اجتياح كيان يهود لمخيم جنين وقتل الإعلامية شيرين أبو عاقلة وإصابة صحفيين والتعديات المستمرة لهذا الكيان الغاصب لأرض الإسراء والمعراج وبروز نقاش كبير حول جواز الترحم على الإعلامية شيرين ووصفها بالشهيدة... وردود الأفعال الكثيرة، والتعامي عن صلب القضية بأن هناك معتدياً على أهل البلاد بمختلف توجهاتهم وأديانهم يجب رد اعتدائه وإزالة خطره بواسطة الجيوش في بلاد المسلمين، وهذا الأب مانويل يرد المسلمين في العالم أي أهل القضية، وينبههم إلى واجبهم باعتبارهم أهل الذمة يجب الدفاع عنهم، ورعاية حقوقهم، فأعادنا إلى تاريخنا المجيد قائلاً: "أيها المتهافتون والمتخاذلون، يا حكام العرب والمسلمين، الساعين للتطبيع مع (إسرائيل)، اسمعوا نحن الفلسطينيين المسيحيين سلمنا أجدادكم المسلمين الشرفاء مفاتيح فلسطين والقدس وتسلمنا منهم العهدة العمرية، نحن ثبتنا على العهد وسنبقى كذلك أما أنتم فماذا صنعتم بتلك المفاتيح لمن سلمتموها؟ نحن إلى أيدي المؤمنين الطاهرة سلمناها، وأنتم تسلمونها اليوم إلى أيدي الصهاينة الملطخة أيديهم بدماء المسلمين والمسيحيين.. أنتم لا تستحقون فلسطين ولا القدس أرض الإسراء والمعراج لأنكم بالتطبيع طمستم وأهملتم سورة الإسراء الكريمة كأنها لم تعد جزءاً من عقيدتكم الإسلامية ولكنها كذلك، هذه خيانة إيمانية ووطنية وإنسانية... وهل تريدون أن تحموا (إسرائيل)، احموها امنحوها صكوك غفرانكم وثبتوا وجودها بالتطبيع والسلام، ولكننا نعدكم نحن الفلسطينيين أن (إسرائيل) سترحل مهينة الجناح ذليلة بسواعد المقاومين الشرفاء، سترحل سترحل سترحل".
هذه الكلمات تعيدنا بقوة إلى العهدة العمرية التي عقدها الخليفة عمر بن الخطاب مع نصارى بيت المقدس التي جاء فيها: "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت؛ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم فإنهم مأمنهم؛ ومن أقام منهم فهو آمن...".
إن الذمة والأمان والعهد كلها عقود فيها ربط بين طرفي الإيجاب والقبول المتمثل بجهتين؛ المسلمين وغير المسلمين، ويبقى عقد الذمة الذي يعقد بين غير المسلمين، ففي الدولة الإسلامية يحوز غير المسلم على تابعية الدولة ويصبح من رعاياها، فله عليها حق الرعاية والحفظ والأمان، ولها عليه الخنوع لأحكام الإسلام وأن يؤدي الجزية. هذا هو واقع عقد الذمة، فهو عقد على التابعية والحفظ والأمان، ومن يعقد لهم يسمون في عرف الإسلام أهل الذمة.
عقد الذمة هو أرقى صيغة قانونية عرفتها البشرية لتنظيم العلاقة بين الدولة الإسلامية والمقيمين فيها من غير المؤمنين بالأسس التي قامت عليها أو الوافدين الجدد إليها ممن يرغبون في الإقامة فيها والحصول على تابعيتها. إن المسلم يستغرب من النفور الموجود عند بعض المتعلمين المسلمين وعند كثير من غير المسلمين من مصطلح أهل الذمة. ففي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ»، وأخرج أبو داوود في سننه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وقال ابن حسب في مراتب الإجماع: "إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هم في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله ﷺ فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة".
إن الواجب اليوم على الأمة الإسلامية هو أن تنتفض ضد هذه الأنظمة الكرتونية الخائنة لله وللرسول، وإقامة دولة الخلافة التي تؤسس على العقيدة الإسلامية باعتبارها العقيدة الروحية السياسية الصحيحة، فتوجه جيوشها لإزالة هذا الكيان المغتصب الذي لم يسلم من شره المسلم وغير المسلم والصغير والكبير والمرأة والطفل والمقدسات والأعراض، قال المصطفى ﷺ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ».
وحدها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة هي التي تخلص المسلمين والنصارى في فلسطين وغيرها، وقد آن أوانها، فالعمل ثم العمل ثم العمل موقنين بنصر الله ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع