فقد آن أوان التغيير الكوني لصالح الأمة الإسلامية لقيادة العالم بالإسلام من جديد، فعلى المخلصين في الجيوش في السودان ومصر أن يعطوا النصرة لحزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، وقد أعد العدة التي تؤهله ليستأنف المسلمون الحياة الإسلامية من جديد.
منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع